mercredi 13 février 2013

معاول السلفية تستهدف مؤسسات الولاية والصلاح 1/ 2




13-2-2013 9:55:07                    



التصوّف في المغرب العربي وفي تونس بوصفه معطى أصيلا في التكوين الجمعي للمنطقة، يتعرّض إلى هجمة من طروحات سلفية دخيلة. وهو محور الحوار مع لطفي عيسى الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي المقارن والذي تنشره "العرب" على جزءين.

أجرى الحوار حسونة المصباحي

بماذا تفسر اهتمامك بتاريخ الأولياء، وما هي استنتاجاتك الأساسية حولها؟

مرحلة التسعينات من القرن الماضي كانت حاسمة في هذا المجال، فقد حصل حراك أطره جيل من الجامعيين التونسيين المختصين في الإنسانيات، حاول بناء محصلته على تجاوز الاقتصار في إنتاج المعرفة على امتلاك تقنياتها، والبحث عن أشكال مستحدثة تمكن من بناء أفق جديد بالتعويل على تلك المحصلة في الإجابة عن مجموعة من المواضيع المُرجأة التي تلحّ على طرح سؤال المواطنة. فقد تجاوزت الجامعة طرح سؤال الدولة الوطنية اليعقوبية، منفتحة على مواضيع تعيد صياغة الانتماء من وجهة نظر كونية، من ذلك طرح سؤال المقدس توسيعا لمدلول التديّن.

كنا ندور حول أنفسنا، فاضطرنا سياق العولمة إلى طرح سؤال قابليتنا للانخراط في الكونية من خلال التعامل مع الغيرية كجزء منّا لا كطرف خارج ومنفصل عنّا. وبما أن قدر المؤرخ هو الإجابة عن أسئلة الحاضر عبر استقراء الماضي، فإن تفكيك وهم الهويات المحنّطة قد تحوّل إلى قضية نضالية و"إثيقية"، وذلك بمجرد أن تمحورت معظم الإشكاليات التي عمل على اقتراحها حول تفكيك النموذج المجتمعي التونسي بربطه ببعديه المغاربي والمتوسطي.

ولعل تناولي لمسألة الصلاح أو الولاية مُعتبر من حيث علاقته بذلك الأفق، فقد شكل المنجز المعرفي المتواضع الذي انكببت على اقتراحه، محاولة لإعادة فهم مسألة التدين من خلال تطويعها لمزيد التعرّف على الشخصية الروحية للمغاربة، وهو مجال علّمت "مورفولوجيته" ولا تزال مزارات الأولياء.

بماذا يمكن تفسير كثرة الأولياء في المغرب العربي؟

شدّدت البحوث الميدانية التي اهتمت بمجال المغارب، على غرار دراسات "بول باسكون" و"كليفورد غيرتز" على توافق مختلف الأنشطة التي تولاها الفاعلون من بين سكان المدن أو البوادي، سواء فيما يتصل برزنامة توزيع الأوقات أو بنسق إنجاز الأشغال الزراعية، مع جملة من العادات والممارسات تحيل على أزمنة ضاربة في القدم. وبالمقابل فإن تعريف العلاقات الرابطة بين المقدس كما عرّفه "دوركهايم" و"موس" و"إلياد" وأعاد إثماره "بيار بورديو" اجتماعيا و"جلبار ديران" دينيا، والمجال في بعديه الجغرافي والاجتماعي، قد انصبّ على كيفية نشأة الضوابط الثقافية الحافظة للأمن وبناء الهوية المشتركة، باعتبار المقدس لا يمثل مرحلة ضمن تاريخ الوعي البشري بل عنصرا ناظما لبنيته.

كما أثبت تاريخ التعمير داخل مجال المغارب أهمية التبادل التجاري في تأمين مسالك العبور والسيطرة على مختلف مظاهر الفوضى وفرض العافية والدفع باتجاه جلب المنفعة والتقريب بين الأعراف القبلية والأحكام الشرعية.

وتأتي كرامات الأولياء ضمن هذا الإطار للتشديد على تدخلهم لحماية مجال الحرمة والمتصرفين في اقتصاده وورثتهم وخدمهم والمحتمين بهم ومن جاورهم، في محاولة للتغطية على ضعف انتشار مؤسسات الدولة أو عدم قدرتها على تنفيذ أحكامها من خلال الاقتصاص من الخارجين عن الصف، حتى وإن لم يتجاوز مدلول ذلك القصاص المستوى الرمزي. فالإنسان المتدين وفقا لتعريف "روجي باستيد" يتخذ ضمن حقل الجغرافيا الدينية، مكانة تناظر تلك التي اختص بها "الإنسان-العامل" أو "الإنسان-العالم".

ساهمت الدراسات المنجزة حديثا في توضيح الفرق بين الواقع المحلي المغربي الذي عادت أهلية هيكلة مبادلاته الداخلية إلى مؤسسات الولاية والصلاح، والواقع المحلي التونسي الذي اتصلت مهمة الحماية فيه تاريخيا بحضور فاعل للهياكل الردعية والإدارية للدولة، تلك التي نجحت في الحد من الأدوار التي كانت تلعبها الأسواق السنوية بـ"بوسديرة" شمالا أو توزر جنوبا، لفائدة الأسواق الأسبوعية كسوق الأربعاء "مدينة جندوبة" وسوق الخميس عند مدينة بوسالم، الشيء الذي قلص من الأدوار الأمنية التي تولّتها التجمعات القبلية، فتدرّجت نحو الاستقرار وعوّلت على الأنشطة الزراعية، وانسلخ منظوروها من وضعية الرعاة والتجار إلى واقع المزارعين المتنافسين على اقتناء الأراضي وإحياء مواتها.

كيف تفسّر هجمة الفرق السلفية على أضرحة الأولياء بعد انتفاضات الربيع العربي؟

في شهر أبريل من سنة 2012 أعطى "أنصار الدين"، وهو تنظيم جهادي سلفي تحرّكه مجموعات متمرّدة من قبائل الطوارق تنتسب إلى فصيل "أنصار" وتعرف بقربها من قاعدة الجهاد "الوهابية" بالمغرب الإسلامي، إشارة الانطلاق لهذه الهجمة بعد أن سقطت جوهرة الصحراء الأفريقية ومدينة المخطوطات تمبكتو، بيد مقاتلي الطوارق من المتشدّدين دينيا الذين حطموا عديد المعالم الأثرية الإسلامية القديمة في تمبكتو، زاعمين أنها من المظاهر الوثنية، عامدين إلى خلع باب مسجد سيدي يحيى المؤدي إلى مقبرة قديمة تضم رفات 333 وليا صالحا، معللين ذلك بتعارض هندسة تلك المقامات مع أحكام الشريعة في تحريمها تجاوز علو الأضرحة أو القبور "15 سم".

ضمن هذا السياق الذي تأذت منه مزارات الصلاح بليبيا بعد إحراق مركز الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري، عرفت البلاد التونسية ومنذ شهر سبتمبر الماضي دوامة حرق المقامات، حيث تم التعدّي على أكثر من 40 مشهدا منتشرا بكامل البلاد.

وتندرج هذه الهجمة العنيفة ضد الصلاح وأهله ضمن آليات التلاقي والتباعد التي تنظم علاقة التآزر والتنافس بين الأجنحة الإسلامية المحافظة، المتوائمة منها مع ضوابط المدنية أو تلك التي لا تزال خارجة عنها.

فالتيارات السلفية في تونس تنقسم إلى فصيلين هما:

السلفية الجهادية التي فرضت نفسها على المشهد السياسي خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وذلك على خلفية المواجهات المسلحة مع الأنظمة السورية والمصرية والجزائرية مباشرة بعد استكمال تجربتها الأفغانية. ويرتبط هذا التيار الجهادي العنيف "أنصار الشريعة" بتنظيم القاعدة ويدعو إلى مجافاة الأنظمة القائمة لعدم شرعيتها.

السلفية الجهادية كانت وراء تدبير عدة عمليات عنيفة في تونس أبرزها استهداف بيعة اليهود بالغريبة في جزيرة جربة سنة 2003، والهجوم على مدينة سليمان نهاية سنة 2006. والسلفيون الجهاديون التونسيون هم جزء من شبكة متّصلة بتنظيم القاعدة تُدعى "أنصار الشريعة" وتتوسل في فرض نفسها على المجتمع بالقوة، أسلوب السيطرة على قرى أو مدن صغيرة قصد تطبيق الشريعة.

الفصيل الثاني تمثله "السلفية العلمية" الداعية إلى إسلام محافظ يجافي التوسل بالعنف للوصول إلى أهدافه، وتدور أهم أطروحاته حول مفهوم "الدولة الإسلامية في زمن الصحوة" وهو مدلول يؤمن بضرورة "إقامة دولة إسلامية تستأنف تنفيذ نظم الإسلام وتحمل دعوته إلى العالم في دورة جديدة من دورات تقدّم الإسلام وازدهاره".

ما يهمّنا هو رفض السلفيين للديمقراطية واستعدائهم صراحة للغرب، وتشديدهم على تناقض الديمقراطية مع الإسلام، اعتبارا لطابعها الوضعي وفصلها للدين عن الحياة، والحال أن الإسلام يعيدها -في تصورهم- لله ويربط السلطان بالأمة التي تَرْبِطُ عنقها بالبيعة في شخص الخليفة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire