vendredi 26 avril 2013

المقدس ومدلول الصراع حول الذاكرة الجماعية

















تشكّل مسألة الذاكرة الجماعية احدى المفاتيح الهامة التي يُسهم تدقيق مدلولها حاضرا في مزيد فهم سرعة نسق الحراك الاجتماعي ومحاذير حالة المخاض التي نعيش.
ويبدو من المفيد التنويه بحضور ثلاثة تناقضات أساسية بخصوص تمثل تلك الذاكرة، وهي تناقضات يغيّر الذهول عنها كثيرا من تناسق ألوان اللوحة التي نسعى إلى تحديد ملامحها الواقعية، وهي على التوالي:
- التفريق بين الذاكرة والتاريخ
- بين الوطن والأمة
- بين النجاح في رفع القداسة عن الفعل السياسي ومأزق إعادة الاعتبار للحياة الروحية.
يندس ما وسم بالذاكرة الجماعية عميقا في الحاضر، مشكّلا قراءة وجدانية لا تفتقر إلى موضوعيتها الخاصة. فهي تُعلي وتلفق وتقصي ما تقوم بتناقله من أخبار حول منجز الأجيال التي سبقتها، معيدة ترتيب أحداث الماضي من وجهة نظر حاجياتها الحاضرة، تلك التي يختلط ضمنها الموضوعي بالذاتي والشخصي بالعام.
أما التاريخ فهو محصلة لعمل المؤرخين، الذين يتصدّرون لإنتاجه وفقا لتقنيات معرفية ومهنية مضبوطة، تتعامل مع مخلفات الماضي بالمسافة، وتعالجها بشكل بارد يحاول قصار جهده تفادي جميع أشكال الانطباعية والانحياز.
ترتبط الذاكرة بالماضي - لا بالتاريخ -، لذلك يتعين تفاديا للخلط، الكفّ عن الحديث عن الذاكرة التاريخية، لأن في ذلك لغط يحيل على شيء لا يوجد في الواقع، تماما مثل الحديث عن ذاكرة وطنية في غياب استبطان عميق لمعنى الدولة-الوطن وامتلاكٍ لأخلاق المواطنة.  
وهو أمر يدعونا إلى الاعتبار بالفارق بين الأمة والوطن، حتى وإن كنّا على بيّنة، ومن وجهة نظر المعرفة التاريخية، أن لهذا الخلط ما يسنده ضمن خصوصيات العلاقة التي أنشأتها الدولة الوطنية أو دولة الاستقلال تونسيا مع هذين المدلولين، واللبس المقصود الذي اعترى مشروعها السياسي والمجتمعي والثقافي أيضا.
لسنا من دعاة القطع، وبعد أكثر من نصف قرن من تحقيق البلاد لاستقلالها السياسي، مع مفهوم الدولة-الوطن، بصرف النظر طبعا عن الحاجة الأكيدة إلى تعهّد مسار تشكّل تلك المنشأة بالتقييم الموضوعي المستمر.
ضمن هذا الإطار تحديدا، تتنزل دعوتنا الملحّة للنأي بالدولة عن الصراع حول السلطة. فمسيرة تحرير البلاد من الاستعمار قد خضعت تاريخيا لتداخل مقصود بين مدلولي الوطن والأمة، تونسية كانت وفقا لمنطوق خطاب الدستوريين، أم عربية  إسلامية كما يراها جانب من مناكفيهم. وهو لَبْسٌ لم يُحسم بشكل يسعف الدولة في بُعدها المؤسساتي في عملية تجاوز الارتهان السلبي لوجهة نظر من آلت إليهم تاريخيا مقاليد السلطة.
التناقض الثالث والأخير يندرج فيما لا نزال بصدد التفاعل معه كمجموعة تمتلك تمثّل للسيادة شكّله مشتركها الآني وخلفيتها التاريخية من وجهة نظر انتسابها إلى وطن يخصّها. فقد نجح المشروع الفارق الذي هو بصدد التشكّل حاضرا بَعْدُ في رفع كل قداسة عن الفعل السياسي واسترداده ممن استبدوا بتصريفه، متهيبا من تغوّل الدولة من جديد ومغبة الانزلاق مجدّدا في مساوي ملاحقة المعارضين وإذلالهم أو التنكيل بهم. فقد شكل الاهتمام بالشأن العام جرعة لم يعد بوسع التونسيين حاضرا –وإذا ما تجاوزنا شعورهم بالحرمان وحتى بالسأم أحيانا - التفريط فيها. غير أن توازن ما يأتونه والحرص على أداؤه بشكل صحي مرتهن فيما نعتقد بإعادة تشكيل الضابط الاجتماعي من خلال رطبه بسجل قيم ينسجم مع ما وسمناه برد الاعتبار للروحي. ونقصد القطع نهائيا مع جميع أشكال الوصاية الفكرية والعقدية على الأفراد بوصفهم مشاريع مواطنين فعليين، لا يتعارض انتسابهم إلى مجال سيادة مشترك مع احترام جميعهم لحريات بعضهم البعض الشخصية. فالروحي يتخطي التظاهر بالشعيرة، دافعا باتجاه الإقلاع عن الانزلاق مجددا في الإقصاء بالتعويل على التكفير ونفي توفّر من يختلف معنا مظهرا أو فكرا على حياة روحية توازي بل وتفوق أحيانا تلك التي لا يزال الاعتقاد جاريا (تماما مثلما كان عليه واقع ممارسة الفعل السياسي) بأنها حكر على المتدينين دون سواهم. وهو انزياح غير واعي يشرّع الرجم بالغيب من خلال قسر امتلاك الفضيلة على المتظاهرين بالشعيرة أو المتشددين في تطبيق قواعد الدين.
وهكذا فأن كل دعوة إلى التيقظ يُفترض أن تشغل حاضرا ما درجنا على اعتباره حقائق بديهية، على غرار أخذ التاريخ بشبهة الذاكرة، وتسلّل مدلول الأمة لمفهوم الوطن وارتهان صورته لمآخذ الماسكين بمقاليد السلطة، وحاجة رفع القداسة عن ممارسة الحكم إلى تَمَثُّلٍ مفارق للفضيلة يُسعف الضابط الأخلاقي ذاك الذي يفترض أن تعكسه الأحكام القانونية في أداء دوره المتمثل في حماية الحياة الروحية للأفراد من جميع أشكال الوصاية وجبروتها.
والاعتقاد عندنا أننا نعيش اليوم حالة تجاذب وصراع قويين بين ثلاث أنماط متراكمة تحيل على ذاكرتنا الجماعية، سواء ما اتصل منها بمرحلة ما قبل تأسيس الدولة-الوطن، أو تلك التي تحيل على حدود تلك الذاكرة كما شكّلتها الدولة الوطنية، في حين لازال الحدث الفارق الذي عشناه منذ سنتين أو أكثر بقليل بصدد إعادة صياغة تلك الذاكرة من وجهة نظر حاجيات الزمن الراهن.
تتمثل المواضع المعلّمة للذاكرة الروحية المتصلة بسياق مرحلة ما قبل تأسيس الدولة-الوطن في هيمنة المزارات والأضرحة والزوايا على المشهد المتصل بجغرافية البلاد التونسية الثقافية. ويعود ذلك إلى جملة من الأسباب الموضوعية شكّلت آليات التكافل والاندماج الاجتماعيين، وأساليب مواجهة صعوبات المعاش، وكذلك المستوى العام للذهنيات ومحوريّة ضمان الخلاص في الآخرة أبرزها.
لم يجاف الإسلام منذ انتشاره بمجال المغارب عامة هذه التوجهات الثقافية والروحية، بل عمل على تأطيرها بما يخدم مصلحة الجماعة المسلمة وتوسيع مجال مراقبة الدولة، وذلك على مدى قرون من الزمن. لوّن هذا الواقع المشهد الجغرافي الحضري حيث تداخل بشكل لافت في ذاكرة تأسيس المدن أو تعهّد تلك الذاكرة دوريا بإعادة التأسيس، وهو ما تشي به مدونات المناقب المخصّصة لسير أرباب الصلاح الذين علّمت أـضرحتهم أو مزاراتهم وزواياهم المجال الحضري. في حين أسعف التزوي في إعادة تنظيم حياة الفصائل القبلية بمختلف البوادي القريبة أو البعيدة عن تلك المسوّرات، مُسْهِمًا بشكل لافت في تمازج أعراقها وضع الفصائل البدوية تدريجيا حدا لتورّطها في ممارسة العنف بعد انقطاعها إلى ممارسة الأنشطة المستقرة.
اكتسب المشهد الثقافي اعتبارا لتلك المواصفات، مدلولا سميائيا ورمزيا توفّر على نظام للقيم وعلى هوية مخصوصة تداولها مختلف الفاعلون الذين عادت لهم مسؤولية تنشيطه. فقد شدّدت البحوث الميدانية التي اهتمت بالمجال التونسي، الاجتماعية من بينها أو الأنتروبولوجية، على توافق مختلف الأنشطة الاقتصادية التي تولاها أولئك الفاعلون من بين سكان المدن أو البوادي، سواء فيما يتصل بروزنامة توزيع الأوقات ونسق إنجاز الأشغال الزراعية اليومية منها والموسمية، مع جملة من العادات والممارسات تحيل على أزمنة سابقة لحضور الإسلام، مُجمعة على أولوية المشفوه قياسا للمكتوب وعلى الموقع الذي احتله المسكوت عنه ضمن حقلي التعيين الاجتماعي والسياسي، إلى حد تشكيله لجدار اجتماعي غير قابل للاختراق.
إن تعريف دوركهايم وموس وإلياد للمقدس باعتباره عنصرا محدّدا ضمن بنية الوعي البشري لا مرحلة عابرة من مراحله، يدفع إلى الاعتبار بالدور الذي لعبه في تنظيم المجال الجغرافي، والتدقيق في كيفية نشأة الضابط القانوني والأخلاقي والاجتماعي وبناء الهوية المشتركة التي تمثل ثمرة للتلاقح بين حساسيات دينية راكمها مجال مشترك.
تميزت تلك الهوية المجالية ضمن وطن التونسيين بمشهد ثقافي عَلَّمَت جميع مواضعه بما في ذلك الأكثر انعزالا من بينها، أضرحة الأولياء والجوامع والزوايا. كما أثبت تاريخ التعمير أهمية إنشاء مراكز للتبادل التجاري ضمن النُوى الحضارية الأصلية، حيث أسهمت عملية تأمين مسالك العبور والسيطرة على مختلف مظاهر الفوضى والعنف، في فرض العافية. كما سهّل تضافر مختلف تلك الآليات فضلا عن الدفع باتجاه جلب المنفعة والتقريب بين الأعراف القبلية والأحكام الشرعية ذات الاتصال، إمكانيات الالتقاء بين العناصر القبلية والملّية ذات الانتماءات المتباينة، حيث شكّل "الحرم" وهو موضع مقدس لا يطوله التدنيس، نموذجا للاستقرار واستتباب الأمن بامتياز. كما ساهم حضور العافية في انتشار المواسم، وهي تجمعات احتفالية روحية شكّلت مناسبات لزيارة أضرحة الأولياء وتحريك عجلة التبادل وإعادة تملّك المجال من خلال تعدّد المزارات، وتنتظم الخروج إليها دوريا في شكل ديني احتفالي. فانقسمت الخريطة الروحية للبلاد إلى برّ القيروان وسواحله ومجال مدينة تونس ومحارسها  وواحات البلاد وصحاريها.
نوّهت كرامات الأولياء في إطار هذه الجغرافيا الروحية بتدخلاتهم بغرض حماية  حرمة الزوايا والمتصرفين في اقتصادها وورثتهم وخدمهم والمحتمين بهم ومن جاورهم، والتغطية تبعا لذلك على ضعف انتشار المؤسسة الأمنية أو عدم قدرتها على تنفيذ الأحكام الشرعية، والاقتصاص من الخارجين عن القانون غير الآبهين بالضابط الاجتماعي والأخلاقي، أو المُتعدين على الحرمات، حتى وإن لم يطل مدلول ذلك القصاص غير التعبير عن الازدراء أو اللفظ الاجتماعي.
غير أن مختلف الايجابيات المتصلة بانتشار تلك المزارات لا ينفي حضور نوع من الالتباس اتصل في تصوّرنا بالتوجه نجو تسييج ظاهرة التصوّف من طرف ممثلي الإسلام السني المالكي، الذين أُقحمت تراجمهم أو سيرهم ضمن مناقب أهل الصلاح، وخاصة من بينهم أولئك الذين أظهروا بسالة في الذب عن مذهب الجماعة والسنة، الشيء الذي ترتب عليه تداخل مقصود بين ضيق أشكال التدين الرسمي والطبيعة المفتوحة لأشكال أو أساليب الترقي الروحي.
اتخذت حركة التحرّر الوطني ثم الدولة الوطنية من بعدها مسافة من الممارسات المتصلة بمجال التصوّف، معتبرة بتورّط جانب من مؤسساته مع الإدارة الاستعمارية. وحتى وإن لم تخل مواقفها تلك من توظيف لافت لجانب من تلك المزارات أو "المواسم" بغرض نشر خطابها وتوسيع قاعدة أنشطتها كي تشمل الفئات الشعبية بأرباض الحواضر وبالأرياف المتصلة بها، فإن قرار إلغاء نظام الزوايا الصادر في 17 جويلية 1957 قد أثبت تبنيها لتوجه يتعامل مع المقدس بوصفه مرحلة من مراحل الوعي البشري ولا يرى في التزوي إلا مظهرا مزريا بالدولة الجديدة، يُحيل على أزمنة التواكل والانحطاط. 
عولت ذاكرة الدولة-الوطن على الاستثمار في الإرث الإصلاحي وزخم حركة التحرّر الوطني ومقاومة الاستعمار سواء على مستوى الخطاب السياسي أو مناهج تعليم وتثقيف الناشئة، وهو ما ترتب عليه موضوعيا تبخيس مقصود للشأنين الديني والروحي. فحتى وإن لم تعمد الدولة إلى القضاء على مزارات الصلحاء بشكل بات وشامل، مفضّلة التعامل معها بكثير من النفعية عبر تحويل العديد منها إلى مقرات تابعة للحزب الحاكم أو إلى مراكز للرعاية الصحية، ونوادي للأطفال، ومراكز للنشاط الثقافي وأروقة للعروض التشكيلية، وغيرها من المؤسسات والمنظمات والجمعيات الدائرة في فلك السلطة أو الرافدة لمشروعها السياسي والمجتمعي، فإنها لم تنجح في بناء بديل تربوي وثقافي يُسعف الأفراد بصفتهم مواطنين في تشكيل ذائقة جديدة قادرة على فصل التقليد عن المحافظة والتحديث عن التغريب والتبعية، في حين بدا تعامل مؤسسات البحث الجامعي مع نفس تلك الظواهر معليا لتوجهات وضعية ومنحازا للتصوّرات الرسمية، مفضلا ركن المسألة الروحية جانبا والتركيز على الملفات السياسية والتركيبات الاجتماعية والشواغل الاقتصادية وخاصة التنموية من بينها، على أن يتم التعامل مع الملفين الديني والروحي من وجهة نظر انتقائية لم تُفلح وفي تقديرنا الخاص في إدراك المعنى الدقيق للظواهر المدروسة في كلياتها.  
أثّرت عناصرهذه المحصلة في حالة التجاذب القوي الذي تعيشه الساحة التونسية حاضرا. ونستشف ذلك من خلال صعوبة التوافق حول مقترح يوازن بين رفع القداسة عن الفعل السياسي بوصفه مجال للصراع بين تصوّرات فكرية وأيديولوجية متباينة، ورد الاعتبار للروحي من بوابة إعادة تشكيل الضابط الأخلاقي أو تقصّي الفضيلة، بما يساهم في اكتساب شروط المواطنة الفعلية وتجاوز التبئير المرضي حول الوصول إلى الحكم. هناك في ذاكرة المرحلة الانتقالية التي ترتبت على واقع ما بعد هزة الرابع عشر من جانفي إفراط في الطهرانية يحتمي  بمدلول فضفاض للفضيلة، تعكسه سياسيا المزايدة حول هوية المجتمع التونسي، ودينيا التظاهر بالشعيرة من خلال ربط أدائها بأشكال قيافة واجتماع صادمة مستنبتة في غير تربتها. مما يؤكد لكل ذي عين بصيرة الفارق بين التقليد والمحافظة، تلك التي اتخذت بَعْدُ شكلا يقايس المسافة الفاصلة بين التحرّر الحقيقي للأفراد وحداثتهم المعلنة.         


dimanche 21 avril 2013

يوم للحوار حول مواضع الذاكرة الروحية في تونس











أثبت مؤلَف بيير نورا Pierre Nora الموسوم بـ" مواضع الذاكرة بفرنسا Les lieux de mémoire en France" والذي نشر تباعا بين 1984 و 1992 أهمية الروابط التي تصل الدولة-الوطن بالذاكرة. فقد تجلى حضور تلك الصلات الوثيقة في مواضع متعدّدة منها ما هو جغرافي، أو معماري، أو ديني، أو طقسي واحتفالي، أو ثقافي، أو اجتماعي أو رمزي، فضلا عمّا يصلها بسِيَرِ كبار الأعلام أو الشخصيات المرموقة.
تبدو الدولة-الوطن واسعة التمثيل على صعيد الذاكرة، إلا أن ذلك الحضور لا يلغي البتة احتفاظ المجتمع برصيد من المعالم المتّصلة بالذاكرة سبق وجودها ظهور الدولة نفسها.
فما هي خصوصيات الوضع الذي تشفّ عليه البلاد التونسية في هذا المضمار؟ وهل أن ارتباط بروز الدول- الوطن بالفترة المعاصرة، وتوصُل حركة التحرّر إلى الاندساس عميقا في سمك الذاكرة "الوطنية"، يدفع بالضرورة نحو الاعتقاد في سيطرتها التامة على بقية أنماط الذاكرة السابقة لوجودها؟ ثم ما هي مواضع تلك الذاكرة الماقَبْلِيَّة؟ وما أشكال التردّد عليها وكيفية زيارتها حاضرا؟
لقد بينت عمليات الاعتداء التي جدّت مؤخرا، والتي استهدفت الأضرحة والمزارات والزوايا، أن مختلف تلك المعالم المتّصلة بالذاكرة الروحية والتي لعبت ماضيا دورا محوريا في صهر مختلف العناصر العرقية والمليّة ضمن بوتقة واحدة، قد تم الزج بها حاضرا، وفي منزلق خطير، ضمن حلبة المناكفة والخلافات الدينية والإيديولوجية بُغية إعداد العدة – على ما يبدو- ووُفْقَ مدلول غائم لمبدأ "التدافع الاجتماعي" لإحداث تغيير عميق على النموذج المجتمعي والعيش الجماعي التونسي.
فما طبيعة المنافسة الدائرة حاضرا بين مختلف الذاكرات (الاستعمارية والوطنية وكذلك الثورية)، المتّصلة بجميع مكونات هذا الرصيد التراثي؟ ثم كيف تعبّر تلك الذاكرات المتنافرة عن ذاتها؟ وما العوامل التي تُسعفها في تواصل التأثير أو الاحتفاظ بإشعاعها، كما في الاحتكاك والمواجهة أو التناغم مع غيرها؟
إن ما نقترحه من خلال تنظيم هذا اليوم للحوار، لا يشكّل في الواقع، واعتبار للطابع الواسع للحقل المعرفي المقصود وتشعّبه، سوى مساهمة متواضعة تقصد فتح باب التفكير حول مختلف المواضع المعّلِمة والممارسات التراثية المتوارثة التي تحيل على مفاصل زمنية ذات اتصال وثيق بمسار نعتقد أنه في صميم ذاكرة التونسيين الجماعية.  
البرنامج:
الحصة الصباحية
9.00 افتتاح اليوم الدراسي (كلمة معالي السيد وزير الثقافة والمحافظة على التراث)
9.15 – 9.30 تقديم الفعاليات من قبل المنسقين (لطفي عيسى – عبد اللطيف المرابط).
9.30 عرض شريط "وجدان" للمخرج حميدة بن عمار.
10.20 استراحة
10.40 مداخلات ينشطها عبد اللطيف المرابط – لطفي عيسى – علي سعيدان - حميدة بن عمارالمنصف محلة).
"الموروث الروحي والرصيد التراثي في تونس: جغرافية الزوايا، المغارات - المزارات والأضرحة (الإرث البربري واليهودي والمسيحي والإسلامي.)"
11.30 نقاش
12.30 استراحة فطور
الحصة المسائية:
14.30 عرض شريط "ناصر خمير سنمائي اليوطوبيا" لفتحي الدغري
15.00 عروض حوارية أولى تنشطها نيللي سلامة عمري وفاضل الجزيري وعز الدين المدني.
إثيقية وجماليات التصوّف والصلاح: التصوف والكتابة المسرحية - الإنشاد الصوفي – الكورغرافية والرقص الصوفي–  الولاية والنوع الاجتماعي)
15.40 نقاش
16.00 استراحة
16.15 عروض حوارية ينشطها (مراد الصقلي وعدنان الوحيشي ومنصف التايب  وفتحي الدغري )
إثيقية وجماليات التصوّف والصلاح ( الموسيقى الصوفية – الكتابة السينمائية – الهندسة المعمارية – الخطاب والمصطلح الصوفي)
16.55  نقاش
17.30 التقرير الختامي عبد اللطيف المرابط  

JOURNEE DEBAT 
 LIEUX DE MEMOIRE SPIRITUELLE EN TUNISIE


L’ouvrage sur  Les lieux de mémoire en France, dirigé par Pierre NORA, et paru entre 1984 et 1992, fait ressortir, l’importance des liens tissés entre l’Etat-nation et la mémoire. Ces liens s’investissent en toutes sortes de lieux, qu’ils soient géographiques, monumentaux, religieux, cérémoniels, culturels, sociaux, symboliques, ou identifiés à de grands personnages. L’Etat-nation est donc largement représenté, mais il reste des mémoires  antérieures.
Qu’en est-il en Tunisie ? L’Etat-nation y est de création plus récente. Le mouvement national a largement investi cette dimension, mais la mémoire « nationale » règne-t-elle seule ? Quels autres lieux de mémoire y fréquente-t-on ? Les événements récents autour des zaouïas et des mausolées montrent aussi que ces lieux de mémoire spirituelle deviennent des enjeux au sein de notre pays, l’objectif étant -paraît-il- de préparer le terrain à un changement en profondeur du modèle social et du vivre ensemble des tunisiens. Quelle concurrence des diverses mémoires (coloniale, nationale et tout récemment révolutionnaire) se fait jour autour de ces « patrimoines » ? Comment et autour de quoi s’affirment-elles, se récupèrent-elles, se côtoient-elles, s’opposent-elles, s’harmonisent-elles ?
Face à un si vaste champ d’étude, cette journée proposera une réflexion-débat autour de quelques lieux-jalons et de pratiques ancestrales situées en divers points chronologiques de cet itinéraire des mémoires.
Déroulement de la journée :
Matinée :
9h00 : Ouverture de la journée. (Allocution de son excellence Monsieur le Ministre de la culture et de la sauvegarde du patrimoine.)
9h15- 9h30 : Présentation de la journée ( Lotfi Aïssa – Abdellatif Mrabet)
9h30 : visionnage du Film « Wijdène » réalisé par Hmida Ben Ammar
10.20 : Pause café
10.40  Panel animé par (Adellatif Mrabet -Lotfi Aïssa – Ali Saidane  – Hmida Ben Ammar – Moncef Mhalla)
« Legs spirituel legs patrimonial en Tunisie : Géographie des Zaouïas, grottes, sanctuaires et mausolées (Héritages berbère, juif, chrétien et musulman). »
11h . 30 : Discussions
12.30 : Déjeuner
Après-midi :
 14h30 : Visionnage du film «Nacer Khmir, cinéaste de l’utopie » réalisé par Fathi Doughri.
15.00 : Premier panel animé par   Nelly Amri, fadhil Jaziri et Ezeddine Madani
Ethique et esthétique de la sainteté :  
( Chants liturgiques soufis –  costume et chorégraphie  – dramaturgie - sainteté féminine)
15. 40 Discussion
16.00 Pause café
16. 15 Deuxième panel animé par Mourad Sakli, Fathi Doughri  Adnen Louhichi et Moncef Taieb
Ethique et esthétique de la sainteté :  
( Musique soufi  – écriture cinématographique – langage soufi et déconstruction du discours)  
16. 55 Discussion
17 h 30 Synthèse  de la journée Abdellatif Mrabet.
    

vendredi 19 avril 2013

En Tunisie, le ’’Mois du Patrimoine’’ est un écran de fumée











Comme c’est le cas depuis de longues années, l’ICOMOS (Conseil International des Monuments et des Sites) a retenu, pour le 18 avril de cette année, Journée Internationale des Monuments et des Sites, un thème aussi original que fédérateur : ’’Le Patrimoine de l’éducation (écoles, universités, bibliothèques, académies etc…) et ses expressions dans différents contextes géo-culturels’’. L’objectif est simple mais combien grand : mettre à l’honneur les bâtiments qui ont servi à la production du savoir et à sa transmission. Ces hauts lieux culturels et scientifiques, aux valeurs sociales et institutionnelles  incontestables sont aussi une composante essentielle du Patrimoine culturel grâce à leurs dimensions historique et architecturale. En tant que biens culturels, ils méritent pleinement l’attention de l’Etat d’abord mais aussi de toute autre partie qualifiée et intéressée afin de veiller à leur bonne conservation, leur médiatisation et leur ancrage dans le tissu socio-économique.
La Tunisie, avec son Patrimoine monumental multiséculaire, peut s’enorgueillir de ses établissements éducationnels de tout genre et de toute époque : de l’Université de Carthage, objet de l’éloge de maints écrivains anciens, à la Schola des Juvenses de Mactaris, exemple rare dans tout le monde romain, à la prestigieuse Université de La Zitouna qui compte parmi les plus anciennes des universités médiévales du monde entier, aux innombrables madrasa et zaouias qui ont quadrillé le pays aux époques modernes et contemporaines, et aux établissement scolaires et universitaires qui ont fleuri à partir de la fin du XIXe siècle et qui ont constitué le socle majeur du développement de notre pays.
Pour cadrer avec le thème choisi par l’ICOMOS, l’autorité qui accapare la tutelle aurait pu imaginer, en Tunisie, pour la Journée du 18 avril, un riche programme qui mette en exergue le Patrimoine séculaire de notre pays en matière de bâtiments relatifs à l’éducation. Figureraient dans une telle manifestation des inaugurations de monuments restaurés récemment, des conférences en rapport avec le sujet, des visites guidées par des personnes qualifiées et des brochures éditées à l’occasion. Imaginons, à titre d’exemples, des visites guidées de la Mosquée de la Zitouna, de la Madrasa el Khaldounia, du Collège Sadiki, de la Zaouia de Sidi Ali Chiha, qui héberge le Centre national de la Calligraphie,  d’une école primaire comme celle de Abulkacem Echabbi à Béni Khiar, qui fête, cette année, son centenaire et qui est si proche de la place de la République où s’élève fièrement une superbe sculpture représentant deux petits écoliers (une fille et un garçon) en habit traditionnel : un très bel hommage à l’école républicaine.
Les autorités culturelles tunisiennes en déphasage
Notre Ministère de la Culture, par l’intermédiaire de ses établissements phares en matière de Patrimoine, l’Institut national du Patrimoine (INP, qui est un véritable Etat dans l’Etat) et l’Agence de mise en valeur du Patrimoine et de Promotion Culturelle (AMVPPC) a choisi pour la vingt-deuxième année, de faire de la Journée du 18 avril l’ouverture du ’’Mois du Patrimoine’’ qui s’achèvera le 18 mai correspondant à la Journée Internationale des Musées. Le thème retenu pour l’édition de cette année est ’’Le Patrimoine immatériel … symboles et mémoires’’.
Nul doute que le Patrimoine immatériel de la Tunisie, si varié et si riche en potentialités de tout genre mérite d’être célébré de la meilleure manière d’autant plus qu’il a été si négligé au cours des dernières décennies. Il suffirait de penser, par exemple, à l’art culinaire tunisien dont des composantes essentielles sont irrémédiablement perdues et qui est très mal transmis aux jeunes du pays comme il est parcimonieusement montré aux visiteurs étrangers. Mais dans un pays où une section de l’ICOMOS existe depuis de nombreuses années, c’est à croire que le thème choisi par l’organisation mondiale n’a aucun intérêt ou n’a aucune possibilité d’être traité en Tunisie. De ce point de vue, le déphasage est total. De surcroît, le thème choisi, cette année-ci, pour le ’’Mois du Patrimoine’’ tunisien reste encore confidentiel. A quelques jours de l’ouverture de la manifestation, seules quelques affiches accolées dans certains établissements éducatifs ou culturels évoquent le sujet.  Les sites Web de l’INP et de l’AMVPPC n’offrent aucune information supplémentaire ; la rubrique ’’Plus de détails’’ sur le site de l’AMVPPC se révèle être un véritable canular.
S’il fallait absolument célébrer cette année-ci le Patrimoine immatériel, la bonne  méthode aurait consisté à choisir, pour la célébration de la Journée internationale des Monuments et des Sites, la dimension éducative en rapport avec les sites et les monuments. Il n’aurait pas été difficile de trouver un lien entre le thème retenu par l’ICOMOS et les zaouias tunisiennes qui ont fait l’objet, au cours des derniers mois, d’attaques féroces et systématiques qui ont mis en péril leur existence même. Dans ce malheur, les Tunisiens ont trouvé beaucoup de réconfort dans le communiqué officiel de l’ICOMOS dont l’une des deux recommandations appelait à « la sensibilisation de tous les publics et parties prenantes à la valeur culturelle et exceptionnelle de ce patrimoine et à ses fonctions sociale et spirituelle sans équivalent ». La gratitude et le sentiment de responsabilité auraient dû inviter les autorités de tutelle tunisiennes à montrer, en ce 18 avril 2013, à l’ICOMOS et à travers elle, au monde entier, que les zaouias et tous les autres établissements qui ont touché, de tout temps, de près ou de loin, à l’éducation ont, dans notre pays, une valeur qui mérite d’être célébrée haut et fort. Mais la logique de nos autorités culturelles est toute autre ; fidèle à ce qui a été pratiqué depuis plus de deux décennies,  elle occulte la Journée internationale des Monuments et des Sites comme elle n’a cure de la Journée Internationale des Musées. Elle  préfère  un ’’Mois du Patrimoine’’ déconnecté des célébrations mondiales et fêté à huit clos ou presque.
Les nouveaux acteurs qui entrent en scène
Depuis le 14 janvier 2011, des voix tunisiennes autres que celle des tribunes de la ’’Culture officielle’’ commencent à présenter une autre perception du Patrimoine culturel et naturel. Il s’agit de celles des universitaires, des Associations  militant dans le champ culturel et des associations professionnelles oeuvrant dans des domaines qui touchent au Patrimoine culturel et naturel.
Dès le début du mois de mars 2011, ’’Une lette ouverte’’ a été publiée par un groupe d’universitaires appelant à la prise en compte des potentialités des universités tunisiennes dans le domaine de l’archéologie qui tiendrait compte du développement régional. Quelques mois plus tard, une pétition  relative à ces revendications a été signée par plusieurs centaines d’universitaires et remises  aux cinq ministères les plus concernés par la question. Une première ’’Journée du Patrimoine’’  a été organisée, le 23 juillet 2011, par le Laboratoire de recherche ’’Régions et Ressources Patrimoniales de la Tunisie’’. La même structure de recherche a organisé une deuxième rencontre les 16 et 17 juillet 2012 sous le thème ’’Patrimoine et bonne gouvernance. Réalités, contraintes et perspectives en Tunisie’’, suivie du lancement d’un ’’Appel pour la création d’un Conseil national pour le Patrimoine tunisien’’. Elle a choisi le 18 avril 2013 pour organiser la troisième rencontre intitulée ’’La société face à son Patrimoine : contexte changeant et acteurs nouveaux ’’. A la fin du mois d’avril 2012, l’Institut Supérieur des Métiers du Patrimoine qui relève de l’Université de Tunis a organisé des Journées d’étude consacrées aux ’’Métiers du Patrimoine Tunisie. Réalités et perspectives’’  Dans ces quatre rendez-vous, les universitaires ont associé, à des degrés de plus en plus élevés le monde associatif. La finalité de cette ouverture est claire : montrer que le Patrimoine naturel et culturel est un bien dont la conservation, la mise en valeur et l’intégration au développement régional et local sont, pour notre pays, des questions vitales qui ne sauraient être confisquées par une partie quelconque. Pris au sens naturel et culturel, le Patrimoine est un cadre de vie, un mode d’existence, une identité et une assise certaine pour le développement durable.
Pour de tels projets, l’attention accordée au Patrimoine doit éviter tous les discours vaseux, cibler des objectifs précis et être en phase avec ce qui se fait de par le monde. Au lieu de tout un ’’Mois du Patrimoine’’ aux allures plutôt bureaucratiques et peu accrocheur pour le grand public, il conviendrait mieux d’organiser des ’’Journées du Patrimoine’’ (un week-end pourrait suffire) qui se situeraient, de préférence, pendant les vacances scolaires qui assureraient la disponibilité d’un public nombreux et curieux et dont l’éducation est particulièrement important pour l’avenir du pays. Des actions fortement attractives doivent être imaginées (ouverture exceptionnelle de certains monuments et sites, expositions temporaires avec des séances nocturnes, conférences dans des lieux inhabituels...). Cette manifestation  serait indépendante de  la Journée internationale des Monuments et des Sites ainsi que de la Journée internationale des Musées qui garderaient leur individualité et leur thème mondial tout en trouvant,  dans tous les cas, un champ d’application  certain dans notre pays.
                       Houcine Jaïdi
                            (Université de Tunis)





lundi 8 avril 2013

تعريفات مختصرة للتطرف والشعبوية والعنف











تستعمل لفظة التطرّف غالبا للدلالة على نظرية أو وجهة نظر سياسية أو دينية ترفض الأطراف المتبنية لها الاحتكام إلى غير ما تمليه عليها تلك النظرية. ولا تتورع ردود الفعل المتطرّفة عن اللجوء إلى استعمال الأساليب العنيفة بهدف إدخال تغيير جذري على الواقع الاجتماعي الذي تعيش في كنفه. وتتسم المواقف المتطرّفة بتضافر عدة عناصر يغلب على ورودها التكرار، مثل تعصب التفكير، والدعوة إلى العنف، واللجوء إلى المناورة والانقلاب. ويحمل الفرد فكرا متطرّفا بمجرد أن يكون متأكدا من امتلاكه للحقيقة، معتبرا من لا يشاركه نفس التوجه أو الرأي على ضلال، دون حاجة لتبرير ذلك بشكل عقلاني متوازن. وتهدف الدعوة إلى استعمال الأساليب العنيفة إلى إقصاء جميع المخالفين في الرأي أو الموقف أو التوجه بالقوة، وذلك عبر اللجوء إلى التصفية الجسدية أو الاغتيال أو الدعوة إلى الثورة أو القيام بانقلاب.
أما الشعبوية فتحيل على كل خطاب سياسي يستهدف النخب الفكرية تحت غطاء إرجاع الحكم للشعب. إذ غالبا ما تعمد الشعوبية إلى إدانة النخب ومجموعات المصالح الصغيرة داخل المجتمع، معتبرة أن مسكها بالسلطة هو المتسبب الأساسي في جميع المشاكل والصعوبات، لأن تلك المجموعات المتنفذة لا تبحث إلا على إرضاء طموحاتها الخاصة دون التفكير في مصالح الأغلبية. يقترح الشعبويون تخليص أجهزة الدولة من يد النخب الأنانية ووضعها بيد الشعب خدمة لمصالحه. كما يشيدون بالحسّ الشعبي السليم معتبرين أن جميع الحلول المقترحة من طرفهم قابلة للتطبيق بشكل فوري وناتجة عن رأي عام منسجم متجانس المواقف. ويتوجه الشعبويون بالنقد عامة إلى أوساط الفكر والمال ومختلف الأقليات العرقية والملية والسياسية التي ينظر إليها بوصفها محتكرة للسلطة، خائنة للأغلبية التي تدعي الشعبوية تمثيلها.
اتسع استعمال هذا التسمية التي ظهرت إلى الوجود في القرن التاسع عشر خلال ثمانيات القرن الماضي لوسم التيارات السياسية الديمغوجية المعوّلة على الانتهازية السياسية، وخاصة من بينها تلك التي توجد في الصفّ المعارض للسلطة القائمة. من المفيد التنويه عند هذا الحدّ بتوازي الأبحاث المنجزة في العلوم السياسية بين التوسّع في استعمال هذا التوصيف السياسي حاضرا، واندثار الحديث عن الطبقات الشعبية على مستوى أجهزة أو خطاب الأحزاب السياسية. أوّلت تلك الأبحاث كثافة اللجوء إلى استعمال لفظة شعبوية باتجاه ربطه بازدياد التهيب من الأوساط الاجتماعية الشعبية. لذلك انسحبت الشعبوية بشكل واسع على تيارات اليمين المتطرف، حتى وإن ارتبط استعمالها في الأصل بالثقة في الشعب وفقا لما تشف عنه فرنسيا خطابات روبسبيرRobespierre وميشلي Michelet  مثلا.
ويعرف العنف حال استعمال القوة المادية أو/ و المعنوية لفرض السيطرة وإحداث الضرر أو التصفية الجسدية. ويستتبع ذلك بالضرورة إلحاق الأذى وإيلام الغير. وتحيل لفظة عنف في أصلها اللغوي اللاتيني vis على اللجوء لاستعمال القوة دون التفكير في مدى مشروعية إتيان مثل ذلك التصرّف. ويمكن تبويب حالات اللجوء إلى استعمال العنف إلى عنف بين الأشخاص، وعنف دولة، وعنف له أسباب إجرامية، وعنف سياسي، وعنف رمزي، وعنف ناتج عن الظروف الطبيعة، وعنف الافتراضي.
ويرتبط العنف بين الأشخاص باللجوء إلى الهيمنة واستعباد الآخرين باستعمال القوة المادية (الضرب والاغتصاب والتعذيب) أو المعنوية والنفسية (الشتم والتحرش وحجب الحقوق والحريات واستغلال الموقع الاجتماعي لإذلال الآخر والحط من قيمته ). كما يتضمن العنف بين الأزواج والأقارب والعنف المسلّط على الأطفال وجميع أشكال التأثير السلبي.
أما عنف الدولة فيتّسم بتعويلها ضمنيا أو بشكل معلن على ما يسميه ماكس فيبر Max Weber "احتكار العنف الشرعي" وذلك بهدف إنفاذ الأحكام القضائية والحفاظ على النظام العام. على أن ذلك لا يمنعها من الانزلاق باتجاه إرهاب الدولة أو باتجاه توخي أشكال متطرفة للعنف تصل إلى حدّ اقتراف المجازر.
ويحيل العنف الإجرامي على تصرّف تلقائي أو منظم يخضع لأسباب اجتماعية أو اقتصادية ونفسانية. ويمثل هذا الشكل من أشكال العنف وفقا لما بينته البحوث الوجه العكسي أو المقابل للعنف الشرعي الذي تمارسه الدولة وكذلك للعنف الرمزي.
ويتضمن العنف السياسي جميع حالات العنف التي يعتبر مقترفوها أن لها أسباب عادلة، أو يجدون لها مبررا شرعيا بالاستناد على هدف سياسي نبيل. (كالثورة، ومقاومة الاستبداد، والانتفاض ضد الاستبداد، ومعاقبة الطغاة). وتعتبر العديد من أشكال التصرّف العنيفة كمجابهة الإرهاب والمقاومة الهادفة إلى إعادة الشرعية حال انعدام الحلول السلمية، مقبولة أخلاقيا وقانونيا خاصة في حالات الدفاع الشرعي عن النفس أو مقاومة الاستبداد والطغيان.
ويشمل العنف الرمزي وفقا لتصور بيير بورديو Pierre Bourdieu العنف اللفظي والعنف الخفيّ  والعنف المهيكل الذي غالبا ما يكون الأفراد عزّلا إزائه، على غرار هيمنة شريحة اجتماعية أو مجموعة على أخرى، أو شينطنة مجموعة بعينها والدفع نحو الانتقام منها وتحويلها إلى كبش فداء.
بقي أن نعرف أن للظروف الطبيعية عنفها الذي يشمل العواصف والفيضانات والزلازل والحرائق الناشبة في الغابات والانكسارات البحرية tsunamis وغيرها من الكوارث. ويعتبر قدامى الإغريق أن مسألة العنف (bia) لا تتصل بالعالم الحيواني (zôoi) ولا يمكن ربطها إلا بالحياة البشرية وحدها (bios)، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد في أن حضورها مرتهن بالنطق، الذي يشكل خاصية بشرية صرفة، مما ينهض حجة على أن العنف الحيواني ما هو في لاالحقيقة إلا إسقاط تجسيمي projection anthropomorphique من قبل البشر على تصرفات حيوانية طبيعية.
بينما يتمثل العنف الافتراضي في تعويل شخص ما على العنف (المادي أو اللفظي بقصد تحقير شخص آخر، من خلال تركيب شريط فيديو أو انجاز لقطة إشهار أو أي شكل من أشكال التمثيل الأخرى، ثم وضعه على شبكة الانترنيت بغية تحقيق ذلك الهدف. فـ 7% من الفيديوهات المنشورة على "اليوتوب" في حدود سنة 2010 وهو ما يشكل بالرقم المطلق ما لا يقل عن 50000 فيديو، تتضمن محتويات افتراضية عنيفة بشكل موصوف، مع توجه واضح نحو توسّع الاستعمال الشعبي لمثل تلك الأساليب المدانة والممارسات العنيفة.  

mercredi 3 avril 2013

"يراني ما نموتش حتى يوفا الكُبِّي من عين العُزّاب"










     هذا مطلع لكلمات أغنية شخصية "عمّو" التي جسّمها بحرفية كبيرة نوري بوزيد مخرج شريط "ما نموتش"، وهو فيلم يعرض حاليا بقاعات السينما التونسية.
سينما نوري بوزيد منحازة لقضية غير قابلة للمساومة هي التشهير بمختلف أقنعة الوصاية أو المواضعة الاجتماعية، والاستعاضة عن جميعها بحرية الفرد في الاختيار. يمتلك هذا المخرج عين كمبعض الجراح تشق سمك الواقع الاجتماعي عميقا، لكي تعرّي جميع دواعي الطهرانية الفجة لزمن ما بعد الثورة وتهمس في خلدنا بالتعويل على حكاية مسبوكة بدهاء وسبق إصرار ملهم، أن المساومة على الحرية قد تعيد الجميع إلى مربع الخوف من جديد.
تطوّح عودة الأبناء الضالين الخارجين لتوّهم من سجون الزمن البنفسجي ومنافي الديمقراطيات الغربية بالهبة الشعبية العارمة لشتاء 2011 بعيدا، عاملة على إطفاء بريقها الحالم واغتيال توهّجها الفاتن. تقع الحكاية بين الكشف والإخفاء أجساد مغتصبة وأحلام مغدورة تُوقع بها أذهان مريضة ضاعت نخوتها، وقايضت حرية قراراها بمزيّف السلامة المغشوشة.               
حكاية جيل يبحث عن ذاته بعد أن تقطّعت به السبل، فلا هو مُسَلِّمٌ بأصالته ولا هو مقتنع بانخراطه في الحداثة. يعرّي نوري بوزيد عنف لحظة الانسلاخ عبر تسليط الضوء على أجساد معنّفة مشيّئة ممزقة مشروخة دامية مكدّسة مغسّلة مكفّنة.
يدور القص حول تراجيديا الجسد الأنثوي داخل مجتمع عربي مسلم، وتعالج الحكاية استحالة إفلات ذلك الجسد من وصاية رجولة محرومة لا ترى فيه غير ما تمضيه الغريزة وتدفع إليه الشهوة. تتيح لعبة المرايا المحدبة المراوحة بين أنموذجين معبّرين، فالأنثى النازعة إلى الإخفاء تكفيرا عن الانزلاق في "الخطيئة" تُدفع إلى التبرجّ كي تحتفظ بمصدر رزق ضنين وتجابه مصيرا لم تختره بإرادتها، في حين تنكشف اللعبة لتلك التي تُصرّ على رفض التحجب رضوخا لمنطق المواضعات الاجتماعية لتفك خيوط أحبولة نسجها خطيبها الانتهازي المتأسلم ناصبا شركها بدهاء دافعا عائلتها إلى القبول بها والانحراط فيها.
في أقل من ساعتين من الزمن تعيدنا مشاهد الشريط إلى هزة لحظة المخاض العسير حيث يختلط وعد الصباح الجديد بخشية التأذي والسقوط ضحية لعنف"الحاكم" البغيض ووصاية الدولة المتغوّلة وصلف الذكورة الهائجة والعائلة المتفسخة واحتقار المرأة لذاتها وانتقامها المروّع من جميع من يحيطون بها. تبدو اللوحة غاية في القتامة، لكأننا نشتم رائحة الغاز المسيل للدموع ونتلظى في سعير ملحمة المنازلة، لكأننا نستعيد رجفة سقوط الضحايا ونصحب موتهم المهيب والشجاع.
غير أن فَجَاءَة العدم لا تستطيع مهما ثقلت أرزائها أن تودي بمنطق التمسّك بالحياة والإصرار على الخروج من ظلمة النفق. يعلي نوري بوزيد، في توافق تام مع سينما المؤلف وفي استشراف للقادم يجاوز بأطوال قدرة من يقاسمونه الوطن على التمثّل، نشيد الحياة، مصرّا على عودة البريق في عيون المغدورين في شبابهم والقطع مع "الكُبي" الناشر لثقافة الرياء بالدين والعذاب السرمدي والملل المميت والإرهاب المروّع.