vendredi 15 novembre 2013

سوزان تلحوق "أحنّا الكل "كُولْ" أو عندما تغدو اللغة وطنا





     قد يوافق القاريء الشاعرة اللبنانية سوزان تلحوق على وصفها نفسها عبر عنوان مجموعتها الشعرية "لست امرأة واحدة".. والمرجح ايضا ان يخطر في باله کلام مواز يختلف عن العنوان قليلا وهو انها "شاعرة واحدة".
الکلام هذا ليس من قبيل الانتقاد بل يسعى الى ان يکون "وصفيا" من خلال قراءة المجموعة الشعرية. انها شاعرة واحدة بمعنى انها شاعرة تبقى في قصائدها کلها ضمن خط عام مستمر ينقسم احيانا الى خيطين متوازيين لکنهما مختلفان لونا ونسيجا الى حد ما. انهما في الواقع حالتان انسانيتان تعکسان ما في النفس البشرية عامة لکنهما عندما يکون الانسان شاعرا تتمثلان في حالتين شعوريتين. وطغيان واحدة منهما -اي القوية الصاخبة ذات النبرة العالية- على الاخرى ينعکس على شعر الشاعر ويشده الى ادنى. 
اول هذين الشعورين هو ذاک الهادىء الخافت الذي يذکر بنظرية " الشعر المهموس" للناقد المصري الراحل محمد مندور في حديثه عن انماط شعرية تحمل تلک السمة وخاصة من خلال کلامه عن قصيدة "اخي" للشاعر والکاتب اللبناني الراحل ميخائيل نعيمة.
اما الآخر فهو ذلک الطاغي الذي يوصف احيانا بانه خطابي وخطابي شديد بل منبري مدو. ومع ان بعض الشعر الخطابي قد يکون شعرا جيدا -اي حين يکون حافلا بالوجداني الموحي- فقسم مما جاء في مجموعة سوزان تلحوق ليس من هذا النوع. 
ولعل کون الشاعر او الشاعرة في عمر الشباب وانه يتحرک في مراحل متطورة في شعره هو المسؤول عن طغيان الدوي في شعره. هذا احتمال طبعا وليس حکما مطلقا فليس في الانساني مجال کبير للاطلاق. انه قراءة ربما اختلفت عنها قراءات اخرى. 
مجموعة سوزان تلحوق وردت في 126 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الساقي في بيروت. 
کتب الشاعر والکاتب اسکندر حبش مقدمة المجموعة ومما قاله ان سوزان تلحوق تکتب الشعر "تريد منه ان يکون صوتا داخليا يحمل الى الخارج کل هواجسها وکل نظرتها الى الحياة اي ان يحمل کل تفاصيلها -الصغيرة منها والکبيرة- اذا جاز القول لتعلقها کلوحة امام الآخرين ليأتوا.. لا فقط ليروها بل ليسمعوا تنفس الالوان فيها عندما تشيد حضورها..." 
القصيدة الاولى عنوانها "لا تعد..حتى اذا قابلتک انوثتي" وفيها فضلا عن نبض وتوتر في المشاعر وصور تقسيم بلاغي شبه منطقي تتوالى فيها وجوهه المختلفة. تقول "خذ رائحتک واذهب/ خذ رائحتي وامش/ خذ کل احلامک وهواجسک/ وعيونک وکذبک وارحل/ خذ کل الحياة ولن تحيا/ خذ کل الحب ولن تعشق/ خذ عيوني ولن ترى/ خذ کل الموت ولن تتحرر/ خذ نفسک وأضعها على طريقک/ انها ملوثة/ بعدها قابلني/ عند حافة العمر/ الليل والعمر/ التقطا انفاسهما من جديد/ ومضيا." 
في "بلادي مباحة" تتکلم الشاعرة في شبه خطبة لا تفقد الحرارة فتقول "على عتبة الحرب/ کل محاولات الفرح انتهت/ وانا اترنح/ بين وجعي /وموت طفولتي/ وهجران ذاتي/ بلادي مباحة/ لکل عابر يهوى المضاجعة/... لکنني اخاف ان اغتصب معها/ الموت يقظة/ لکن لا رغبة لي في قاتل/ يبعثرني باسم الله/ والقضية والعروبة والدفاع عن القضية وتحرير فلسطين/ وکره امريکا ..." 
في قصيدة "لست امرأة واحدة" التي جعلت عنوانا للمجموعة قالت الشاعرة "لست امرأة واحدة لکل الرجال/ وليس کل الرجال رجالا لي/ مطر انا انهمر على الازقة/ اوقظ الاحلام/ اعتمر قبعة انثوية/ امزق الانغام/ ارکض خلف جنوني.../ اريده واحدا احدا/ اسجنه في حبس انوثتي/ اناجيه عن مدينتي.../ لست امرأة بجسد واحد/ وارفض../ ارفض/ سيأخذ الثرى المرأة والجسد/ وأبقى." 
من انواع القول المباشر ايضا في شعرها قصيدة "لولا الصقيع" وفيها تقول "کل قصص الغرام واحدة/ کذبة../ ترتعش على نبضات قلب ظمآن." 
من بعض القصائد الهادئة قصيدة "اذا اتيت" القصيرة التي تقول فيها "صعب على قلمي کتابة الفرح/ لکنه سيخترع حبرا.../ لک منک.."
ولعل قصيدة "يقظة الخريف" تشکل نموذجا جيدا جميلا تصويريا ودافئا من نماذج شعر سوزان تلحوق وفيها تقول "رمى الخريف اوراقه/ عند حافة الباب/ اوراق لا کلام مکتوب عليها/ ليست فارغة/ محملة بشرايين الفصول/ وتجاعيد التجارب الغابرة/ ملقاة بإهمال عالي الاناقة/ عند رصيف الهذيان ..." 
 جورج جحا 
بيروت 29 يناير کانون الثاني (رويترز)



فيضان مدينة وقلم
أفتش عنك
كالمجنونة
أرتجف حبرك
ألبسه أحضنه
مثواي الأخير أنت
أنتقل الى رحمتك تعالى
والخالق يترنّح بيننا
أريدك ثملا مكتملا
تملأ القلوب الفارغة
الكؤوس والمحارم الملوثة
تطهّر انوثتي
تقتل رجولتي
وتعتّق حيائيٍ
أريدك جارفا ثائرا
معريا أحياء وأزقة مدينتي
ملبسا زواياها قصائدي المغرية
اجعلها مقها ليليا
يأتيه المثقف
والمحلل
والصحافي
والعامل
والقاتل
واليساري
والطائفي
والعاشق
والحائر
ليسكر من حبرك
أريد أن أرقص معك الفالس
لنعبر جسر هذه المدينة
المعلقة
بين أحلام المغتربين
وأنانية الحاضرين
المعلقة
بين جفون ذكرياتي
وشفافية ورقتي
وهمسة وجودي
المعلقة تحت نفسي
وفوق قلبي
وعلى حافة روحي
أريدك أن تنثر كلماتي
ثم تداعبها
اجعل حبرها يختلط بدمي
أريد كل قصائدي أن تمارس الجنس لتولد كلمة
تختصر الحياة.
وهذه أخرى... 

لما الصلاة لرجل لن يأت؟
كما هي وحدتي تنعكس
على الأطباق المرمية على الطاولة
ووحدتهم تنكسر
مع نخب كأس عالق في احدى زوايا اليدين
كما هي وحدتي تتمشى
في مكان مزدحم
تتمرجل على أنوثتي
تتمزق بين خيوط الغسق
تقول للفجر
آه… كم أريد رجلا
يختبىء خلف رجولته ليغمرني
يرتجف وراء شفتيه ليقبلني
يلدغ العربية ليحاكيني
انساب تحت نشوة
لقياك في ذاكرتي
ارتعش تحت منديل انحناءاتي الغريبة
حينما يلامس وجودك اوهامي
أراسلك وأنت نائم عن يقظة
لأقول في أشواقي كل الترهات
والغباء والافتراضات
وأنت ترمي بأوراقي
تنقض على عرشي
تقتحم أسواري عند كل فرصة لديك للربح
وأنا أركض آخذة منك ما يكفي لرحلة مملة ورواية عظيمة.

وهذه أخيرة... 

بعض من المحبة
في العشرين
ربما… لكن بعدما أرهقني
الإحتفاظ بك لسنين
لن أدعك تهوى رائحة الجنة
لكني أستطيع أن أشاركك بها
لأن الله يبارك المحبة


s