mardi 8 décembre 2015

نحن والحداّد












يندرج الإصرار على تعهّد مدلولي الأصالة والتفتح بإعادة التعريف في صميم الإرث النضالي التونسي سياسيا كان أم اجتماعيا، حتى وأن وجد نفسه اليوم أمام وضعية فارقة يتجاوز إطارها الواقع المحلي الضيق ليضرب للبلاد عامة موعدا مع التاريخ. وتُمثل الحرية وعمادها المواطنة القيمة المشتهاة تحت سمائنا، هذا الحلم الطموح هو ما راود التونسيين حال ظهور أول دساتيرهم في بداية ستينات القرن التاسع عشر، وهو ذات الحلم الذي تضمنه دستور الجمهورية في أعقاب تصفية الاستعمار وإلغاء الـمُلكية عند موفى خمسينات القرن الماضي، على أن ينخرط فيما عشناه طوال مرحلة ما بعد الثورة من خلال إعلاء الاستحقاق الدستوري وتحديد ضوابط المنافسة وسقف الصراع أيضا بين مكونات المشهدين السياسي والمدني بعد تعدّد الفاعلين ضمن المجالات العمومية، وانتقال الممارسة السياسية إلى أفق بديل يربط المدلول الدقيق لشرعية السلطة السياسية بمدى حرص الحكّام على ضمان الحريات الشخصية للأفراد.
ليس هنالك من مجال للفعل النضالي تونسيا، إلا وقد لوّنه الصراع بين المدافعين على الأصالة والداعين إلى التفتح، بحيث انعكس هذا التجاذب بين التمسك بالقديم والإقبال على المُحدث من خلال استحثاث نسق الإصلاح، أو انطباعه على مؤسسات التحصيل المعرفي التونسية المنتجة للنخب السياسية والعالِمة. فقد بدا وضخا منذ أواسط القرن التاسع عشر أن التعليم التقليدي الزيتوني قد اختُرق من قبل روافد عدّة تزايد تأثيرها بعد طي تجربة المدرسة الحربية بباردو سنة 1864 وإنشاء المدرسة الصادقية سنة 1875. كما زاد الحضور الاستعماري الفرنسي من حدة تلك المواجهة بعد مؤازرته لتأسيس جمعيتي الخلدونية سنة 1896 وقدماء المدرسة الصادقية سنة 1906.
طال ذلك الصراع بين القديم والمحدث واقع النضال من أجل تصفية الاستعمار وتبنته القيادات السياسية والفكرية ضمن خطابها المعلن، معبّرة عنه بجلاء في ثنايا مؤلفتها المرجعية التي تمت خلال السنوات الأخيرة الماضية إعادة نشرها تحت عنوان "مدونة الإصلاح في تونس: المرجعيات المؤسسة"، وذلك تساوقا مع عنوان العشرة مجلدات التي أصدرتها مع نهاية سنة 2012 الدار العربية للكتاب، جامعة ضمنها الأعمال الكاملة لعدد من منظري الخط الإصلاحي، وهم خير الدين باشا وعلي باشا حانبة وعبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد وعلي البلهوان، انطلاقا من "أقوم مسالك" الوزير المصلح خير الدين باشا إلى مؤلفات علي البلهوان "تونس الثائرة" و"ثورة الفكر" و"نحن أمة"، مرورا بمقالات وافتتاحيات زعيم حركة الشباب التونسي علي باش حانبة، وتأملات مؤسس الحزب الدستوري الشيخ عبد العزيز الثعالبي الإصلاحية التي ضمها مؤلفيه السجاليين "تونس الشهيدة" و"روح التحرّر في الإسلام"، ومدونة المصلح الاجتماعي الطاهر الحداد، تلك التي ضمت مقالاته وأشعاره وخواطره ونصوصه المرجعية في الإصلاح الاجتماعي، ومبناه عنده تحديث التعليم الزيتوني وتونسة النضال النقابي وتحرير بالمرأة المسلمة وتمكينها عبر الاعتراف لها بجميع حقوقها المستلبة. 
يشي التركيز على تملي مرجعيات الفكر الإصلاحي تونسيا على توجه يرمي إلى توسيع الإطلاع على مضمونها، بل واعتباره أسًّا في تطوير مختلف التوجهات الفكرية التي عاينتها ساحتي النضال السياسي والمدني بعد أحداث أواخر سنة 2010 الفارقة. وهو ما من شأنه أن يساهم في الارتقاء بالثقافة السياسية للنخب الجديدة، والدفع نحو استلهام عصارة الذكاء التونسي، وإعادة صياغة سردية تبنّي التونسيين للحداثة بما يستجيب لحاجيات "دوحة الحرية" وفقا لمقولة مؤلف "أقوم المسالك" الرائقة.
فقد ظهر تصوّر خير الدين التونسي (1822 - 1890) للاقتصاد السياسي كرد فعل على تردى أوضاع المملكة التونسية سنة 1867، حيث شيّد الانتساب على مبدأ الانتصار للحرية في مدلولها السياسي (التعاقدي) والاقتصادي (الليبرالي) والثقافي (المتصل بصون الحريات الفردية)، مع التبشير بحلول حضارة كونية شاملة لجميع الأجناس البشرية دون تمييز أو إقصاء. في حين بدت الأفكار التي بشر بها علي باش حانبه (1876 - 1918) ضمن مدونة مقالاته المنشورة في اللغة الفرنسية بجريدة التونسي في تواصل معلن مع ما صاغته عارضة خير الدين ومجمل المصلحين الذين آزروا مشروعه. فقد تبين من خلال الاطلاع على فحوى المقالات الـ 78 التي تم جمعها ضمن المجلد الثاني من مدونة الإصلاح في تونس، أن الأغراض المقصودة قد تمحورت حول تطوير النظام السياسي بمزيد تشريك التونسيين في تصريف الشأن العام وتحسين أوضاعهم الاقتصادية البائسة وترقية ملكاتهم المهنية والمعرفية والفكرية.  في حين بدت التوجهات النضالية للشيخ عبد العزيز الثعالبي (1876 - 1944) واعية بضرورة إعادة النظر في العلاقة التي ربطت المرجعيات الدينية الخصوصية للثقافة الإسلامية بمكاسب الثقافة الكونية المستندة على الفكر العقلاني الأوروبي. فقد شدّد مؤلف "روح التحرر في الإسلام"، ودون السقوط في التغريب أو صدور عن تصوّرات منغلقة على الذات، على ضرورة تفحّص الأسباب الموضوعية التي حالت بين النص القرآني وروحه التحررية المتضامنة تماما مع الأفكار الإنسانية الغربية، وذلك حتى يتسنى الإقلاع عن الانحراف بمعاني القرآن وإرهاقها بتأويلات متزمّتة تدفع نحو تصحّر العقل والإكراه في الدين، وتقسيم الناس إلى مسلمين وكفّار وتهميش المرأة واستنقاصها بتحويلها إلى عورة لا يصحّ في حقها إلا الحجب عن عيون الطامحين.         
ضمن هذا الإطار تحديدا، يبدو مشروع الطاهر الحداد (1899 - 1935) جد معبرا. فقد انطوى استدعاؤه، وبعد أن وُفقنا في إعادة امتلاك تجربة النضال الوطني من بوابة ترسيخ أفق الفعل السياسي التعددي حاضرا، على رغبة في تنزيل هذه التجربة النضالية الاجتماعية ضمن أفق لا يكتفي بالإنصاف والتنويه فحسب، بل ينشد تمثّل هذا الفكر ضمن مسوغاته الموضوعية ومن داخل التطوّرات التي عاينتها الساحة الفكرية التونسية طوال عشرية تجريد الحداد لقلم نضاله الاجتماعي بين بداية عشرينات وأواسط ثلاثينات القرن الماضي.
فقد بدت لنا الشهادة التي أفردها للوقوف عند أوضاع التعليم الزيتوني وشروط تطويره: "التعليم الإسلامي وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة"، وهي شهادة لم يتم طبعها وتحقيقها إلا بعد زهاء نصف قرن عن وفاة مؤلفها، عن منحاه العقلاني التنويري الذي يستند على فكر عبد الرحمان بن خلدون في تفوّق العقل على النقل، مع الدعوة إلى الكفّ عن ملاحقة أصحاب الفكر النقدي من مشايخ الزيتونة كمحمد النخلي (1869 - 1924) وسعيد السطيفي وعبد العزيز الثعالبي، وضرورة إدخال العلوم الصحيحة ضمن مقرّرات التحصيل، تأهبا لإصلاح العقول والالتحاق بالأمم الناهضة. "فلا علم إلا حيث يوجد الرأي، ولا رأي إلا حيث يوجد العلم".
اعتقد الحداد في تلازم النضالين الاجتماعي والسياسي، فقد عرض ضمن مؤلفه: "العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية" الصادر سنة 1927 ، وهو أثر شكلت روحه المقالات العشرين المنشورة بين 1925 و1928 ضمن "لسان الشعب" و"مرشد الأمة" و"إفريقيا"، تصوّراته بخصوص أهلنة النضال النقابي بعد استيعاب ما تمخضت عنه تجارب البلدان الناهضة أو المتحضرة في الغرض، وتطويعها لما تقتضيه حاجيات البلدان المولى عليها. فلئن أبدى الحداد انتصارا صريحا للفكر الاشتراكي ناقدا التوجهات الاستغلالية للرأسمالية، فإنه لم يتوان على نقد أوضاع المنتجين التونسيين الذين "يسيرون في عملهم بلا عقل غير حب الفرد لنفسه بصورة مَرَضِيّة مشطّة". "فالأمل طريق العمل ولا فوز لأمل بدون عمل".
وكانت تجربة "جامعة عموم العملة التونسيين" التي أسسها محمد علي الحامي (1890 - 1928) نزولا عند دعوة عمال الرصيف المضربين خلال صائفة 1924، إيذانا بتجذّر الشعور الوطني وحصول تواشج وثيق بين الشأنين الاجتماعي والسياسي. فقد ساهم الحداد من موقعه في تخليد تلك التجربة والتأريخ لها والنضال في صلبها والانخراط في الدفاع عن القيم التي صدرت عنها وتبني روحها الأممية، مع فسح الأولوية إلى المشاغل المحلية التونسية، وربط كل طموح سياسي بالنجاح في رفع التحديات الاجتماعية الكفيلة بتحويل الأمم إلى شعوب نابضة بالحياة وناهضة لتحقيق الرقي والتقدم. لذلك يتعين أن "تسبق الحركات الاجتماعية [جميع ما سواها] مع شرح حقيقتها وأصول أعمالها وواجب عموم الشعب فيها"، لأن المناداة بالكرامة والعدل والمساواة والحرية قد امتزجت ومنذ طلائع النضال النقابي بالدفاع عن المنتجين وربط النضال السياسي الوطني بإبداء نجابة في الارتقاء بمنزلة الإنسان، مع الانتباه لضرورة ربط الممارسة السياسية بالحدود الدنيا للفضيلة. على أنه ما كان للحداد أن يتصدى لتأليف بيانه الفارق في الجدل الشرعي القانوني حول علاقة المرأة التونسية بالشريعة والمجتمع، إلا مدفوعا بهاجس حريتها في اختيار شريك حياتها بدل إكراهها على ذلك، وحرية تصرّفها في أموالها بدل ولاية الزوج عليها، فالأصل في الإنسان الحرية رجلا كان أم امرأة. لذلك تمثَّل جوهر سؤال الحداد ضمن بيانه حول توافق روح التشريع مع إنصاف الحق في تحديد الطريقة المثلى التي تسمح بفهم أحكام الإسلام فهما موضوعيا يدفع ومن حيث تقصّي فضيلة العدل رأسا إلى الانتصار لحرية الإنسان وربط الأوضاع المزرية للمرأة التونسية بقلة نجابة نُخب العلم والسياسة في الانتصار للحرية والمساواة بوصفهما أصل في ماهية الإنسان.
تصدر مختلف الأفكار التي صاغتها عارضة الحداد ضمن مختلف كتابته الصحفية والأدبية والنضالية الاجتماعية والتأملية والإنسانية، عن تمثّل خصوصي لـ"رسالته في الدنيا"، اتصل رأسا بـ"تحريك إرادة الحياة" في الضمير الجمعي للتونسيين، لأن ذلك "أفضل ما في العبادة" وُفقا لما أقره عبد الرحمان الكواكبي(1855 - 1902) ضمن مؤلفه حول "طباع الاستبداد"، حيث شكّلت "إرادة الشعب" لديه "مُراد السماء".
شيّد الحداد أثره على قسمين: واحد تشريعي شرح ضمنه فكرة التدرّج في إصلاح الأحكام المتصلة بالأحوال الشخصية كالدعوة إلى تمكين المرأة من جميع حقوقها المدنية وفي مقدّمتها حق الشهادة وحق الانتصاب للقضاء وحق التصرّف في مالها مع اعتبار ميراثها قابل للتغيير باتجاه المساواة، فضلا عن ربط عقد القران بالفحص الطبي وحرية اختيار الزوج أو الشريك وإباحة موانع الحمل بل واللجوء إلى الإجهاض، إذ ما شكل الحمل خطرا على حياة الأم وسلامة الأسرة، والجهر بمنع تعدّد الزوجات وتمكين المتضرّر حال طلاق الزوجين من التعويض، معتبرا أن مختلف تلك الإصلاحات لا تمس بجوهر العقيدة.
كما تضمن بيانه مشروعا تربويا ثقافيا مقصده تأهيل الفتيات وإعدادهن للحياة الزوجية والأسرية والاجتماعية باكتساب الملكات المهنية والفكرية والصحية والتربوية والذوقية والعلمية والرياضية، وهو ما حوّل كتابه إلى دعوة حقيقية لتحديث الفكر الديني وتطوير المجتمع والارتقاء بالأحوال الشخصية وسنّ الأحكام بالتعويل على الاجتهاد تبشيرا بالارتقاء في مصاف المدنية. وهو ما أنجزته دولة الاستقلال من خلال مسارعة رئيسها، الذي سبق له الدافع بشراسة في نهاية العشرينات وضمن مقال أصدرته صحيفة الراية عن الحجاب باعتباره "من رموز الشخصية التونسية"، بإصدار مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956، وهي أثرة تآلفت مضامينها مع ما صاغه فكر الحداد وتفتقت عنه عبقريته منذ نهاية عشرينات القرن الماضي. لذلك بدا هذا الأخير مُصيبا لما اعتبر في الكلمة التي ألقاها في حفل تكريمه حال صدور كتابة يوم 17 أكتوبر 1930، أن آراءه وإن قُوبلت بالصدّ والمجافاة، فإن حقيقتها ظاهرة للناس ولو بعد حين، بل ومنتشرة بين جميعهم في مقتبل الأيام.
وهكذا يبدو جليّا أن ثقافة التونسيين السياسية قد تدرّجت طوال النصف الأول من القرن الماضي من الكتابة الصحفية وإلقاء المحاضرات وتنظيم الندوات إلى وضع المؤلفات السياسية ذات النفس الاجتماعي، وهو واقع يسهل رصده ضمن كتابات الزعماء الدستوريين مثل علي البلهوان (1909 - 1958) (ثورة الفكر، نحن أمة وتونس الثائرة) والحبيب ثامر (1909 - 1949) (هنا تونس)، وهي عروض ساهمت في صياغة المعجم السياسي الوطني ومفرداته وإعطاء مدلول دقيق للمفاهيم المستحدثة على غرار الشعب والوطن، بصياغة ما يستقيم أن نسحب عليه تسمية "الأيديولوجية الدستورية" بحساسياتها المتنوّعة سواء تلك التي دافعت عن المرجعية القطرية مع السعي إلى ربط مستقبل البلاد بالعالم الغربي المتقدّم مثلما تشي بذلك توجهات محمود الماطري والحبيب وبورقيبة، أو تلك التي صدرت عن قناعات عربية إسلامية مثلما تكشف عن ذلك كتابات محمود المسعدي وعلي البلهون والحبيب ثامر، أو تلك التي انطبعت بتوجهات نضالية اجتماعية على غرار ما يُسهل رصده ضمن كتابات سليمان بن سليمان وأحمد التليلي.
فقد استند السجال ضمن مختلف العروض التي صاغها هؤلاء على توضيح ما يشدّ النضال الوطني للفكر القومي الحديث وفق ما انجلت عنه تصورات الفلاسفة الفرنسيين المدافعين عن التوجهات القومية في كتابات الفيلسوف الفرنسي أرناست رينان Ernest Renan مثلا. حيث اتصلت شخصية الأمة- الوطن Nation بالشواهد الجغرافية والمناخية والعاطفية والتاريخية والحدودية والنسبية والبشرية، مؤذنة بذهاب فصل الانتماء الفضفاض للرابطتين العربية والإسلامية، مثلما تنجلي عن ذالك المضامين الواردة ضمن عروض مؤلفي "نحن أمة" و"هنا تونس". 
ولا يخفى ما لهذه الصياغة الدستورية لفكرة الأمة-الوطن من اتصال وثيق بالنظريات الأوروبية التي تلقّتها تلك النخب السياسية بالجامعات الفرنسية، عاملة على تطويعها لمقتضيات الواقع من خلال عرضها على الخصوصيات المحليّة التونسية وشدّ وثاقها في العمق إلى الهوية الثقافية العربية الإسلامية تيسيرا لعملية استنبات المدلول الواقعي للثورة على الاستعمار، تساوقا مع عنوان كتاب علي البلهوان الصادر سنة 1954 "تونس الثائرة"، وترسيخا لشرعية مطلب استقلال البلاد وبناء الدولة الوطنية الحديثة في أذهان عامة التونسيين.
ولئن تحوّلت مختلف التوجهات المتصلة بالنضال السياسي والاجتماعي التونسي تلك التي تناولتها جملة الآثار التي كنا بصدد التذكير بفحواها إلى متقاسم جمعي عبر تشغيل بيداغوجية الاتصال المباشر كما وظفتها الزعامات الدستورية والنقابية التونسية، تأسيا بالنهج الذي ارتضاه باني الدولة الوطنية الحبيب بورقيبة، فإن سيطرة نصيب المشافهة في استنبات تلك المضامين الفكرية والتفريق بين توجهاتها النضالية هو ما وضع كثيرا من القيود أمام تطويرها بما يخدم واقع النضال السياسي في مرحلة ما بعد أحداث 2011 الفارقة، حيث تجد النخب الجديدة سياسيا ومدنيا صعوبة كبيرة في صياغة حوار هادئ حول أمثل أشكال إعادة تملّكها من بوابة تمحيص مضامينها وإدراجها ضمن رصيد ثقافتها السياسية وخطابها النضالي. فلسنا على يقين من أن مرد ذلك متّصل بحدود إيجابيات السياسات المتبعة من قبل دولة الاستقلال الموسومة بالاتكال المطلق على الثقافة السياسية الفرنسية المعلمنة، وتمحور أشكال المعارضة أو المراجعة السياسية حول تصورات قصويّة اتكلت من جانبها على توجهات يسراوية أو إسلاموية رثة، لأن القول بذلك يقتضي الإقرار بحضور أدبيات أو مرجعيات فارقة يمكن الرجوع إليها بغية التوقّف عند طبيعة الاحترازات التي شدّدت عليها بخصوص إيديولوجيات النضال السياسي والاجتماعي تونسيا. وهو مجال يحيل على اللا مفكر فيه تونسا. فقد أثبت السجال المغلوط الحاصل بين ورثة الفكر الدستوري وورثة الفكر الإخواني بخصوص تقاطعات ممارساتهم السياسية حول شخصية الثعالبي لا مؤلفاته، طابعه الانتهازي أو السياسوي المفضوح الذي يكشف عن حدود ثقافة الفاعلين السياسيين الجدد.
وبالجملة فإن الحفر فيما خلّفه الطاهر الحداد بخصوص تاريخ النضال السياسي والاجتماعي تونسيا بوسعه أن يكشف لنا عن ضعف استيعاب الفاعلين الثقافيين والسياسيين راهنا لمختلف المضامين الفارقة التي توصّل مؤرخ النضال النقابي والتحرّر الاجتماعي التونسي إلى ابتكارها، مُشترطا في استنبات المُحدث والانقلاب على القديم إدراك ما يشُد مضامينه إلى الذكاء البشري والمواثيق الكونية، تشوّفا إلى تنزيل سردية "الفكر التنويري" التونسي ضمن منجز الفكر الإنساني.


mardi 24 novembre 2015

التفاتة إلى الذاكرة الجماعية







 مقال لشوقي بن حسن في جريدة العربي الجديد اللندنية -
23 نوفمبر 2015ثمة علاقة ملتبسة تعيشها المجتمعات العربية مع ذاكرتها الجماعية، ما يولّد كثيراً من الاحتقانات والصدامات. في عمله الجديد، الذي يقدّمه غداً في الجامعة التونسية، يحاول المؤرّخ التونسي لطفي عيسى أن يقارب هذه المسألة، معتمداً على تخصّصات توازي المناهج التاريخية.صدر كتاب "بين الذاكرة والتاريخ: في التأصيل وتحوّلات الهوية" منذ أيام في المغرب عن منشورات "أفريقيا الشرق". يقول عيسى في حديثه إلى "العربي الجديد": "أرى أن العلاقة بالذاكرة الجماعية موضوع مسكوت عنه في ثقافتنا اليوم"، لكنه يشير من جهة أخرى إلى أنه موضوع مبذول في الغرب. ويضيف بأن السؤال المحوري لعمله هو "كيف نحتفي بالذاكرة؟".يحيلنا صاحب كتاب "مغرب المتصوّفة" إلى النظريات التي اعتمدها في مقاربته لهذا الموضوع في إطاره الشمال أفريقي، حيث يشير إلى أعمال عالم الاجتماع الفرنسي موريس هالفاكس الذي تناول الذاكرة من جهة كونها تراكمات اجتماعية، وكذلك إلى المؤرخ المتخصّص في العصور الوسطى جاك لوغوف حين ربط الذاكرة بالنسب. أما أهم ما استند إليه، فهو أعمال الفيلسوف الفرنسي بول ريكور حين أوضح ميكانزمات تمارس على الذاكرة الجماعية مثل: إيقاف الذاكرة والتلاعب بها وإجبارها.يرى عيسى أن كل هذه الكتابات قد أعادت ترتيب مسألة الذاكرة، ولا بد أن نستفيد من ذلك في المجال العربي الإسلامي، حيث يعتبر بأنها تساعدنا في فهم الكثير من الظواهر في حضارتنا، خصوصاً في ما يسمّيه بـ "المسكوت عنه" تاريخياً. برأي عيسى، فإننا لا زلنا نكتب تاريخاً ممركزاً حول أنفسنا، تماماً كما يكتب الغرب تاريخاً ممركزاً حول ذاته؛ ما يفسّر، بالنسبة إليه، عدم القدرة على التطوّر الحضاري السليم.





استدعاء عيسى لأدوات من خارج علم التاريخ يطرح تساؤلاً حول هذا التوجّه، يجيب بأن "طريقة الأداء المعروفة في كتابة التاريخ انتهت". من هنا يرى أن "طموح المؤرخ" اليوم ينبغي أن ينبني على أمرين؛ الأول هو المقارنة، والثاني هو تخطّي الاختصاص؛ ما يمكّنه من استغلال براديغمات وأجهزة نقدية لا تتوفر له ضمن أدوات علم التاريخ. لعل أهم تطبيق يقدّمه عيسى في كتابه هو اشتغاله على مفهوم الهوية، التي يعرّفها بـ "الانتساب إلى مجال، والوعي بذلك". يؤكد بأن الانتساب هنا يحمل معنى جمعياً بالضرورة ولذلك ينبغي أن نفهم مكوناته المتعددة.على مستوى تطبيقي، يدرس المؤرخ التونسي الذاكرة الجماعية في المغرب العربي من خلال أربعة مستويات، هي: القرن السادس عشر باعتباره القرن الذي تمت فيه تصفية العصر الوسيط. في المستوى الثاني، يدرس المؤسسات السياسية عبر تساؤل حول استمراريتها؛ وهو هنا يدرس مفهوم "المخزن" الذي أبدل عملية خلق الثورة بتسوّلها. في مستوى ثالث، يذهب إلى المؤسسات الروحية، مثل الزوايا. وفي الرابع، يبحث في ظاهرة الازدواجية الثقافية، خصوصاً من خلال القادمين من الأندلس؛ متسائلاً "كيف بني المنفى في أذهانهم؟".
.

lundi 9 novembre 2015

في ثقافة قتل الأب واستتباعاتها








  



ينبئ انزلاق السجال السياسي بين مختلف الدوائر الفاعلة داخل العائلة السياسية لحزب نداء تونس باتجاه تعاظم وقع الملاسنات الكلامية وشدة اللعان الصادم، عن تحوّل العمل السياسي ببلادنا إلى ما يشبه موالد شيوخ الدجل ومواسمهم. فقد تعاظم الخرق باستشراء أساليب الإثارة الرخيصة والاهتبال بتبادل نابي السباب وأقذعه، هذا الذي يوشك أن يحوّل مخاض انبثاق نُخب سياسية، إلى بؤرة متعفنة لا يخدم امتدادها إلا مزيدا من التسوية إلى أسفل وتسريعا للنسق الكارثي لالتهام مزيّف النقد لصحيحه.
وتحضرنا في هذا المجال أسطورة معبّرة، نقلها الشاعر الإغريقي "أوفيد Ovide ضمن مؤلّف الانسلاخ، مفادها أن المهندس البارع "ديدال"، ذاك الذي سهّل على ملكة جزيرة كريت مضاجعة عشيقها وإنجاب مخلوق مشوّه نصفه بشري ونصفه حيواني وُسم بـ"المينوتور هو من تولى بأمر من زوجها الملك مينوس إخفاء جريرتها عن أعين المتقوّلين ببناء متاهة ظلماء تحت الأرض حُشر بداخلها ذلك المخلوق المشوّه الذي تعيّش من أكل لحوم البشر. غير أن توصّل البطل "تيزي Thésée" إلى القضاء عليه وتفادي الضياع داخل المتاهة بفضل مساعدة عشيقته الأميرة "أريان Ariane " ومهندس القصر البارع الذي أشار عليهما بمدّ خيط من الصوف حال الدخول ولفه للتمكن من الخروج، هو ما أغضب الملك فأودع مهندسه البارع بمعية ابنه إيكار السجن. غير أن هذا الأخير تمكن بفضل ما أُوتي من حكمة من الإفلات من مصيره المظلم بصنع أجنحة من شمع مكّنته من الخروج بمعية ابنه من وحشة الأسر إلى نور الحرية. وعبثا حاول مهندسنا اللبيب إقناع ابنه المتنطّع بأن تلك الأجنحة المصنوعة من الشمع لا تحتمل فعل عناصر الطبيعية، فقد تجاهل "إيكار" نصيحة والده محلّقا عاليا في السماء حتى أذبت شمع أجنحته أشعة الشمس الحارقة، فسقط من عليائه ودُقت رقبته وبقي عبرة لمن يعتبر.
ما يحصل اليوم داخل حزب المدافعين عن المشروع المجتمعي الحداثي التونسي من انعدام لقواعد ومعايير السلوك الواضحة، ومن توتر ينبئ بدخول الواقع الاجتماعي التونسي في تتناقض مع القواعد أو الأعراف التي نص عليها دستور البلاد. هو ما يشكل من وجهة نظرنا إعادة إنتاج للمدلول الرمزي لما كنا بصدد عرضه بخصوص علاقة الأب الذي يعلم يقينا أن القدرة على محاكاة منطق الطير تقاس بمدى النجاح في الإفلات من ورطة الانحشار في الزاوية، وليس في اعتقاد الأبناء السُذّج أولئك الذين يبدون إصرارا مرضيا على التحليق عاليا بأجنحة قدّت من شمع من السهل على العناصر إتلافها ودق رقبة أناواتهم المتضخمة التي توشك أن تسقط من عليائها.
ألم ينتبه المؤرخ الروماني "تاسيت" قديما إلى أن أمر المسك بشكيمة أفراد العائلة لا يقل خطورة عن الإشراف على تصريف شؤون بلاد بأكملها، فموقع الأب غير المريح داخل كل عائلة - بما في ذلك السياسية منها- يجعل منه مصدرا للإنعام وعدوا يتربّص به الكافة في آن. يطل موسم قتل الأب من نوافذ عائلة نداء تونس المهشمة بفعل سذاجة الأبناء وضلالهم، أولئك الذين لم يدركوا في شدة نزالهم وتعاظم صراخهم وسبابهم أن الكورة التي يتقاذفونها قد جمعت من شراويط رثة وبالية، وأن الجلوس على المائدة يقتضي القيام عنها، وأن لذة الرضاع غالبا ما تلهينا عن مرارة قرب حصول الفطام.                                    

lundi 2 novembre 2015

كلاش أو في مدلول ثقافة الأوندرغروند تونسيا









       
تقع ثقافة الاحتجاج السفليّة أو الأوندرغروند culture underground التي نشأت بالأحياء الصعبة للحواضر الغربية في أواخر القرن الماضي، على هامش التوجّهات الجمالية أو الفنية السائدة، معلنة عن تصادمها الصريح مع الضوابط الاجتماعية وسجل القيم الأخلاقية. وتنأى تلك الثقافة بنفسها عن وسائل الإعلام الجماهيرية، حيث يحمل المنتصرون لها تصورات انقلابية مستفزة للأعراف الاجتماعية السائدة.
وتشمل ثقافة الأوندرغروند توجهات فنية واحتجاجية متباينة يقتضي التواصل بين أفرادها حضور شفرة خاصة تسمح بتبليغ أفكارها بالتعويل على التجليات الفنية الموسيقية والتشكيلية والأدبية والسينمائية، تلك التي مثلت بَعْدُ مادة حيّة للصحافة التحتية أو "الفانزين fanzines (fanatic magazine)، "، فضلا عن الإذاعات الحرة والمواقع الالكترونية والمنابر الحوارية الافتراضية المتخصّصة في ثقافة "البينك" و"التكنو" و"المودس" و"السكين هاد" و"الميتال" و"الغوتيك" و"الهيب هوب"...
تتعرض مختلف هذه التوجهات الثقافية السفليّة إلى تصرفات مستهجنة تمارس نوعا من القمع ضد توجهاتها المعادية - بزعمها- لمكارم الأخلاق ودواعي الفضيلة، وهو ما يفسر اتسام ردود فعل المحسوبين عليها بطابع عنيف غير خاف، يستوي في ذلك مضمون خطابها أو الطبيعة الصاخبة لكتابتها الموسيقية والصوّر الصادمة لمشاهد قيافة المنتسبين إليها أو قراءاتهم الركحية.
ولا يعود استعمال لفظ موسيقى الأوندرغروند ضمن مختلف وسائل الإعلام التونسية إلى ما قبل سنة 2006 حيث سُحبت هذه التسمية في البداية على جميع أنماط الموسيقى غير المتداولة، على أن يساهم الربط بالانترنت وتوسّع الانتساب إلى مختلف الشبكات الاجتماعية بشكل حاسم في انتشار هذا الضرب من الأنماط الموسيقية، عبر بوابة "تونزيك" التي ساهمت في التعريف بمجموعات "زمكان" و"نشاز" على سبيل المثال لا الحصر، ليدخل البث الإذاعي على الخط من خلال ما قدّمته ولا تزال برامج "زنزانا" و"أوازيس" و"هاك تراك" وغيرها.
وإذ تعاين ساحة موسيقى الراب تونسيا ازدهارا غير مسبوق، فإن واقعها السفلي المنكفئ خلال مرحلة ما قبل 2011 لم يمكن على تلك الحالة، اعتبارا لجملة من الأسباب نحتفظ من بينها خاصة بالتضييق على خطابها الانقلابي المنتقد بحدة لتفشي البطالة واستشراء المحسوبية، وملاحقة مبدعيها الذين تحوّلوا بالتدرج إلى أيقونات لدى الأوساط الاجتماعية الشبابية المعدومة، تلك التي وجدت ضالتها في كلمات أغانيها المحمومة المنفلتة، على غرار أغنيتي "حوماني" لـ"كافون" ومحمد أمين حمزاوي أو "البولسية كلاب" لـ"ولد الكانز".
وليس بعيدا أن يكون لتواصل الاهتبال بأغاني الراب آصرة بتفاقم صعوبات الواقع اليومي للأوساط الشبابية داخل الأحياء الفقيرة، حيث تَعْرُضُ ثقافة الأوندرغروند بشكل عفوي وفوري للمشاكل المترتبة عن الهجرة السرية والبطالة والمحسوبيّة وتعاطي المخدرات، مشهّرة باستقالة مؤسسات الدولة عن تحمّل مسؤولياتها، وفشل جميع السياسات الرامية إلى الحدّ من تفاقم المضاعفات السلبية  للانحراف، تلك التي تؤذن بتعاظم الخرق وطي بساط الانصياع الإرادي للقوانين والأعراف السائدة، تشريعا لعنف الجميع ضد الجميع.
ويعبّر اللجوء إلى المساجلات اللفظية أو تشغيل آليات "الكلاش" بين المنتسبين لموسيقى الراب بطريقته الخاصة عن التحوّل الذي عاينته ساحة الثقافة السفليّة تونسيا. فقد كشف الاصطفاف الأيديولوجي عن نفسه منذ خريف 2010 وذلك على خلفية السجال حول أغنية  manipulation لمحمد الجندوبي المعروف بـ"بسيكو ام Psycho – M "، وتعاظم الخرق باستفحال السباب المجاني بين من نجحوا في السباحة فوق موجة المال والشهرة مثل أحمد العبيدي المشهور باسم ـ"كافون Kafon" و"محمد صالح البلطي المشهور بـ"بلطيروشيما Baltiroshima"، وبين أغلبية المحسوبين على موسيقى الراب الذين انتابهم شعور حاد بالحرمان جعلهم لا يستنكفون من استعمال أرخص أساليب التشويه وأقذع ألفاظ السبّ والشتيمة بغرض الحطّ من قيمة من صادفت أغانيهم قبول الجماهير ومختلف المتدخلين في ما لا نتهيب من تسميته بـ"الاقتصاد الموازي للموسيقى".
على أن انزلاق فضاء السجال العمومي في هذا المنحى الانتحاري وتحوله بعدُ إلى ما يشبه "موالد" شيوخ الدجل ومواسمهم، وتعاظم الخرق باستشراء أساليب الإثارة الرخيصة والاهتبال باللعن المقذع وتبادل نابي السباب وأبشعه، من شأنه أن يحوّل ظاهرة "الكلاش" موضوعيا، وإذا ما تواصلت حالة التردي التي يعيشها مخاض انبثاق نخب سياسية وفكرية ومعرفيّة وفنية معافاة، إلى بؤرة متعفنة لا يخدم امتدادها إلا مزيدا من التسوية إلى أسفل وتسريعا للنسق الكارثي لالتهام مزيّف النقد لصحيحه.  

افتتاحية محيّنة صدرت ضمن العدد الرابع من مجلة "الفكر الجديد"     

mardi 20 octobre 2015

Angélique Mounier-Kuhn, Tunisie : l'audace du printemps. Editions Nevitica, Collection L’Âme des peuples, Bruxelles octobre 2015











"La Tunisie a toujours été écartelée entre Occident et Orient"  
Entretien avec Lotfi Aïssa* 


   

Avec toutes les civilisations qui s'y sont succédé, chacune laissant sa part d'héritage, l'histoire de la Tunisie est extraordinairement foisonnante. Pouvez-vous nous aider à en remonter le cours ?

Pour avoir une idée de la profondeur historique de la Tunisie, il faut partir de ses partenaires anonymes, durant la préhistoire. La civilisation capsienne est la première dont nous avons des indices patents, dans la région de Gafsa (sud tunisien), ainsi que ceux, croyance, outils et armes, qui nous viennent d'une ancienne civilisation libyque préhistorique dans la région de Béja (au nord ouest de la Tunisie).

En termes réels, l'Histoire a commencé avec les royautés Berbères – les Amazighs- entre 1500 et 1100 avant JC. Elle a ensuite pris une dimension méditerranéenne avec l'arrivée des Phéniciens à Utique, en 1100 avant JC, et la fondation en 814 de Carthage (« La nouvelle ville »), dont l'empire commercial finira par dépasser celui de la cité mère de Tyr (actuel Liban). 
Il est intéressant de se rappeler que la fondation de Carthage est liée à une légende féminine, celle de Didon, qui a pris une dimension essentielle dans l'histoire de la Tunisie. Pour se préserver en tant que phénicienne, Didon a préféré s'immoler avec le feu plutôt que de se marier avec un potentat berbère. Didon a-t-elle véritablement existé ? Nous n'en avons pas véritablement de preuves. Mais sa légende s’est cristallisée dans la mémoire collective, elle est un personnage essentiel, glorifié, auquel la femme tunisienne s'identifie bien volontiers.

Deux autres personnages de l’héritage antique de la Tunisie sont très importants, le commandant militaire carthaginois Hasdrubal Barca, qui a fondé un empire en Espagne et Hannon qui est parti explorer l'Afrique occidentale. C'est à dire qu'au 4e siècle avant JC, Carthage se met à étendre son territoire et deviendra le cœur d'un grand pouvoir impérial central, édifié en État, qui finit par étendre sa domination sur toute la Méditerranée et bien au-delà  jusqu'en Écosse appelé jadis île Colchide.

Le troisième des grands personnages, de cet empire est la personne sur qui on a le plus écrit au monde avec Napoléon Bonaparte. Il s’agit bien entendu d’Hannibal. A-t-on la certitude que son passage sur les Pyrénées a été aussi glorieux que celui raconté par les auteurs antiques ? C'est sans doute assez mythique. Mais ce qui est à retenir dans l’évocation de sa trajectoire, c'est son aptitude à la négociation. Comment ce personnage a-t-il pu négocier la paix avec les cités romaines ? Pourquoi n'a-t-il pas cherché à détruire Rome ? Il aurait pu le faire, Rome tenait absolument à détruire Carthage. Et elle a fini par avoir gain de cause, en créant un réseau d'espionnage à l'intérieur du parlement carthaginois qui a réussi à retourner l'aristocratie contre les projets expansionnistes d'Hannibal. Ce dernier finit par prendre la fuite pour se réfugier en Turquie.
En 146, Carthage fut brûlée, le sel éparpillé sur son territoire pour l'éradiquer totalement. Les Romains ont hérité des Grecs mais pourquoi ont-ils détruit une civilisation aussi florissante que celle de Carthage ? C'est peut-être déjà à l'époque une histoire de mondialisation, de routes maritimes et de rivalité commerciale : Carthage était un adversaire redoutable et un empire commercial qui régnait sur une multitude de comptoirs, il fallait à tout prix l'anéantir.

Les Romains n'en restent pas là. Ils détruisent, puis ils s'installent.

Ils ont créé une véritable dynamique de colonisation avec des colonies florissantes. Parvenus à Carthage, ils créent une province, la Proconsulaire, avoisinant la Césarienne (Algérie) et de la Tingitane (Maroc).
La Proconsulaire est la plus importante de ces trois colonies, car elle disposait des sols les plus fertiles, c'est elle qui nourrissait Rome. Carthage recelait aussi  d'un savoir faire très supérieur à celui de l'Empire. Travailler et produire, c'est le comportement du commun des habitants de la Proconsulaire. Thysdrus (actuelle El Jem), dont la richesse reposait sur le commerce de l'huile d'olive, a été la résidence de deux empereurs romains, Gordien I et Gordien II en 238 de notre ère.
A cette époque, la Proconsulaire est un véritable havre de paix au regard des turbulences que traversaient Rome. Toutes les provinces d'Occident sont en guerre, à l'exception de la Proconsulaire. Sans elle, la civilisation romaine aurait pu s’éclipser dès le 3e s, alors que l'Empire ne s'effondrera définitivement qu'au 5e s.

La Proconsulaire a apporté à Rome, mais qu'a apporté Rome à la Proconsulaire ?


L'histoire romaine n'est pas uniquement une histoire de politique, c'est aussi une histoire d'urbanisation et de romanisation, celle, aussi,  d'un rapport à la citoyenneté. Au delà du fait d’accorder un statut aux cités orientales (civitas) de l'Empire, l'édit de Caracalla, promulgué en 212, va accélérer la romanisation du territoire de l’Africa. C'est un fait majeur, une évolution sur laquelle va se bâtir la christianisation, quand la religion chrétienne deviendra celle des empereurs, sous Licinius ou Constantin I (272 – 337). L'Afrique prend d'ailleurs les devants par rapport aux autres provinces de l'Empire ; le bouillonnement culturel est tel à Carthage qu'elle en devient l'un des piliers de l’Église catholique. Ce n'est pas du tout, un hasard si un Saint Augustin fut originaire d’Afrique.

Il a ensuite fallu que nous mangions notre pain noir. Les Vandales sont arrivés, à compter de 425 après JC, et ils ont tout détruit. Une centaine d'année plus tard, le règne des chrétiens du nord, les Byzantins, s'instaure, jusqu'à la période des conquêtes arabes, au 7e s. Les Arabes vont être subjugués par la richesse de cette contrée, ses théâtres, ses thermes.... Il leur faudra cinquante bonnes années de guerre pour amadouer ces populations africaines. Contrairement à ce que certains prétendent, l'islamisation n'a pas été une tâche facile. Il y a eu beaucoup de négociation, les musulmans ont du s’accommoder de ce qui existait en Afrique du nord. Ceci explique peut-être pourquoi l'islam maghrébin est différent de celui pratiqué en orient.

La Tunisie pratique un islam malékite. Quel est-il?

Le rite malikite est rattaché au nom du juriste médinois Malik Ibn Anas (m 795). C’est l’une des quatre écoles juridique du monde sunnite musulman. Le malikisme exige une application littérale des préceptes charaïques. Tout le Maghreb, ainsi que la partie ouest du continent africain, l’ont adopté, en l’accommodant aux us et coutumes particuliers de cette aire géographique. Ce qui a fini par nous donner un corpus de jurisprudences malékites qui s’est accommodé  progressivement avec la réalité du terrain.

Les Arabes fondent Kairouan, la capitale de l'Ifriqya. Quel est ce territoire ?

L'Ifriqya est un territoire lâche dont les confins vont du Constantinois algérien jusqu'au Golfe de Syrte en Libye. L'islamisation a pris cinq siècles, c'est le temps qu'il a fallu à la Tunisie pour devenir, véritablement, une entité nouvelle, anciennement chrétienne mais désormais définitivement intégrée dans le giron de l’islam. Du 7e jusqu'au 12e s, des évêchés étaient bien présent sur le territoire tunisien, et un mélange de langues et d’idiomes latins et berbères continuaient à être largement utiliser.

Qui sont les Hilaliens, qui sont ensuite venus saccager l'Ifriqya ?

Les Hilaliens sont des nomades venus de la péninsule arabique, qui se sont déferlé sur le territoire en « horde » dont le nombre fut estimé à 200 000 guerriers. Ils ont « parait-il » tout détruit sur leur passage. Mais Ils étaient venus pour s'installer définitivement, leur accommodation avec les traditions sédentaires a pris pas moins de trois siècles.  C'est à nouveau une histoire très importante car elle prouve la patience de la population et ses facultés de  négociation, et ses capacités à approuver le vivre ensemble.
Le génie de la population autochtone, c'est de concevoir et en parallèle avec l'islam conformiste et charaïque, un islam maraboutique, encré dans le vécu collectif et plus enclin aux multiples formes de médiation et de sociabilité. Un saint n'étant reconnu au Maghreb, que s'il réussit à apporter des solutions à tous les problèmes du complexe au plus incongrus. Ce que les orientalistes ont appelé marabout est en réalité un médiateur social. Ceux qui ont islamisé les « hordes » tribales venues d’Arabie via le sud égyptien, sont les maghrébins, alors que ceux qui ont arabisé les maghrébins sont des arabes.
L'histoire de la Tunisie est un exemple de notre ambivalence culturelle. Nous sommes écartelés entre deux directions : c'est un pays périphérique qui a constamment mélangé deux centralités, la centralité occidentale, celle de Rome mais aussi de Byzance, et la centralité orientale, islamique, qui nous vient des  Omeyyades et des Abbasides, et des Fatimides (chiites), qui ont d'abord créé un État en Tunisie avant de partir en Égypte et d'y fonder Le Caire.

Après l'arrivée des arabes, la Tunisie fait l'expérience d'une certaine indépendance vis à vis de l'Orient. Et suite la déconfiture de l’empire Almohade, des îlots territoriaux, essentiellement basés sur des pouvoirs dynastiques, vont voir progressivement le jour. Il s’agit les Aghlabides, des Zirides et de la fameuse dynastie des Hafsides.

Quand s'est formée l'entité territoriale Tunisie telle que nous la connaissons aujourd'hui ?

La Tunisie telle que nous la concevons aujourd’hui, c'est-à-dire cette portion congrue du territoire maghrébin, est un legs des Turcs. En 1574, elle est devenue une province ottomane. Une province non-censitaire, ne versant pas de redevances au pouvoir central et conservant, de ce fait, une relative indépendance.

Pourquoi ce privilège ?

Parce qu'elle est une zone assez proche des infidèles d’occident. Pour les Ottomans, cette province était une frontière, donc une zone de combat. Et on ne réclame point de redevances à des gens qui combattent les chrétiens sur la frontière de l’empire monde ottoman. Sur cette forme d’émancipation territoriale vont se créer deux dynasties, la dynastie mouradite et la dynastie husseinite qui vont gouverner la Régence de 1630 à l’institution de la République en 1957. La première vient de la Corse. Les Husseinites, eux, venaient de l’ile de Candia en Crète où ils avaient intégré la soldatesque turque.
A partir d'un certain moment, les Turcs ne vont plus accepter qu'on les nomme ainsi, mais préfèrent plutôt être qualifié de hanafites, se référant ainsi, à une école juridique sunnite, qu’a une appartenance allogène revendiquée. Ils sont désormais, tunisiens, de rite hanafite. Il y a eu donc un processus  « d’indigénéisation ».

Les Turcs ont apporté trois choses essentielles. La première, c'est le rapport à la fiscalité. Pour la première fois, tous les tunisiens sont devenus des contribuables ; les gens comprennent qu'ils doivent produire plus que leurs besoins, et que l'argent doit venir d'eux pour construire quelque chose. Cela a permis le développement des marchés, et la tenue des registres fiscaux, pour s’acquitter des redevances.
Le deuxième apport est celui de la délimitation du territoire : prélever des impôts implique de savoir, où commence et ou s'arrête le territoire. Il y a eu de sérieux conflits entre les provinces turques d'Afrique du Nord, celle d'Alger ou de la Tripolitaine et celles de Tunisie. Ils ont presque tous tourné autour de la fiscalité, qui devrait paie quoi ? D'où l’émergence de l’Etat moderne et la délimitation du territoire.
Le troisième élément important, c’est l’avènement des explorateurs et des sociétés géographiques occidentales au 19e siècle. Elles nous ont légué, une bonne fois pour toute, une concrète connaissance du territoire tunisien en le représentant ou cartographiant.
Avec la fiscalité, la délimitation du territoire et les représentations cartographiques, la boucle est bouclée, et nous avons tenu cette Tunisie ou ce territoire congru de l’espace maghrébin auquel tous les tunisiens se reconnaissent aujourd’hui.

Vient alors la France, qui établit son protectorat en 1881. Comment marque-t-elle la Tunisie ?

Au-delà de la réalité spoliatrice et oppressive du colonialisme, la France nous à énormément – résolument à son corps défendant- apporté, même si le bilan reste mitigé et diversement apprécié, car, il s'agit d'un régime colonial. Mais le bilinguisme c'est installé et notre ambivalence a été définitivement celée. Aujourd'hui encore, l'école reste  bilingue. Mais au delà de la langue, il y a eu aussi la création des associations sportives, le cinéma, le théâtre. Pour moi, la France, c'est la langue, les partis politiques, les syndicats, une initiation aux normes qui régissent la vie civile et l’organisation de la cité.

Les partis politiques et les syndicats, elle les a laissé émerger malgré elle ?

Oui certainement. En tout cas, en ce qui me concerne, je viens d'une génération qui n'a pas connu la colonisation. Je suis un pur produit de l'école publique républicaine tunisienne et j’ai toujours été initié aux manuels écrits par des Tunisiens et non par des Français, écrits, aussi bien, en arabe qu'en français. J'ai eu des enseignants français, anglais, pakistanais, américains, belges. Une formation très ambivalente et on ne peut enrichissante ! Il y avait aussi le Ciné club. A 12 ans, moi, le modeste petit Kairouanais, je connaissais déjà la nouvelle vague, le cinéma d’auteur et surtout Fellini ! Ça m’a véritablement marqué à vie et je suis resté un passionné du cinéma.

Nous nous sommes appropriés l'héritage Français et nous continuions à  faire valoir son coté avantageux. C'était ça le « deal » de Bourguiba : mettre les gens à l'école, libérer la femme, et créer un État. Autoritaire cela va sans dire ! Car pour lui, tout le monde était en apprentissage, et on ne pouvait pas faire valoir la démocratie dans un pays en apprentissage.

La plus grande force de Bourguiba, c'est donc d'avoir su récupérer l'héritage pour le faire fructifier ?

Bien entendu. Mais le problème, c'est qu'il a cru qu'en faisant ça, il serait à l'abri de toute contestation. Or, les nouvelles générations ne se sont pas reconnues dans son projet. Au début des années 1970, il est pratiquement en rupture de ban avec la réalité politique : il est une autre personne, très diminuée par la maladie, qui passait le clair de son temps à faire des séjours médicaux de trois ou quatre mois en Allemagne, en Suisse ou en France. On ne le voyait pas souvent, sauf pour les mois d’été et à l’occasion de la célébration de son anniversaire le 3 août. Il a vécu comme un monarque, et il a fini par sortir par la petite porte. Mais Voilà que maintenant un véritable « retour de Bourguiba » voir une véritable iconisation de son image, un engouement pour ses mérites est entrain de prendre du terrain!


Bourguiba avait l'obsession de marquer l'histoire de la Tunisie. Lesquels de ses illustres prédécesseurs avaient sa considération ?

Il  n'y a en eu pour lui que trois personnages dignes d’être retenus par l’histoire. Hannibal, un  général carthaginois, Jugurta, un roi numide, et Kheireddine un ministre réformateur (1874-1877) et un mamelouk arrivé à onze ans et formé à la nouvelle école polytechnique de Tunis, créée en 1842. Kheireddine a écrit un ouvrage majeur (Le plus sûr moyen pour connaître l'état des nations).  Il a instauré des réformes salutaires en Tunisie. Autour de lui gravitait toute une élite d’intellectuels, qui a fréquenté comme lui l’école polytechnique et qui a voulu instaurer des réformes en Tunisie dans l'espoir d'empêcher la colonisation par la France. Ils savaient, que ces derniers présents en Algérie depuis 1830, allaient à cour ou à moins échéance envahir le pays. Ils ont tout tenté en multipliant les réformes, mais ils ont hélas échoué.

En 1861, avant même l'arrivée de Kheireddine au pouvoir, la Tunisie s'était déjà donné d'une Constitution, la première dans tout le monde arabo-musulman.

Oui. Elle avait été précédée en 1857 par le Pacte fondamental Ahd El Amen, en arabe, ou parole d’honneur donnée par le bey pour faire régner la justice et la paix. Il s’agissait au fait d’un texte de sept amendements qui donne aux minorités juives et chrétiennes les mêmes droits que les Tunisiens. Il y a ensuite eu la promulgation d’une véritable constitution en 1861, comportant pas moins de 113 amendements, qui organisait le territoire et l’État d'une autre manière  (unification des tribunaux, organisation des corporations de métiers...)

Qu'est-ce qui distingue la Tunisie des autres pays du Maghreb, qui eux aussi ont été traversés par de nombreuses civilisations ?

C'est son rapport à la centralité. En Tunisie le gouvernement central s'est installé depuis très longtemps. De ce fait, il s'est pérennisé et il est devenu une tradition politique. D'ailleurs, la ville de Tunis est devenue capitale de la Tunisie avec les Hafsides, vers 1230. Mais le plus important, c'est la polarisation de l'espace par rapport à la ville de Tunis. Carthage (aujourd'hui située en banlieue de Tunis) est, depuis sa fondation, le centre de tout un empire. Les tunisiens ne conçoivent pas le pouvoir en dehors de cette centralité. C'est une situation à la fois avantageuse et accablante, car en Tunisie on ne sait pas décentraliser !
L'histoire est pétrie autrement chez nos voisins Libyens, Algériens, Mauritaniens ou Marocains. Cela ne veut pas dire que nous ne leur rassemblons pas, loin s'en faut. Dans le vécu de ces populations, il y a énormément de ressemblances. Mais dans leur histoire et leur rapport à l’État, il y a des différences éminemment importantes.

Pourquoi la décolonisation s'est-elle passée si différemment en Tunisie et en Algérie ?

Elle s'est faite de manière négociée et moins belliqueuse en Tunisie. Bien sûr, un mouvement de résistance s'était instauré dès l’avènement du Protectorat en 1881. Les Français ont imposé un modèle, les Tunisiens s'y sont opposés. Mais ils l'ont fait en apprenant à s’opposer politiquement.
Et une personne a su cristalliser toutes les attentes des Tunisiens, en trouvant les mots justes pour le dire c’est bien évidemment le fondateur de la Nation tunisienne Bourguiba. Il était à la fois pédagogue et psychologue. Pour moi, il a imité à merveille Périclès en se métamorphosant en « psychagogue » : il savait dire aux gens exactement ce qu'ils attendaient, et il leur traçait un horizon viable. C'est d'ailleurs ce qui manque à la Tunisie postrévolutionnaire, une vision et un traceur d’horizon.

Hormis à l’époque de Carthage, la Tunisie n'a jamais abrité un peuple de conquérants. Elle a tout laissé venir à elle, est-ce une faiblesse ou un atout ?


La réponse à cette question est à mon avis plus géographique qu'historique : la Tunisie présente le relief le moins accidenté du Maghreb, que l'on peut pratiquement parcourir en une journée. Une telle situation représente pour moi une véritable richesse. La Tunisie devrait à mon sens revendiquer haut et fort sa « créolité ». Ceux qui sont venus avec leur propre culture l'ont mélangée à celle des Tunisiens. Les gens ne sont pas belliqueux, en tout cas moi je ne regarde pas les choses avec le regard assurément réducteur de vainqueur/vaincu.

FIN

*Historien tunisien, agrégé et docteur d’Etat ès Sciences Humaines, Lotfi Aïssa enseigne l’histoire moderne à l’université de Tunis depuis 1989. Il est l’auteur de plusieurs ouvrages et travaux de recherche sur l’histoire de la sainteté, dont notamment « Le Maghreb des soufis ». Il a aussi dirigé et publié d’autres travaux, portant sur l’histoire sociale et culturelle de la Tunisie et du Maghreb. En 2014 il a publié aux éditions Nirvana un collectif intitulé « Être tunisien : Opinions croisées ».
Lotfi Aïssa tient depuis 2011 un blog bilingue, traitant du passé et du présent du Maghreb. http://lotfiaissa.blogspot.com/