mercredi 28 mars 2012

المؤرخ والجامعي التونسي لطفي عيسى الشعب التونسي حضر بجمال يوم 14 جانفي والحرية أكثر القيم اشتهاء تحت سمائنا







خارج الجمالية لا وجود للكتابة. الحياة كلّها بحث عن الجمال» كما يقول لطفي عيسى المؤرخ التونسي المهتم بالتاريخ المقارن لمجال المغارب. من مؤلفاته: «أخبار المناقب في المعجزة والكرمة، والتاريخ. (1993) و«مدخل لدراسة مميزات الذهنية المغاربية خلال القرن17» (1994) و«مغرب المتصوفة من القرن 10 الى القرن 17» (2005) و«كتاب السير» (2008)....
« الفعل الثــوري فــي حـدّ ذاته هــو فعل ينطوي على جمالية لأنه يقـــتضي حضورا، والحضور ضرب من ضروب الفن »، هذا ما أكّده لنا لطــفي عيسى في بداية هـذا الحوار الذي أجريناه معه في مقــهى يطلّ على هضبة بيرصة. حيث تنتـصب كنيسة سان لوي.
ـ لنبدأ، من فكرة أن الفعل الثوري هو فعل جمالي كما قلت... كيف تحلّل ما حدث في تونس؟
...كان من الضروري أن نكتشف في الشعب التونسي قدرته على الحضور بجمال، كما حدث يوم 14 جانفي كي نقتنع أننا إزاء لحظة فارقة من تاريخنا. جلّ الكتابات التي حاولت أن تقرأ في هذا الحضور لا تخلو من ديماغوجية... صحيح أن تملّك الاشياء غالبا ما يمرّ عبر التكرار ولكن ثمّة من التكرار ما هو غير مفيد، على غرار استدعاء الضحايا أو "الشهداء" والترحم الاضطراري بشكل ممجوج على أرواحهم. هذا الفعل يبني ذاكرة غريبة جدا. فالثورة هدفها الاسمى في اعتقادي هو ربطنا مجدّدا وفي موعد تاريخي فارق مع الحداثة بعد 23 عاما من التسطيح وردائة الذوق والفكر المعممين .
هذا اللقاء لابدّ أن نوفّر له جميع إمكانيات النجاح كي نجدّد العهد مع الحداثة في مدلولها الكوني، لابدّ أن نعي المسافة التي لازالت تفصلنا عنها، على كلّ الاصعدة، السياسي منها وغير السياسي. الظاهر الأن على السطح هو الحراك السياسي، ولكن هناك جوانب أخرى لها علاقة بالمجتمع والاقتصاد وكذلك بالمشترك الذهني.
ـ ماذا عن هذا المشترك الذهني؟

لو نترك الجانب السياسي الطاغي الأن لفاعليه ونحاول ان نفكّر قليلا في الجوانب الاخرى.
فمستوى الذهنيات مثلا صعيد حريّ أن نتعامل معه بنفس القدر من الجدية والنفعية خاصة. أغلبنا يعتقد ان ما يتصل بالذهنيات يحيل على مجال القيم، والقيم تبدو متعالية وأكثر من هذا مجرّدة بحيث لا تشغل غير اهتمام أولئك الذين يملكون القدرة على الخوض فيها.
ما يتم الاكتفاء به غالبا هو الحديث عن الاسلام أو مقايضة الحديث عن الذهنيات من خلال سجل التدّين الذي يبقى في المستوى الشخصي بينما القيم بمقدورها أن تكون مشتركة. في الحداثة هناك مجموعة من القيم الهامة، على غرار الحرية وهي من اكثر القيم اشتهاء تحت سمائنا.

ـ ما الذي يميّز الذهنية التونسية؟


المشهد الذهني في بلداننا، الان وهنا، أقصد المجال المغاربي تحديدا، لأن المشرق مجال آخر، المشهد الذهني حاليا مشغول بما يمكن أن نسميه ما بعد الاسلام، وليس بالاسلام.
ـ كيف؟ لو تفصّل لنا المسألة أكثر؟
أن نحيا وأن نكون في واقع نسميه بما بعد الاسلام يقتضي مجموعة من الشروط. ما بعد الاسلام، هو ليس بالضرورة شيئا يتماثل مع ما بعد الحداثة، لم نصل بعد الى مستوى الحداثة. نحن على أبواب الحداثة. الآن لا نستطيع أن نلغي حضور العامل الديني بعد كشوفات الحداثة في مجال علوم الانسان.
ما بعد الإسلام يتطلب جملة من الشروط هي أوّلا العيش بشكل مشترك أو الخضوع لشروط العيش المشترك، أو ما يسمى بالفرنسية(La sedentairisation) طبعا لا يتعلق الأمر ببادية أو مدينة لتحقق شرط الاستقرار.
الاستقرار من شروطه الاضطرار الى العيش مع الاخرين. وهو نتاج لوجود دولة ترابية تملك العنف الشرعي، غيابها ينفي الاستقرار. الاستقرار أصبح ظاهرة تلوّن المشهد السكاني، كونيّا. ومن تداعياته القبول بما نسميه الحلول التوافقية والتعوّد على المواضعات الاجتماعية، المهم بالاساس ليس التمسّك بسجلّ القيم مهما ارتفعت مكانتها في أذهاننا، بل القدرة على النجاح في الحياة العامة والشخصية. والنجاح يحتاج بالضرورة الى النفعية. النفعية تخرج بنا تماما من مجال التديّن كمشترك أخلاقي لتعيده الى المجال الشخصي.
الحدث المفصلي لـ 14 جانفي هو الحضور بجمال. الفرد بما هو فرد، المهمّ بالنسبة اليه هو الاعتراف،
.اعتراف المجموعة بأن مساره الشخصي يجسّد الوصول الى نتيجة إيجابية

الشرط الثاني في تصوري يتمثل في أنّ المدينة لم تعد الضامن الوحيد لسجلّ الضوابط قبل ذلك كانت الصورة التي تعكسها المدينة، هي واجهة الاسلام الرسمي. وكانت المدينة مقسومة بين النخب وتسمّى عالمة، لأنها قادرة على الفصل بين الحلال والحرام، أي تمتلك الضوابط وبين عامة الناس، الذين لا يستطيعون الفصل بين الأمرين وبالتالي هم محتاجون الى تلك النخب لتمثلها بالتكرار. النخب هي المؤتمنة شرعيا واجتماعيا على ترقية المجموعة في التصورالحداثي، تسمّى الترقية، التحرّر.
ومدلوله تحمل المسؤولية كاملة على جميع ما تقترف. ثقل هذا النوع من المسؤولية هو الذي يدفع الى الهروب الى الأمام والبحث عن الجنة المفقودة (الاحتماء بالعائلة مثلا مع القبول بما يتضمنه ذلك من وصاية...) والحال ان المسألة هي مسألة مسؤولية فردية وجماعية.
ـ ما هو الشرط الثالث لتحقق ما تسميه ما بعد الاسلام؟
العنصر الثالث هو علاقة المرأة بالمجال العمومي أو المشترك، وهو مجال الذي كان حكرا، في المجتمعات التقليدية على الرجال. يتعين أن نفرق بين هذا الحضور الاضطراري... وبين النضال النسوي.
وهو نضال معلن بينما الحضور الذي نتحدث عنه منبثّ داخل المشهد الاجتماعي. هناك كثير من المسؤوليات التي كانت تعود بشكل مطلق للرجل، أصبحت المرأة الان تتقاسمها بسبب حاجيات العيش المستقر، مثال الشغل، تربية الابناء (خصوصا مسألة من يأخذ القرار في التربية مما يعني المسؤولية في حالة فشل الاختيارات التربوية) والمعاملات البنكية، الشراءات المشتركة، الملكية المشتركة...
المشهد الاجتماعي تلوّن بمختلف هذه الحاجيات لذلك يصدق على هذا المشهد أن نصفه بأنه "ما بعد إسلامي". هذا لا يعني قطيعة مع الاسلام، بل تمثّلا جديدا للهوية العربية الاسلامية.
هناك مسافة يتعين قطعها سواء بالأسلوب النفعي أو بالعمل النضالي. المرأة التي تُقدم على تغيير عجلة السيارة بنفسها تنخرط عن وعي أو من دونه في نضالية غير معلنة هدفها ردم الهوّة بين وضعيتها كتابع ووضعيتها كشريكة.
...الشرط أو المقوّم الرابع؟
المقوّم الرابع والأخير يتعلق بمن كانوا سببا في حصول الثورة وهي شرائح شبابية ما بين 20 و30 سنة، تحدّرت عن جيل الاستقلال. هم منخرطون أيضا، في هذا المشهد الاجتماعي الذي وسمناه بما بعد إسلامي وهذا لا يعني أنهم معنيون بمشروع الحداثة. جيلي أنا وهو جيل الاستقلال مطالب بانجاح عملية تمكين الاجيال الجديدة من أخذ موقعها على الساحة العامة.
ـ الأبناء خائفون من أن يسرق الآباء منهم ثورتهم ويلاحظ أن استدعاء الجدّ قد شكل ضمانة ربما للوقوف حاجز ضدّ عودة اسبداد الاب ما تقول؟

عندما تم الاستقلال كان بورقيبة في العقد الخامس من عمره وجانب كبير ممن أحاطوا به لم يكن سنهم يتجاوز الاربعين عاما لذلك نجحت عملية المرور من إدارة أجنبية إلى إدارة ودولة تونسية لحما دما.
ـ ربما هناك من يحتج بأن الأبناء لا تزال تنقصهم التجربة وحتى الشهائد العلمية الضرورية؟
المسألة لا تتعلق بالنضج وبحضوره أو بغيابه بل المقصود هو الافق الزمني الذي يبني مشروعا جديدا. لا يستطيع من جاوز الخمسين أن يدّعي أنه طرف في إنشاء وتصوّر أفق جديد وتصوّر يكون هو طرفا في إنجازه. عكس هذا الادعاء يعني بالضرورة في ذهني سرقة حياة الاخرين. مشكلة الشباب الآن هي إحساسه بأن هناك من يريد أن يعيش حياته الخاصة بدلا عنه أن يأخذ زمانه. التناوب ضروري، وهذا التناوب هو ما يحول دون السرقة
والمصادرته. هذا الشعور لا يعني أن الأمر على تلك الشاكلة بالضرورة لكن وجوده له دلالة فيما يتعلق بصعوبات التناوب. كل إرجاء في هذا المستوى يشكّل حرمانا.
التعويض الذي وجده هؤلاء هو إعادة تشكيل الواقع، من خلال الافتراض، ونجح الشباب هنا كثيرا، لأنه على الصعيد الذاتي البحت، امتلك حداثة حقيقية ليست وليدة العلاقة بالكتاب أو بمقاعد الدراسة أو بالادمان على الاطلاع بشكل موسوعي أو بامتلاك ثقافة كلاسيكية. الجدّ على هذه الشاكلة هو نتاج ثقافة الكتاب بالاضافة الى تجربة عميقة مع الحياة. الجدّ رأيناه ينتقل من الكلاسيكي (القرآن الكريم، الحديث الحكمة، الشعر) الى الحداثي (بالعودة الى فلاسفة ومفكّري الغرب) فقد أشار السيد الباجي قايد السبسي الى الواقع الرهن معتبرا أن توفير الأمن هو من صميم تجسيم مبادئ الديمقراطية.
ـ كيف كان يعمل نظام أو "ماكينة" بن علي؟
في تجربة بن علي تم إقصاء الابن لفائدة الحفيد، أنظمة الوصاية التقليدية تعلي من قيمة الأحفاد، لأن الابناء غالبا ما يشكلون شخصياتهم في تعارض مع الاباء. هذه قاعدة اجتماعية فعوض المرور من 1 الى 2، نقفرّ من 1 الى 3. هناك دائما خانة رقميّة فارغة.
عبير موسى أو محمد الغرياني على سبيل المثال، بوصفهما شخصيتين سياسيتين لمرحلة ما قبل الثورة، هما نموذج صارخ لهذه القاعدة التي حكمت ولا تزال الأنظمة المستندة على الوصاية. فعبد العزيز بن ضياء الذي هو في أواخر عقده السبعيني على أقل تقدير يجد سهولة في التعاطي معهما ويجد صعوبة في التعاطي مع ابنائه السياسيين أو العلميين، فلا ننسى أنه درّس بالجامعة، لأنهم بنوا شخصياتهم في تمايز معه وكانوا نقيضا لشخصيته. في أنظمة الوصاية دائما هناك طرفا أو جيلا محروما أو يشعر بالحرمان. الآن نحن نريد ان نثبت حضور أفق حقيقي يتساوق مع جمالية حدث 14 جانفي. كنّا في وضعية انسداد أفق واليوم نفتح أفقا جديدا.
ـ ما الفارق الأهم بين جيل الآباء والأبناء؟

أصبح لدينا جيل شاب يتمثّل الواقع من وجهه نظر كونية حتى وإن كانت افتراضية، أي أن زاوية النظر وسلّم الخريطة قد عاين تغيّرا كاملا بل انقلابا حقيقيا. هذا لا يعني ان الجيل الجديد ليست له عقد مع الاخر الغربي. ولكن حظه الحقيقي في أنه توصل إلى التعامل مع الاخر على أساس الاشتراك في الانتساب النفعي الى العولمة (أي تقاسم المنافع التي يتيحها عالم مشبّك أو مغصّن). من فضّلوا استعمال وسائل غير شرعية للمرور الى الضفّة الاخرى عبر جزيرة لامبدوزا يحاولون تجاوز الشعور بالحرمان الذي أصابهم نتيجة غلق الافق، أي الاصرار على عدم مباشرة عملية التناوب بين الاجيال. هم فهموا جيّدا ان المطلوب هو الانخراط في المشهد الكوني قبل استيعاب مضمونه. بينما اعتقدنا نحن أن المطلوب هو بناء التكافؤ قبل الانخراط.
ـ فكرة الحضور لديك، تبدو أساسية ومهمة في مقاربة ما يحدث لو نعود اليها....
نحن في مرحلة ما بعد إسلامية بمعنى أن الحياة الجماعية لها قيمها التي يمكن أن تتوافق أو تتعارض مع القيم الاسلامية. وهذا التعارض لا يعني بالضرورة إعادة امتلاك قيم الحداثة.
خروج المرأة الى الساحة العامة أو حضورها الذي لا يعني بالضرورة نضالية معلنة، بل تلاؤم مع واقع جديد من شأنه ان يقلّص الهوة بين الوصاية المضروب عليها وبين وضعيتها المشتهاة كشريك.
واقع الاجيال الشابة يطرح هو ايضا سؤالا من نقس القبيل، ويحوّل النضالية الى حضور، وهذا الحضور بقطع النظر على شكله الافتراضي يعيد صياغة المشهد الاجتماعي من وجهة نظر ضرورة الربط بين الأجيال بطريقة صحيّة أن نمرّ من 1 الى 2 الى 3 الى 4... ودعم ممارسة القفز أو الاقصاء باسم جميع أشكال الوصاية وهذا اندراج في الحداثة.
ـ هل أنت متفائل أم متشائم بخصوص المستقبل؟
الضمانة الوحيدة لنجاح ما نحن بصدده أي نجاح الانتقال الديمقراطي وإمكانية الربط حقيقة مع الحداثة والقطع مع منطق الوصاية، هو الحفاظ على «جمالية الحضور» بالشكل الذي عبّرت به عن نفسها يوم 14 جانفي. ويعني ذلك القطع نهائيا مع كلّ الاستراتيجيات التي تستهدف شتم ذكاء التونسيين.
لا يتعين أن نركن مجددا إلى تصوّر أننا نحن الاذكياء والبقية مجرّد أغبياء يمكن توظيفهم للوصول الى غايات تلبس لبوس الحداثة أو التقوى، وهي في الحقيقة محاولة واعية أو غير واعية لإعادة انتاج نفس أنماط التفكير .
ـ كلمة أخيرة؟
الباب الأساسي الذي يدخل منه المجتمع التونسي الى الحداثة هو السعي إلى تطوير العلاقة التي نربطه حاضرا بالاسلام كمعيش وليس كديانة، يعني كمشترك ثقافي أو كهوية مشتركة.
الحداثة هي النظر بمسافة لروايات متعددة تشمل كيفية تمثل الوجود والواقع.البوعزيزي هو شهيد، ولكن شهيد ماذا؟ ثمة لدى ايمي سيزار استعارة مهمّة جدا، هي صورة القلم والممحاة، ما الشيء الذي يمكن ان تحتفظ به الذاكرة بخصوص شهادة البوعزيزي.
ما حصل للبوعزيزي هو غلق أفق تعنيف جسدي ورمزي، ولكن ألم يعنّف البوعزيزي هو أيضا أو ألم ينخرط البوعزيزي أيضا في منطق التعنيف هذا؟ هل حقيقة أن ردّه على تلك التي صادرت أدوات عمله قد تمثل في شتمها من وجهة نظر انتسابها الى الجنس الاخر!.
الى أي حدّ كان قراره بحرق نفسه نتيجة لتغييب الجنس الاخر، في المقهى الذي توجّه اليه. لو حضر الاختلاط في المكان العام الذي ذهب اليه لكان ذلك سببا كافيا لاقلاعه على اتخاذ مثل هذا القرار! المجتمع الذكوري هو الذي كان وراء فعلته كتعبير عن استرداد للذكورة المغدورة. إذن ليس انسداد الافق وحده الذي كان وراء رمزيّة شهادة البوعزيزي فحسب، بل سيطرة التمثلات الذكورية الإقصائية أيضا.
كلّ هذه الفرضيات هي حاضرا ما بين إمكانية الكتابة المحو، هل ستلغى مجمل هذه الروايات ولن نحتفظ في الذاكرة إلا بصورة البوعزيزي المستضعف أو البوعزيزي المطحون. نحن الآن مؤتمنون على ذاكرة وهذه الذاكرة تحتوي على تمثّلات متنافسة، متصارعة ومتعددة.


أجرى الحوار كمال الهلالي
2011 وصدر بجريدة الصحافة


lundi 26 mars 2012

بحب البحر كلمات سيد حجاب عناء كميليا جبران



بحب البحر لمّا يزوم..
و أعشق صرخته في الريح !
بحس في موجه شوق مكتوم..
لناس حُرّة و حياة بصحيح !
..
و أحبّه لمّا يتهادي
و أدوب لمّا يوشوشني
و يفرش موجه سجادة..
في أحلامي تعيشني !
..
ملوش أول..ملوش أخر
قراره طاوي اسراره !
و دايماً في الهوي مسافر..
ولا نهاية لمشواره !
..

بحب البحر..أحب البحر..
و أعشق ضحكته و آنه !
و أحب الناس..أحب الناس..
ماهم فيهم حاجات منه !
و أحبك يا اللّي أحلامي..
في هواكي زهزهوا و غنّوا !
يا بلدي ياللّي و أنا فيكي
عيوني ليكي بيحنّوا !
..
بحب الورد فوق السور
و أعشق ضحكته الفانية
و أحس في ريحته شوق مسحور ..
لناس حرّة و حياة تانية !
..
و أحبه بين ايدين عشاقْ..
رسالة مهفهفة بأشواقْ !
و حتي و هو بلا أوراقْ
كتاب العشق ، ذكرى فراقْ
..
حياته في الهوي ليلتين..
و عمره ما كان بعمره ضنين !
يرش هواه علي الماشيين..
و يتقاسمه مع الجايين !
بحب الورد

..

بحب الورد
و أعشق ضحكته و آنّه
و أحب الناس..أحب الناس
ماهم فيهم حاجات منه
و أحبك ياللّي أحلامي..
في هواكي زهزهوا و غنّوا
يا بلدي ياللّي و أنا فيكي..
عيوني ليكي بيحنّوا !
..
بحب البحر..بحب الورد..
و أحب الناس !
و أحب نعيشها أحرار
مرفوعين الراس
ولا تفرّقنا لا الألوان ولا الأجناس
و أدوب في آدان يرفرف ، تحضنه أجراس
تعالوا نقيم لبكرة الجاي ..
يا ناس قداس !!







Arrêt sur image:




By Lamiaa Al-Sadaty
Al-Ahram Hebdo
August 5, 2007



L’interprète-compositeur Kamilya Jubran continue à chanter en arabe, prolongeant la durée de vie de sa culture palestinienne. La musicienne vivant à Berne est née en Galilée, c’est tout le chemin entre ses deux villes qui a forgé sa personnalité. Elle vient de donner deux concerts au Caire.

Chanter pour exister


Déchirement, dépaysement, tristesse, amertume ... Sa tenue sobre ainsi que sa manière de se comporter laissent deviner les sentiments qui la rongent. Or, elle cherche à les dissimuler derrière un petit sourire passager qui se dessine de temps à autre sur ses lèvres. Kamilya Jubran n’est pas facile à cerner. Toujours vêtue en noir, reflétant une allure terne, elle semble préférer donner la parole à seule sa musique. Mais d’où fusent ses impressions ? « Déchirement ? Non ! Ce n’est pas du tout mon cas. J’ai le cœur palestinien, mais je suis israélienne de naissance. Le passeport israélien n’est qu’un moyen qui me permet de me déplacer facilement dans le monde, mais il constitue par ailleurs un obstacle pour la plupart des voyages au sein du monde arabe, excepté l’Egypte et la Jordanie », souligne Kamilya, réfutant toute allusion à ce que l’on appelle « un état de coexistence ». Les yeux brillants, elle se souvient de la première fois où elle a quitté son pays à destination des Etats-Unis pour effectuer une tournée dans plusieurs villes américaines avec la troupe arabe Sabreen (fondée en 1982). « C’était en 1989, j’ai connu un vrai choc des civilisations. Pourtant, j’en ai retenu plusieurs leçons. Par exemple, j’ai appris comment il faut être organisée tout en s’intéressant aux détails les plus futiles et comment chanter devant un public assez mélangé, provenant de tous bords », explique-t-elle. Et de continuer : « Le plus grand choc de ma vie a été cependant ma première visite en Egypte. J’ai compris ce que c’était de vivre sa propre vie, ce que signifie avoir une identité propre, pratiquer sa langue et savourer sa propre culture ». Evidemment, elle est triste de ne pas pouvoir « vivre sa propre vie » dans son pays natal, la Palestine. Kamilya Jubran s’est habituée, tout au long de son enfance, à voir des parents malheureux. Vivre la nakba (la catastrophe) de 1948 et la création de l’Etat hébreu qui jetait, aux portes de ses nouvelles frontières, des milliers de Palestiniens, n’étaient pas des vérités faciles à assimiler.

Née à Akka, en Galilée, en 1963, Kamilya a grandi à Rame, au chevet d’Haïfa, dans une « nouvelle » maison construite par son père. Bercée par les champs d’oliviers et le soleil, elle a été surtout nourrie par les mélodies de Abdel-Wahab, Zakariya Ahmad, Al-Sonbati ... des compositeurs que son père, luthier et joueur de oud, admire beaucoup. Elle a fait connaissance, avec son frère aîné Khaled, des cantiques des messes byzantines de l’église du village sans être éloignés d’une culture islamique véhiculée par les musiques des pays voisins tels l’Egypte, la Syrie, la Turquie, l’Iran ... De même, il y avait toujours les cantilations du Coran dont son père raffole. Grâce à la radio Sawt Al-Arab (la voix des Arabes), elle a découvert les chansons engagées de l’Egyptien Cheikh Imam et des Libanais Marcel Khalifé, Khaled Al-Haber ou Ahmad Kaabour. « A 15 ans, je posais déjà des questions sur le pourquoi de la situation dans laquelle on vivait et le genre de musique que je voulais jouer ». Faire de la musique n’était donc pas une décision, un choix, mais plutôt une évidence. Mais que faire si en Israël, il n’y a pas d’écoles pour étudier la musique arabe ? En effet, le problème dépassait les frontières d’Israël. « Dans les années 1980, je ne pouvais aller nulle part pour étudier la musique orientale. Il nous était interdit d’entrer dans les pays arabes, en tant qu’Arabes israéliens ». Cela dit, elle n’a pas eu le choix et était contrainte de faire des études d’assistance sociale à l’Université hébraïque. La musique était désormais pour elle comme la cause palestinienne : une partie inhérente de sa vie.

Installée à Berne depuis 2002, elle avoue avoir le mérite de juger objectivement les circonstances en Palestine. « Je ne comprends pas ce qui se passe entre le Hamas et le Fatah. Tout ce que je peux dire, c’est que l’on a perdu le focus, le chemin qu’on avait à faire ensemble à cause de certains groupes œuvrant pour leurs propres intérêts. On est sous une occupation, l’on continue cependant à commettre des erreurs aggravant de plus en plus la situation », annonce-t-elle sur un ton amer. Toutefois, l’on s’interroge comment parvient-elle à s’adapter dans un environnement très différent du sien, où même les quelques bribes de sa culture n’existent plus ? « Berne, c’est ma deuxième ville après la Galilée. C’est la ville d’inspiration, de contact avec les gens. Je me sens chez moi à Berne parce que j’y suis arrivée dans l’intention de vivre en harmonie ». Les sentiments de dépaysement n’ont-ils pas de place dans son cœur ? « Mais j’étais aussi étrangère à Jérusalem ! ». La musique semble être ainsi toujours un abri, une évasion, ou peut-être un moyen de défoulement.

Arrivée à Berne les bras ouverts à l’expérimentation, elle avait toujours soif de comprendre des styles différents. Une raison pour laquelle elle a collaboré à deux projets, Mahattat (stations) et Wamid (étincelle) avec le Suisse Werner Hasler, joueur de musique électronique. « La différence culturelle est très enrichissante. Je ne comprends pas comment fonctionnent les instruments électroniques, je n’ai pas cette culture européenne. J’admire l’acoustique et Hasler m’a permis de pénétrer un monde un peu lointain, de retrouver des modes d’expression différents. On se rapproche sans céder à l’essentiel ». L’essentiel est sans doute de garder chacun sa propre identité. Hasler lui-même explique dans quelle mesure le travail avec une artiste arabe qui joue de la musique orientale peut être fructueux : « Je n’ai pas étudié la musique arabe, je l’ai apprise de Kamilya. Cela a influencé ma façon de penser, m’a appris une autre manière de traiter les gammes et de saisir l’échange avec l’autre sans tomber dans l’exotisme ». Le public, quant à lui, reçoit différemment leurs expériences. En Europe comme en Egypte, il y a ceux qui n’aiment pas ce genre de musique parce qu’il détruit la pureté de la musique arabe ou parce que ce n’est pas tout à fait électronique ... Tout dépend de la culture et du goût. « Et aussi de son âge ! », ajoute Kamilya Jubran, précisant : « Mon père n’apprécie pas ce genre de musique. Il m’a dit, une fois que j’ai voulu savoir son opinion, qu’il n’a pas d’oreilles pour cette musique. Alors que lorsque je chante Oum Kalsoum, il me dit : Ah ! ça c’est de la musique ! ». Regrette-t-elle ? « Ma mère, quant à elle, se donne l’occasion de poser des questions, de critiquer ». Il est évidemment difficile d’être issue d’une famille mélomane ! L’on se pose, d’ailleurs, comment son frère aîné Khaled Jubran, joueur de luth oriental et de bouzoq et fondateur du Centre Urmawi pour la musique du Machreq, à Jérusalem, perçoit-il sa musique ? « Il faut aller lui poser la question. On partage tous les deux le même fond musical, mais on adopte des tendances musicales qui sont tout à fait différentes. A chacun sa façon, ses idées et son chemin », explique-t-elle, en soulignant qu’elle apprécie beaucoup l’idée de compositions pures qu’il a réalisées dans Mazamir.

Kamilya Jubran a résumé son parcours à travers Mahattat (stations), un projet de 3 phases : l’enfance et l’influence du répertoire arabe classique, le travail avec la troupe palestinienne Sabreen qu’elle considère comme une période introspective où les questions s’accumulaient, et enfin l’expérimentation où les questions persistent encore. « Avec Sabreen, les mots étaient symboliques et transparents, évitant les slogans. On choisissait des mots en rapport avec les émotions humaines », déclare-t-elle dans la presse. Avec Warner Hasler, l’expérimentation est un choix sans condition. Ainsi s’est-elle permise de donner libre cours à « toute sa folie ». L’engagement, selon elle, ne peut pas être exclusivement politique. Il est avant tout humain : il faut être honnête quant à ses choix. Le luth oriental sur les genoux, sur scène, elle psalmodie des poèmes arabes selon son cœur, et Hasler, sur le synthétiseur, intervient pour élaborer une fusion entre l’acoustique et les échantillons sonores enregistrés.

« Je veux être porteuse d’un message simple : il y a toujours ce peuple, cette culture, cette histoire que l’on a tellement voulu éliminer, mais elle est toujours là et elle le restera ». Mais, est-ce si simple que0 ça ? « Qu’est-ce qu’on fait alors ? Il faut croire que la vie continue et que l’on arrivera à réaliser nos rêves autant que possible ».

vendredi 16 mars 2012

Les Rendez-vous de L'ATEH au Club Taher Hadded "Etre Tunisien": Noureddine Ouerghi et le Théâtre de la terre" Le vendredi 30 mars 2012 à 15 Heure.






تونس-الشروق
تجربته المسرحية تمتد على أكثر من ثلاثة عقود هو كاتب ومخرج وناقد مسرحي أسس « مسرح الأرض » ومنه أسس لخطاب مسرحي جديد يقطع مع المألوف ويلتصق بالواقع المعيش وبهموم ومشاغل الناس الآن وهنا ... طرح قضايا الريف بعيدا عن الفلكلورية التي ميزت جل الأعمال المسرحية الأخرى التي تعاملت مع هذه البيئة ، وتعامل مع القضايا العربية والقومية دون دمغجة وفي منأى عن الشعارات .
نور الدين الورغي و«مسرح الأرض » مبدع وتجربة إبداعية منفردة ورؤية جمالية فكرية لها خصوصياتها التي جعلت منها قطبا مسرحيا قائما بذاته ...
نور الدين الوغي صاحب جائزة المسرح في اليوم الوطني للثقافة 2009 هو ضيفنا هذا الأسبوع في « كبار الحومة » وهو فعلا من كبار الحي المسرحي .

* بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل المسرحي ... ما هي خصوصيات مسرح نور الدين الورغي ?
ـ الرؤية وطريقة الطرح والتعمق في البحث على مستوى الكتابة والإخراج وإدارة الممثلين، ومنذ أكثر من ثلاثين سنة أدق نفس المسمار في نفس المكان لمحاولة التجاوز ... وأضيف شيئا آخر وهو من أهم العوامل الحاسمة في الفعل الإبداعي، واقصد الشك والريبة التي بداخلي، فبلا شك وبلا ريبة لا نستطيع أن نتقدم كما يقول "بيتر بروك" وهذه قاعدة الإبداع فحتى بعد هضم الإرث المسرحي العالمي والإفريقي وما أتى بعده يبقى هذا الهاجس كامنا بداخلي.
* هذا الشك إفراز لعملك كناقد أم وليد تجربتك الإبداعية ؟
ـ هذه الثنائية متلازمة عندي، لا أستطيع التخلي عن واحد منهم، لذلك فإن مبدأ الشك عندي هو نتاج هذه الثنائية في شخصي.
* لكنك تخليت عن الناقد في الممارسة، وبمعنى أن كتاباتك النقدية شحت؟
ـ أكتب عن مسرحيات أصدقائي عندما تستفزني مثل أعمال عز الدين قنون وغيره من المبدعين الأصدقاء أو عندما ألاحظ أن عملا مسرحيا مهما لم يأخذ حقه من النقد العلمي وكان ضحية النقد الانطباعي فأكتب عنها انطلاقا من أرحامها .
* ما هو هاجس نور الدين الورغي في تجربته المسرحية؟
ـ خلق طابع خاص به ورؤية جمالية وشخصية مسرحية متفردة، وأقترح كتابة تمتاز بشاعريتها وإيقاعاتها وتغلغلها داخل الإنسان بجميع أبعاده ومحاولة طرح قضايا إنسانية بطريقة جدلية وانطلاقا من المادية التاريخية ودراسة الوضع الاقتصادي والسياسي والثقافي والحضاري ولكل المظاهر والتقلبات والاهتزازات التي مر ويمر بها الإنسان بصفة عامة والكائن العربي بصفة خاصة... كأنني أكتب نفس المسرحية منذ 30 سنة .
* ماهي روافد الورغي في عملية الابداع؟
ـ أنتمي إلى بيئة ريفية كما تعلم ، واكتشفت المسرح في هذه البيئة من خلال المسرح المدرسي ، واكتشفت المسرح العالمي في دراستي الثانوية بتونس عند الآباء البيض وتعمقت في الإرث المسرحي الغربي بعد دراستي في فرنسا ومشاركتي في ورشات مسرحية كنت أكتب الشعر بالفرنسية ، لكني لاحظت أن اللهجة الدارجة تمتاز بقوة جبارة في التعبير عن الذات والحيرة والصراع وهي لهجة لا تقبل الاستكانة ولا الخنوع، تحمل في طياتها المحبة والذوبان في الآخر ونكران الذات والقدرة على تحمل المشاق والمصاعب.
* في كل أعمالك نلاحظ ذكر الوادي، إما داخل النص أو حتى في العنوان كما في « أحكى يا وادي »؟
ـ أنا ولدت بجانب وادي مجردة وفتحت عيناي عليه أحبه وأكرهه ، أحبه لما سبق وأكرهه لأنه ابتلع أخي أمامي .
* من كان مثلك تلقى تعليمه بالفرنسية وتشبع بالثقافة الغربية من « المفروض » أن أعماله تشبه هذه الثقافة لكن طرحك ومقترحك الجمالي مختلف تماما؟
ـ قدماي في قلب هذه التربة، وما تعلمته من الثقافة الغربية، وكما يقول كاتب ياسين عندما عاتبوه على استعمال اللغة الفرنسية « هي غنيمة حرب » أستعملها لمعرفة الآخر وكما يقول غانذي « إني أفتح جميع النوافذ لكي تهب علي رياح كل الثقافات شرط أن لا تقتلعني من جذوري، فأنا مسرحي أعالج قضايا الإنسان ولا أتقوقع في الفضاء الثقافي الذي انتمي إليه بل انطلق منه لأعانق فضاءات ثقافية أخرى ، ولست الأول في هذا فقد سبقني الكثير من المبدعين كـ "جان جيونو" و"مارسيل بانيول" وغيرهما.
* أكثر من 10 رسالة ختم دروس جامعية كنت محورها وأكثر من أطروحة دكتوراه في كلية الآداب حول شخصية وأعمال نور الدين الورغي إضافة إلى جائزة المسرح لعام 2009 ، كيف تنظر وتتعامل مع هذا الاعتراف والتتويج؟
ـ هذا الاعتراف يحملني مسؤولية كبيرة، لقد كنت من أشد المطالبين بحق المبدع في الخطأ والحق في الفشل، أشعر اليوم أنه لم يعد لي الحق في الخطأ والفشل، بالرغم من أنه عندما تكون مبدعا وتجربتك تجاوزت 30 سنة ومن مبادئك الشك والريبة فإنك تبقى تطالب دائما بالحق في الخطأ. أنا سعيد بهذه التتويجات وهذا الاعتراف، ولكني خائف وأصبحت أكبر ناقد لأعمالي .
* تحدثت عن شقيقك الذي ابتلعه الوادي، ماذا ترك في نفسك هذا الموت؟
ـ موت شقيقي من الأشياء التي صقلت شخصيتي كما ساهم جدي واللاجئون من القطر الجزائري الشقيق إلى جندوبة زمن الاستعمار، لقد فتحنا أعيننا على الجرحى من الجزائريين وفهمنا وقتها أن هناك شعبا يقتل بجانبنا لقد ولدت في فترة صعبة وقوية وما عاشه الشعب التونسي على الحدود مع الجزائر من إرهاصات وآلام، ساهمت في بناء وتكوين شخصيتي .
* في رصيدك أكثر من عشرين مسرحية ، ما أجمل هذه الأعمال في نظرك؟
ـ أجمل مسرحياتي هي التي لم تنجز بعد
* لمن يدين نور الدين الورغي بالفضل؟
ـ أنا مدين لوادي مجردة وللشمال الغربي عموما .

* وناجية الورغي في كل هذا؟
ـ ناجية كما قلت في إهداء مسرحية «حب الرمان » «المرأة اللي زرعت كتيبتي في دمها وولدتها وهي تضحك ومخُبْية الوجيعة ... هي المرأة التي هزت كلامي على ظهرها وما قالت آه ... بيها وليها كتبت وبلا بيها نِتْلَجِّم »
* ابنتك «نهلة » تتخرج هذا العام وهي مخرجة سينمائية هل سنرى عملا سينمائيا من تأليفك وإخراجها وبطولة ناجية؟
ـ إن شاء الله، هذا حلم من أحلامي وسأعمل على تحقيقه خصوصا وأن نهلة يسكنها أيضا الشك، وفهمت أن هذا الفن من أصعب الفنون.
(حاوره : المنصف بن عمر).

...

... وفي مسرحيات نور الدين الورغي إلى ذلك سعي...إلى تأسيس كتابة تتناغم مع هذا الحيّز الذي اختار، حيّز الريف والأرض وتتفتح على آفاق بكر. إذ ما فتئ المؤلف ينطلق من قضايا الناس العاديين ليكشف عن المخفي فيهم والمكبوت، في جرأة دونما إسفاف ومصارحة دونما فجاجة. وهو إذ يعالج في مسرحاته اليومي من الأشياء والسائد من الصلات يقفز بها إلى عوالم شفافة تكشفها عينا حالم، وتنحتها كلمات شاعر تشبّع باندفاعات الغَنَّايْ وإيقاعات الطبَّال وارتعاشات صوت القصبه ولهاثها...
عن تقديم محمد المديوني لكتاب نور الدين الورغي، إليك يا معلمتي، نشر دار سحر للنشر 1992 ، ص 8.

"إليك يا معلمتي"


... إدّوها هزّوها خُذوها
احملوها: دفّوها في الأخضان..
سخنوها لكمتوها لفوها
لزوها: حطّوها بين الأجفان..
جيبوها ضيّفوها عزّوها
كرموها: شقوا بها الوديان..
اغرسوها إسقوها إرووها
اسندوها: ولكلامها شدّوا الميزان..
أهووها حبّوها
أعشقوها اعبدوها
العصفور عيشتو حبّ وزيوان
الألف: أمير هواها
والباء: باست جبهتها
والتاء: تاج العلم حلّاها
والخاء: خلفتها فوق روس الجبال
تكتب تقرّي تعشق في الخلاء..
والجيم: جابتها على الثنايا العربي
والواو: الوادْ حاملْ
غطى جميع المسارب
والعين: العشيّة عَشِّتْ
على بنيّة بجنب القلتة حايرة:
الكرطابلة على الظهر
والرجلين لابسة ما استر
والقلب مسموع رجفانو..
والدّال: دلُّوها على خيط ضوء
علقت فيه رجاها..
والذّال: الذيب قدّام السبورة
يسأل عالأجوف والمعتل
والناقص مالْحديد بدنو..
والقاف: قاسم مشترك
ونحنا في الخير شركة،
قطرة ليك وقطرة ليَّ
والبيت ماها يتقاطر
والفاء: فعل للمجهول مبني
ما يعرف حدّ إعرابو !!
والرّاء: الرعد خلخلّي مفاصلي
نسّاني في الحروف !!!
حبّوها
قدّروها
جلّوها:
هي المعلمة
والمعلمة شمعة
والشمعة تضوّي البيت !!!

نور الدين الورغي، إليك يا معلمتي، نفسه، ص ص 19 – 22

ثورة واشي؟


ثورة " هوشي منه "
وإلّا واشي ؟
ثورة لينين وإلّا حواشي؟
ثورة برانيس وإلّا شواشي؟
ثورة قاعد، وإلّا ماشي؟
ثورة مجرم وإلّا فاشي؟
ثورة عريان وإلّا لابس؟
ثورة ضبع عالعصا كابس؟
ثورة الخبز اليابس؟
ثورة الماء في العيون حابس؟
ثورة صكّر الفم واقعد ثـمّة
ثورة خدّام المرمّة؟
ثورة فنان الغلبة والحمّى؟
ثورة اللّات والعزّى وهُـبلِ
ثورة بوسة يهوذا على خدّ الجبل؟
ثورة الغنّاي والشاعر؟
ثورة صهيد الصوّان الواعر؟
ثورة صوت الثكالى النّاعر؟
ثورة الـقـحـبة
دمدومة، نوارها نور أحسن صحبة ؟
ثورة عريان
محروق، مسلوب
مالبلاء والنّهبة؟
ثورة ربّي
وإلّا نـقـطـة فوق حرف الرّاء
تـشـعـّل حـــــربي؟



ملحق خير...
العرف أحمد ملآك: مسدس، بزازيل حكَّرتهم بالنظر


...

بزَازيل حكـَّرتهم بالنظر
فوق الصّدَرْ
مماليك لبسوا شواشي حمُر
***
بزازيل حكـَّرتهم بالالحَاظ
أعضاهُم بِياضْ
مماليك لبسوا شواشي أعراض
حمَق سيدهم بين الاحكام هاض
بالسيف ناض
ما يسيِّب إلآ طويل العْمُرِ
***
بزازيل حكـَّرتهم يا كهين
كما الياسمين
مماليك في المحكمة واقفين
وقع بينهم فتن متعاندين
جاوا شاكيين
لغى سيدهم ليس ردُّوا خبَر
***
بزازيل حكـَّرتهُم بالرّميق
تحت الشـُّقـيـق
مماليك لبسو شواشي عقيق
جا لعبهم بين الآلعاب سـيـق
فتحوا الفـنـيـق
واغناوا من حَطْ بيه الفقَـَـرْ
***
بزازيل حَكـَّرتـهُم بالشـبـاح
أعضاهم مــلاَح
مماليك لبسوا شواشي سمـَاحْ
يتكـلـّموا باللغاوي الفصاح
مع الانشـراح
يزْهُــوا على حِـسْ نَـغْـم الوتـَــر

jeudi 15 mars 2012

Le calendrier julien العام العجمي



Après une description du calendrier ajmi et de ses différents mois (يناير ، فورار ، مارس، أبريل، ميو، جونيو، يوليان، غشت، شتمبر، كتوبر، دوجمبر ) et des correspondances entre les deux calendriers julien et grégorien, une présentation des différentes périodes et des différentes légendes qui leurs sont attachées ( الليالي، العزارة، قرة العنز، يوم السلف، نزول الجمرات، قرة الحسوم، قرة حيان، قرة الفطيرة، أوسو). Ce tableau est complété par des indications concernant le cycle des saisons et des travaux agricoles ordonnés ou rythmés immuablement selon le fameux dicton tunisien : ( الشتاء شدة، والربيع منامة، والصيف ضيف، والخريف هو العام ) .

"Les travaux et les Jours" :

En affermant avec raison que la représentation du temps chez le paysan nord africain s’incruste dans le monde sensible et qu’elle est liée à ses activités et pratique agraire, l’auteur nous montre que les paysans situent un fait avant ou après une catastrophe ou une calamité « عام الروز – عام الجراد – عام الفار – عام الزمة... » ; L’Ifriqiya étant le pays des chaleurs de la sécheresse des bédouins et des criquets : بلاد الحر والقحط والعرب والجراد .
L’hiver et l’été sont l’un et l’autre composés de 90 jours (دوجمبر لصمّ – الليالي البيض – الليالي السود – العزارة – نهار السلف - الفوارير) pour l’hiver (25 – 20 – 20 – 9 – 1 – 15). Alors que l’été est composé de 5 périodes de 18 jours ( الثريا – العصايا – المرزم – العوج - الصبح )
Les jours les mois et les saisons sont hiérarchisées en fonction des activités agricoles. Les jours sont divisés en jours fastes ( الليالي السود يلفح فيها كل عود – إذا رعدت في العزارة هي حشيش وإلا قمارة ) et en jours néfastes (ريح الليالي البيض خير من مطرها les mois sont appréciés par rapport aux activités agricoles spécifiques ( labour – semailles – cueillettes – plantations d’arbres fruitiers – moissons) mais aussi par rapport aux conditions météorologiques ( يناير يرمي قرون المعز خلف الدواير ويعمل في العولة هولة ويكب الشايب على الفولة ويعمل في برنوس العزوزة دينار – في فورار يلفحو لشجار ويتزاوجوا لطيار ويستوي الليل والنهار – فورار معدن الريح والأمطار – مطر مارس ذهب خالص – إلا رعدت في مارس هي الخيل علاش تدرس – شمس أبريل تنشف الماء في البير – الله يحفظنا من شمس أبريل ولو ساعة – وقفة من وقفات أبريل وإلا رعذه من رعدات ميو – الله ينجينا من جراد مارس وشمس أبريل ومن ريح ميو – اسئل على أكتوبر وين بزّع ماه – دوجمبر كول وقمبر )
Quant au horaires, ils sont fixés en se référant au déroulement naturel de la journée ( الفجر – الزروق – الضحوة – نصف النهار – العصر – التماسي – المغرب – العشاء – نصف الليل ) avec des insistances qui indiquent qu’on est bien dans telle ou telle heure ( الصباح صبّح – النهار قايلة – العشية عشت – الليل ليّل...) La durée n’est perçue donc que par référence à des événements réels et non pas à des calculs. Les paysans observent le déplacement des astres et des étoiles dans le cosmos pour prédire des phénomènes météorologiques comme le prouvent les dictons suivants: ( سعد البلدة ريحو يضرب الكبدة – سعد الذابح لا نار تصبح لكلب ينبح – سعد سعود يجري الماء في العود سعد سعود مشت تمخض كلاها قعود – سعد البوله السماء تدفع والارض تبلع – سعد الخوبية حتى حاجة ما تبقى مخبية – بطن الحوت اسقيني وإلا نموت) .


Fêtes et pratiques rituelles :


Les grands moments festifs agraires sont des fêtes qui rappellent la pentecôte biblique( راس العام العجمي – عاشوراء – ميو - العنصله ), l’année agricole pouvant comportées d’autres moments de jovialité, d’exubérance, de convivialités et d’entre aides tels que ( التويزة – الزردة – خرجة باركلو – العولة – المعونة ) .Les rites de processions paysannes sont ( صلاة الاستسقاء – أمك طنقو – القايمة – بوغنجاية ).

Propos tirés du rapport d'évaluation du mémoire de 
Faiza MassaoudiLe calendrier agraire et ses mythes fondateurs
L’exemple de la région du Kef soutenu en 2008. 

mercredi 7 mars 2012

أم حواء*





1


وقعت حوادث قصتنا قبل صدور قانون التمسك بقرون (...والمرغوب من حضرتكم إخلاء الجنة في ظرف 48 ساعة وليست دعواكم من أن (من واجب الملاك وضع حاجز بين كرمة سكناكم وسانية التفاح) من الوجاهة في شيء، وكان من واجبكم أن لا تمسوا رزق غيركم بسوء. أما وقد فعلتم وشهد الشهود ممن يستثاق بشهادته أنهم رأوكم وأنتم تسرقون الغلال ليلا النيّ منها والناضج بمعونة أفعى، فقد حكمت المحكمة بأن تخلوا الكرمة كما وجدتموها يوم سكناكم من الأجل المذكور أعلاه).
تنبيه: أرسلت نسخة إلى جارتكم (أم حواء) وابنتها لوقوعهما في مثل ما وقعتم فيه.
(المسجل: عزرائيل)
وقع هذا الإعلام في يد آدم وقوع الصاعقة، فهو حديث عهد بالحياة وهو في حيرة من أمره. أين يذهب بعد مضي الأجل المضروب؟ أين يسكن؟ ولكن بيوت الحارة عامرة ! لم يبق أمامه إلا أن ينزل إلى الأرض. نعم ! لما لا؟ أليست الأرض أوسع بكثير من عدن المرصوصة بالملائكة رصّا، وهو لم يعد يطيق معاشرتهم بعد ما شهر أمر سرقته للغلال؟ نعم. قد حلت الهجرة إلى الأرض حيث لا يعرفون عنه شيئا، إلى الأرض مأوى الجُناة أمثاله.
بينما هو في تأملاته إذ بباب الكرمة يطرق خفيفا. من يكون الطارق يا ترى؟ أهو محضر آخر أتى ببطاقة أخرى؟ أم هم أعوان الشرطة الزبانية أتوا لإخراجه بالقوة؟
وجم آدم لحراجة موقفه ذاك. وأخيرا بعد أن شجع نفسه بكوب (كوثر) ممزوج بقليل من الماء، تقدم وفتح المزلاج، وإذ بالطارق ابنة جارته وشريكته في الجناية تدخل عليه وهي منقبضة النفس تحمل في يدها جريدة (صباح الجنة) وهي الجريدة اليومية الوحيدة التي كانت تطبع إذاك في (عدن).
أخذ الجريدة بدون أن يفوه بكلمة، وبدون أن يرد سلام جارته اللطيفة. أجال فيها نظراته الملتهبة. وفي الصفحة الثانية تحت إعلانات (سيارات فردوس) في المكان المخصّص في الجريدة لقضايا البوليس الملائكي، قرأ آدم ما يلي تحت عنوان (سرقة):
"حُكم أمس على المسمى آدم، القاطن في شارع سدرة المنتهي وعلى المسماة أم حواء، وعلى حواء ابتنها، القاطنتين في نفس الشارع المتهمتين بسرقة سانية التفاح الواقعة في شرق الشارع نفسه".
وإليك محضر الجلسة بقلم ناقدنا القاضي جبرائيل:
"ما جاءت الساعة التاسعة صباحا حتى غصت قاعة الجلسة بالمتفرجين ونقاد المحاكم والمحامين الذين حضروا لسماع قضية هي الأولى من نوعها، وهي محاكمة المتهمين بالسرقة وهم: آدم وأم حواء وحواء ابنتها".
"والسرقة هي لفظة حديثة وضعها المجتمع العلمي لهذه الجناية ومعناها هو أخذ ما لغيرك بدون رضاه أو بدون علمه. ولا شكّ أن كل سكان الجنان يجهلون (السرقة) ومعناها قبل حدوث هذه الجناية".
"افتتحت الجلسة بتلاوة تقرير الاتهام ثم بسؤال آدم وشريكته فأقروا إلا أم حواء.
أم حواء: أنا لم أسرق شيئا.
الرئيس (اسرافيل): ولكنك أقررت في البحث أنك أكلت معهم ما سرقوه.
أم حواء: نعم، أكلت ما أهدوه لي، أما السرقة، فإني بريئة منها يا حضرة الرئيس.
المدعي العمومي (جبريل): أكلت ما سرقوه، إذن لقد شاركتهم في السرقة.
أم حواء: أنا لم أسرق ما دمت لم أمدد يدي إلى الشجرة.
الرئيس: كانت الأفعى تمد عنقها وتقطف لك التفاح بالنيابة.
(ضحك في القاعة).
الرئيس: وأنت يا آدم، ماذا تقول؟
آدم: أنا...أكلت، ولكن بإغراء حواء، وأمها والأفعى. لم أدر أنها سرقة !
المدعي العمومي: ... ولم تطالع مناشير البلدية في تحذير العموم من أكل كل غلة التفاح، وهو كما أعلنت البلدية في تقريرها الطبي يورث مرض..الغائط.
آدم: نعم كان على البلدية أن تضع حاجزا حول سانيتها المسمومة !
المدعي العمومي: هذا شيء آخر. ولكن أنت يا حواء ماذا تقولين.
فتجهش حواء بالبكاء، وترمي برأسها على صدر آدم، مما دفع كل الحضور إلى الضحك والسخرية من بكاء حواء، إذ كانوا يجهلون البكاء، حتى تلك اللحظة. وهكذا حكمت الجلسة بطرد ثلاثتهم من منازلهم بعد مضي 48 ساعة.
ألقى آدم الجريدة من يده بانفعال، ثم قال لحواء:
- أترين ما أوقعتني فيه من حيرة في أمري ومن سخرية !! أين أذهب؟
- أجهشت حواء بالبكاء، وارتمت على صدر آدم، فدفعها عنه.
- لا تعيدي بالله تمثيل هذا الدور البارد كلما ألقي عليك سؤال. ماذا يفيد بالله إبراز هذا الماء من عينيك؟ أين أذهب؟ قلت لك !
- إلى الأرض، يا آدم.
(قالت ذلك وهي ترفع عينيها المخضلتين بالدمع)
- الأرض ! أو تقدرين ما هي الأرض؟
- إنها ملأى بالتفاح !
- بالتفاح ! وأين نذهب عندما نأكله ويطردوننا من الأرض؟
قال هذا والشرر يكاد يتطاير من عينيه. ثم انطوى على نفسه.
وقال: وجع يقطع أمعائي. هذا من جراء تفاحك يا غادرة !
- وأنا أيضا يا آدم ! سنستأنس بهذا، إنهم يسمونه مرض الغائط كما قال القاضي. ولكن لا يجب أن نفعل شيئا في الجنة إلا إذا...
- يا خائنة ! هنا في الجنة؟ أتريدين أن نعمل مخالفة جديدة؟ ومن هذا النوع القذر يا خائنة؟ إن هذا المرض قد أصابنا جزاء على جريمتك الأولى. وقد طُردنا. هذا جزاء من يستمع إلى أقوال النساء ! إنهن لا يستحين ولا ينبت على وجوههن شعر، أمثالك.
أجهشت بالبكاء، وكالعادة ألقت برأسها على صدر آدم، وانحصرت فيه حتى كادت تدخل في ضلعته المعوجّة. فلان لها قلبه، وجعل يلحس دمعها عن جفونها، والدمع يغلبها، ويفيض على وجنتيها، فيلحسه عن وجنتيها الملتهبة بلسانه، وقد نزلت على وجنتيها دمعة كبيرة. ثم سقطت على شفتيها القرمزيتين. فمسح هذه الدمعة بشفتيه، ومع أنه قد تطعّم ملوحة هذا الماء، فقد استعذبه. وما التصقت الأربع شفاه حتى أحس أن المسكينة حواء قد ارتخت بين يديه، وكانت هذه أول قبلة وآخر قبلة في الجنة.

2




كانت نجوم السماء تلمع لمعانا أعجب آدم كل الإعجاب إذ هو لم يعهد النجوم في الجنة. ولم ير آدم نجوما ولا ظلاما قبل اليوم، ولم يكن ثمة ليل مظلم في الجنة. كانت الجنة كلها نورا. ولقد طرب آدم لظلام الليل في الجنة كل الطرب. ولقد أعجبته هذه النجوم التي تشبه دموع حواء، والبدر !! إنه ليشبه تلك الدمعة اللامعة على شفتي حواء، وكأنه تذكر القبلة، لأنه قام من مرقده وأخذ يفتش عن حواء برفق حتى لا تستيقظ أمها اللعينة. وأخيرا عثر عليها جالسة خلف "العشّة" التي ابتناها لها آدم في صباح ذلك اليوم. اقترب منها آدم ثم جذبها من يدها قائلا:
- ما تنظرين؟
- تلك البقع البيضاء حول تلك الدائرة المشرقة، أنا لم أرها قبل اليوم. كانت الجنة مضاءة ليلا نهارا بطريقة حادة. فما لدنيا تغير حالها بعد ساعات؟ لقد كان منذ ست ساعات قرص آخر يضيء الكون (؟؟) فما بال ذلك القرص المضيء قد ذهب وحلّ محله هذا الذي – وإن كان جميلا- لكنه لا يضيء كالآخر.
- أي نعم، حواء، أنا في حيرة وفي خوف إذ لو دام هذا عوض الآخر لما أمكن لي أن أبتني عندما استيقظ غدا كوخا آخر لي.
- أستبني كوخا لك ! وهذا كوخنا لو أحببت أن تسكن معنا.
- حواء ! أتذكرين يوم خروجنا...
- أي نعم، آدم.
- يوم أن مسحت لك قطرات الماء النازلة من عينيك.
- أي نعم، آدم، أذكر...
- هلاّ أنزلت شيئا منها الآن لأمسحه لك؟
- هي نازلة الآن فامسحها (بخبث).
- إنني لا أراها.
- النور لا يكفي الآن لرؤيتها. ولكن أحسها هنا (وهي تضع يدها على شفتها السفلى).
كان آدم يعلم أنها تكذب. ولكنه لم يرد أن يبخسها فأخذ يلحس شفتها بلسانه، وكأنه وجد لذة في لحسه شفتها فأخذ يمتصها مصّا، وكانت هي بدورها ترد له الفعل بمثله، وهي متكئة على مرفق يدها. وكانت يده تحت عنقها. أزاح آدم رأسه لكي لا يمنع نور البدر الضئيل أن ينير وجهها فوجده أجمل مما كان عليه نهارا. قال – وهو لا ينظر إلا لشفتيها وأنفها الاقنى الجذاب وعينيها – كلمته الخالدة التي ما زال يرددها أحفاد أحفاد أحفاده في مثل هذا الوقت:
"آه لو دام هذا ! ...".
كانت حواء تتصنع البكاء دائما لكي يمسح آدم دموعها بلسانه، وكانت تجد لذة في إعادة العملية كلما أمكن لها ذلك.
وفي يوم كانت أم حواء تشرب الماء من "قلتة" كانت قرب بيتها، وكانت ابنتها بجانبها تسرّح شعر رأسها بأصابعها، نظرت العجوز لسطح الماء فرأت صورة وجهها المجعد لأول مرة: فلم تجده يشبه وجه ابنتها النظير في شيء ولا حتى وجه آدم، فبكت إذ ذاك العجوز المسكينة وبكت حتى فطنت ابنتها لبكائها، فما أسرع أن ذهبت تستدعي آدم الذي كان جالسا فوق ربوة جادا في سلخ جلد ضبع قتله البارحة. ونادته بصوت يذوب رقة:
- آدم ! ...أمي يسيل الماء من عينيها هيا آدم امسحه...لها.

3

تعوّد آدم سكنى الأرض وتعوّد صيد الوحوش أيضا، لكن شيئا واحدا يقلق آدم أكثر من غيره من الأشياء، هو سقوط المطر في بعض الأحيان، وهجير الشمس في أحيان أخرى، فلماذا هذا التبديل من الضد إلى الضد؟ ثم ما هذه الدمدمة التي يسمعها كلما أمطرته السماء بوابلها أو طلها؟ إنه لا يشبه هدير الجمل ولا أصوات الحيوانات الأخرى...من تراه يعبث لإقلاق الناس بهذا الصوت؟..
وكلما تصوّر آدم صاحب الصوت تراه يجري نحو حواء التي يكون بالطبع في بيتها في ذلك الحين.
علي الدعاجي، سهرت منه الليالي، سراس للنشر، تونس 1996، ص ص 89 - 95. تحمل الأقصوصة عنوان ثاني هو "نهاية أعزب" .

samedi 3 mars 2012

المحدث والقديم*


ثنائي غامض وملتبس




لئن توفرت جل الحضارات على ما يتماهى مع الثنائي المعروف "قديم ومحدث"، فإن حقيقة تمثّل ذلك الثنائي على الشاكلة التي نتعقلها حاضرا قد اتصلت واقعيا وبشكل لافت بتاريخ الغرب. فخلال الفترة السابقة للثورة الصناعية، تلك التي امتدت من القرن الخامس إلى القرن التاسع عشر أحال هذا الثنائي على تعارض ذي مدلول ثقافي برز بإلحاح منذ موفى القرون الوسطى، متواصلا على امتداد عصر الأنوار، على أن يتحول مع بروز مفهوم الحداثة عند أواسط القرن التاسع عشر إلى رد فعل ثقافي لم يخل في أحايين كثيرة من اللّبس، تم الاعتماد عليه في مواجهة التجاوزات أو السلبيات المترتبة على الطفرة الصناعية. تعمّم ذلك المدلول بين مختلف الأوساط الاجتماعية غربا طوال النصف الثاني من القرن العشرين، متمكّنا لاحقا وبعد تصفية الاستعمار من تجاوز المجال الغربي ليشمل ما وسم بالعالم الثالث من خلال انتشار فكرة التحديث المترتبة أصلا على الاحتكاك بالغرب.
نحن نعرف أن واقع التعارض بين القديم والمحدث قد نمى ضمن سياق ملتبس ومعقد في آن. فهاتان اللفظتان أو هذين المفهومين لم يكونا متعارضان فى مدلولهما مع معاني تتشابه معهما أو تقترب منهما: فغالبا ما أحال القديم على واقعة بعيدة تكونت لها بالتقادم علاقة متينة بالعرف أو التقليد، في حين أن المحدث كثيرا ما تناظر في مدلوله اللغوي مع قريب الوقائع وجديد الأحداث. كما أن كلتا اللفظتين قد ارتبط تطور استعمالهما بالعديد من المعاني، بعضها حمل شحنة إيجابية والآخر وُسم على عكس ذلك بميسم سلبي.
والمضنون بعد هذا أن لفظة محدث قد أحالت في اللغة اللاتينية المرتبطة بمرحلة العصور الوسطى المتأخرة بشكل مباشر على قريب الوقائع وجديد الأحداث، في حين أن كلمة قديم قد اتصلت من جانبها بما جد في الماضي، مرتبطة بشكل حصري وفي أذهان الغربيين مع حلول القرن السادس عشر بمدلول "العصور القديمة antiquité"، الذي سحب على مرحلة ما قبل انتشار المسيحية في العالم الإغريقي الروماني، تلك المرحلة التي امتدت على طول القرون الوسطى المتقدمة، متّسمة بتراجع الأوضاع الاقتصادية والديمغرافية والثقافية، مع معاينة انحسار للعبودية وامتداد للأنشطة الريفية. لذلك ما إن أنجز المتبحرون وعلى إثرهم الجامعيون غربا تقسيمهم الثلاثي لمختلف المراحل التاريخية خلال القرن السادس عشر (قديم، وسيط، حديث)، حتى تعارض ما وسم بالحديث ضمنها وعلى صعيد التمثّل الجمعي مع المرحلة الوسيطة لا مع سابقتها القديمة، تلك التي تحوّلت وعلى عكس ذلك إلى مصدر إلهام حقيقي بعد أن أُعيد استكشاف إبداعات الحضارتين اليونانية والرومانية ومكتسباتهما.
ومهما يكن من أمر فقد عاين انهيار الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الخامس الميلادي انطلاق استعمال لفظة حديث، وتم إرساء التقسيم الثلاثي للمراحل التاريخية الكبرى قديم ووسيط وحديث، ضمن التحولات الفارقة التي شهدها القرن السادس عشر، في حين عادت لتيوفيل غوتي Théophile Gautier وبودلير Baudelaire مهمة إطلاق مفهوم الحداثة بفرنسا زمن الإمبراطورية الثانية وذلك بالتوازي مع تركيز دعائم الثورة الصناعية، بينما ساهم علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسة في نشر ومناقشة فكرة التحديث في أعقاب الحرب العالمية الثانية وذلك ضمن سياق تاريخي اتسم بتصفية الاستعمار وانبثاق العالم الثالث.
إن دراسة مفهومي قديم ومحدث لا يمكن أن تتم إلا عبر تحليل مرحلة زمنية أفرزت فكرة الحداثة، منشئة في نفس الوقت، وحتى تضمن لنفسها القدرة على الحطّ من قيمة الحداثة أو على العكس من ذلك الرفع من شأوها والثناء عليها بجعلها متميزة ومتفردة ومخالفة لكل مألوف، مدلول العصور القديمة، علما أن ما كانت تأمل في حصوله من خلال وضعها موضع الصدارة أو التشديد عليها بشكل لافت هو تعزيز موقعها في الذهنيات، لا لعنها والحط من شأنها أو احتقارها.

مشاكلة الحديث : "الحديث و الجديد / الحديث والتقدّم




يفترض الجديد ولادة أو بداية ما، أخذت من منظور مسيحي الشكل المقدس للتعميد. فهي العهد الجديد والحياة الجديدة Vita Nova لدانتي Dante، تلك الحياة التي تنبعث حال العثور على المحبة.
يعني الجديد أكثر من قطيعة مع الماضي، فهو نسيان وفسخ وتغييب له في آن. ولئن تم اللعب في غضون القرن الثالث عشر على المدلول المزدوج للفظة novissimus والتي كانت تحيل على كل حادث جديد كما على طي بساط الكون، فأن لفظة novus قد حافظت على رمزيتها السحرية المتصلة بالطهر في الولادة الجديدة والخروج للتوّ. كما وجد المحدث نفسه مع حلول القرن الثالث عشر في مواجهة مع المدلول الذي حمله التقدم، لذلك فإن تعارضه مع الماضي قد احتل موقعا ضمن سياق تطوري إيجابي. غير أن ذلك المدلول وحال اتخاذه معني النعت والفعل في القرن التاسع عشر (في فعل تقدم ونعت تقدّمي) قد ساهم بلا جدال في توسيع انتشر استعمال لفظة حديث، تلك التي اتخذت ساعتها شحنة إيجابية.
وهكذا فقد وجدت لفظة حديث زمن الثورة الصناعية نفسها مطوّقة بين معنى كلمة جديد الذي لم تكن للمحدث سمة نقائه ولا شحنة براءته أيضا، وبين مضمون الحراك أو الدينامكية الذي حمله معنى لفظة تقدّمية، هذا بصرف النظر طبعا عن تعارضه الأزلي مع المدلول الذي اتخذته لفظة العصور القديمة بعد أن فقدت إبان نفس الفترة الكثير من نظارتها الأولى.
وعموما فقد ساهم عصر النهضة في تعطيل هذا الانبثاق الدوري لمدلول المحدث المتعارض مع العصور القديمة، فقد سحب على تلك العصور بشكل نهائي مدلولا يحيلها على الثقافة الوثنية الإغريقية الرومانية ويميّزها. لذلك لم يعد كل محدث ليحض بالتميّز إلا لدى تناظره مع مكتسبات العصور القديمة. وهو ما عناه فرنسوى رابلي François Rabelais تحديدا لدى احتفائه بتجديد جذوة الاهتمام بالمعارف القديمة من خلال مقولته المشهورة "الآن فقط تمكّنا من استعادة جميع المعارف والتخصصات القديمة...". مما ينجلي عن تحمّس المحدث حال تعبيره عن ذاته للقديم.
ويتعيّن أن ننتظر فترة ما قبل حصول الثورة الفرنسية بقليل حتى يتبنى عصر الأنوار فكرة التقدم دون وجل. ويضبط توكفيل Tocqueville موعد حصول ذلك التحوّل الحاسم بسنة 1780 ، حتى وإن ظهر مؤلف Turgot الذي حمل عنوان: "تأملات حول تاريخ تقدّم الفكر الإنساني" قبل ذلك بثلاثة عشريات على الأقل أي في حدود سنة 1749 على وجه التدقيق، وظهر النص البياني المعبّر بشكل قطعي عن الإيمان اللا محدود بالتقدم، ونقصد طبعا كتاب كوندورسي Condorcet "مختصر للوحة حول تقدم الفكر الإنساني"، سنوات قليلة قبل وفاته أي في حدود عام 1794. عند هذا التاريخ تحديدا تمكّن معاصرو الأنوار من تعويض فكرة الزمن الدائري التي تجعل من تفوّق القدامى على المحدثين أمرا بديهيا بفكرة التقدم الخطّي الـمُعليّة لقيمة المحدث على الدوام.
غيّرت الثورة الصناعية بشكل كلي طبيعة المواجهة بين القديم والمحدث سواء خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر أو طوال القرن العشرين. فقد برزت إبانها ثلاثة أقطاب جديدة للتطوّر والصراع، شاملة الحركات الأدبية والفنية والدينية، مُدعية التحدّر عن الحداثة أو الانتساب إليها، مما وشى بحصول نوع من التحجّر للتوجهات الحديثة التي لم يسبق لها اتخاذ مثل ذلك الشكل. كما طرح التواصل بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية خارج مجال أوروبا الغربية والولايات المتحدة من ناحيته معضلات التحديث التي أخذت اتجاه متصلّبا عند تصفية الاستعمار وذلك على إثر وضع الحرب الكونية الثانية لأوزارها.
ومع تسارع نسق التطور التاريخي ضمن المجال الثقافي الغربي برز مفهوم جديد للحداثة وسعت الإبداعات الفنية والجمالية في انتشاره، على أن يترتب على تسرّب الفكر والممارسة الحداثية داخل المجال الكاثولكي ومختلف الأوساط الغربية الخاضعة لتأثيره تحوّلا عميقا ساهم في ضمور إطار التسليم الديني واتساع الإيمان بالمعرفة، الشيء الذي أكسب المحدث دور اللبنة المحورية التي حددت إعادة تشكيل التصورات المتصلة بالاشتغال بالعلم واحترام المعرفة قبل ما سواهما. كما تعارضت الأنماط الفنية الحديثة مع جميع خصوصيات الفنون القديمة المتمسكة بالزينة الشكلية العاملة على إعطاء الابتكار سمة التحفة النخبوية التذوّق النادرة الوجود، في حين اتسم الإلهام الإبداعي في الأنماط الفنية الحديثة باقترابه من الطبيعة مجال سيطرة الخطوط الملتوية المعوجّة على حساب الامتداد الخطي المستقيم. ويتمثل الهدف من ذلك في ابتكار أعمال أو إبداعات فنية جديدة قادرة على الانغماس في تفاصيل المعاش اليومي بغرض تحطيم الحواجز بين الفنون الموسومة بالأساسية، وتلك التي تم اعتبارها فنونا ثانوية بغية تجاوز الاقتصار على النخب واكتساب مواصفات اجتماعية تُسعف في توثيق الصلة بعامة الناس بشكل عملي مباشر. فبينما تمسّكت الفنون والآداب القديمة بإعلاء قيم البطولة والإبداع النادر الذي أتاه سامق الأعلام وكشفت عنه مختلف المنشآت والمعالم التي خلفوها، استلهم الفكر الحديث مختلف مبتكراته وعلى نقيض ذلك، مما اعتبر وضيعا نظرا لاتصاله بالسائد أو باليومي.
ولئن أفضى تمركز الأوروبيين بالقارة الجديدة إلى القضاء على مختلف الحضارات الأمريكية التي سبقتهم، فإن احتكاك الامبريالية الغربية بالحضارات الأخرى لم يفض إلى تلك النتيجة الراديكالية. فقد ساهمت تصفية الاستعمار في تطوير تساؤلات النخب الحاكمة الجديدة بخصوص أحسن السبل التي تمكن من تجاوز أسباب تأخرها الذي طال العديد من الميادين؟ ولماذا تجد جميع الشعوب الفقيرة الخارجة لتوّها من التبعية نفسها إزاء واقع التناظر بين التحديث والتغريب؟ الشيء الذي أجج الصراع داخل مجتمعاتها بين أجنبية المحدث وأصولية الهوية المحلية، والتفريق في نفس الوقت وضمن تمثّلات الفاعلين بين التحديث الاجتماعي والثقافي وبين قاعدته التقنية والاقتصادية والمادية.
ويمكن ضمن الحضارات غير الغربية رصد ثلاثة أنماط لتجارب التحديث:
- تجربة التحديث المتوازن التي عاينها المجال الياباني حيث لم يترتب على الانتشار الناجح للحداثة أي تحطيم للقيم التقليدية التي نجح المجتمع في الحافظ عليها.
- تجربة التحديث المتشنج الذي طال مختلف بلدان العالم الإسلامي، والذي وإن شملت البعض من مظاهره نخب السياسة والمال، فإن محاولات تكريسه غالبا ما أفضت إلى عمليات اصطفاف أيديولوجي ومواجهة لمنظومة القيم التقليدية.
- تجربة التحديث غير المستقر ضمن نموذج العديد من بلدان إفريقيا السوداء، وهو نموذج حاول من خلال تكريس العديد من أشكال التصرّف أن يوفّق بين المحدث والقديم، لا من خلال إدخال توازنات جديدة، بل عبر اتسام الاختيارات بطابع جزئي لا يغير قديم ولا يحدث جديد.
ومهما يكن من أمر فقد تم تمثّل التحديث داخل المجال الإسلامي على أنه توجه فوقي فرضه الغزو الخارجي، لم ينبع مطلقا عن حراك الفاعلين الداخلين. لذلك كثيرا ما اخذ ذلك التحديث شكلا تغريبيا، مؤججا الخلافات ومنتجا مزيدا من الضغائن بين شعوب الغرب وشعوب الشرق. والبيّن في هذا الصدد أن مسار التحديث لم يطل تأثيره غير بعض مظاهر سطحية من الحياة المعيشة، وعدد من القطاعات الاقتصادية التصديرية دون غيرها. كما أن الفئات الميسورة وجانب من كبار أعوان الدولة هم من انخرط شكليا في سياق ذلك التأهيل الفكري والثقافي، مما زاد في سخط المدافعين عن التوجهات المغالية في الوطنية أو في "العروبة" أو في "الإسلاموية"، مُضخما من الفوارق الاجتماعية ومُعمقا مشاعر التفسخ الأخلاقي والذوبان الثقافي.
حاول الاستشراق إنجاز تحليل معمّق لبعض مظاهر تلك الأزمة التي طالت منظومة القيم الثقافية، فتبين لغوستاف فون غرونباوم Gustav von Grünbaum أن مسار التحديث قد وضع الشعوب والدول المنتسبة إلى الثقافة الإسلامية في مواجهة أساسية مع هويتها وقيمها الثقافية، بينما عثر جاك بيرك Jacques Berque ضمن لغة التخاطب العربية حاضرا عن الإطار العاكس للقطيعة بين ما هو عصري / وما يحيل على التقليد. فمن خلال دراسته للأشكال الأدبية والفنية الحديثة التي برزت في عالم عربي كان يجهل تماما مند قرن أو يزيد فنون الرسم والنحت والأدب بالمعنى الذي سحبته الحداثة على جميعها، توصّل "بيرك" إلى الكشف عن التناقضات التي تودي، وعبر مختلف مظاهر الفعل الإبداعي (المقال والرواية والموسيقى والمسرح والسينما...) إلى حصول تشنجات لافتة تؤذن في بعض الحالات بحصول تصلّب غير مسبوق للقيم الثقافية السائدة. ففي ظل مثل تلك القيم الثقافية التي لا يخلو ضمنها عاديُ الأمور من تمسّك مرضي بالتقليد، يُلحَق كل استثناء "يجرؤ على الزيغ" عن هذا الإطار، وفي متقاسم المجتمع الذهني إن بشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة، بأصول أجنبية متفسخة.
لذلك يخلص بيرك إلى أن الحداثة لا تشغل عربيا وإسلاميا دور الإبداع الحر المثوّر لقيم المجتمع، بقدر ما تحيل مضامينها على النقل أو على المثاقفة، وذلك ضمن إطار تبادلي عقيم بين مفاهيم مشدودة إلى أصالة لا تخلو من حسّية وتسطيح، وقيم خارجية منقولة دون تدبّر عن ثقافة الأخر الغربي.
على صعيد آخر حاول بودلير Baudelaire تقديم تعريفه الخاص للحداثة ضمن مقال له حمل عنوانا معبرا من وجهة النظر التي حاول الدفاع عنها هو "رسام الحياة الحديثة Le peintre de la vie moderne" نشره خلال سنة 1863 . فقد اعتبر الحداثة تجسيما "لكل ما تنجلي عنه الصيرورة التاريخية من شاعرية"، مبينا في الآن نفسه عدم خلو الطارئ والعابر، وضمن أي سياق زمني، من معنى ما للخلود. كما عمد إلى اشتقاق مدلول التقليعة أو الموضة في كلمة mode، رابطا بينها وبين لفظة حديث moderne التي طغى عليها راهنا الاعتناء بالميسم والحركة والقيافة والتغصين branché، بالإضافة إلى سجل الإشارات وشفرة فكّ دلالتها، معتبرا أن لكل مرحلة تاريخية طريقة مخصوصة في ذلك، وأنه لا يستقيم الاهتمام بالقديم إلا فيما يتعلق بما أسماه بالفن المحض، والمنطق والمنهج، أما بقية المظاهر الأخرى فيتعين الاحتفاظ بـذاكرة الحاضر وتفحّص "كل ما يشكّل روح الحياة الخارجية للزمن الراهن" بكل ما يحتاجه ذلك من تركيز وعناية. لذلك يرى "بودلير" تقليعات الموضة مؤشرا يحمل دلالة هامة فيما يتصل بالتعرّف على تطور الذوق المعبِّر عن عالم الـمُثل الذي غالبا ما يرقى وضمن الذائقة البشرية فوق جميع ما نكدّسه وفي إطار ما نعيشه يوميا من تافه التصوّرات وضئيل أو منحط الممارسات.
يتساوق هذا التصوّر الذي صيغ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع فهم "رولان بارط Roland Barthes"، في القرن العشرين - وهو ممن استهوتهم ظاهرة الموضة أيضا- للحداثة. فقد أشار لدى تعرضه إلى منجز"جيل ميشلاي Jules Michelet " المعرفي والتاريخي" أن هذا الأخير قد يكون أول كتاب الحداثة الذين لم يكن بوسعهم تقريظ مكتسباتها إلا عبر اللجوء إلى مستحيل العبارة"، مما يجعل تلك الحداثة المشتهاة نوعا من السير على الأطراف ومغامرة تنجز على الهامش، غير متفقة مع الضوابط الناظمة للتصرّفات المقبولة اجتماعيا وأخلاقيا، وهي تصرفات تحميها سلطة القديم وقداسته في آن.
هكذا تمثل الحداثة على أيامنا تتويجا لإيديولوجية التحديث، معبّرة عن فكر يتسم بعدم الاكتمال يقبل عن طواعية تسرّب الشك إليه والخضوع إلى النقد على الدوام. كما أنها نزوع باتجاه الخلق وقطيعة معلنة مع جميع التوجهات الفكرية والنظريات المستندة على التقليد الذي يجعل من القديم مرجعا ومن التصوّرات المدرسية قاعدة، لذلك يشكّل التساؤل حول طبيعة الغموض أو اللبس الذي يخترق مدلول الحداثة حاضرا فكرا وممارسة، المثال الأعلى والطموح الذي يتعين النجاح في رفعه مستقبلا قصد مزيد توضيح مدلولها المعقّد وإدراك معناها الدقيق.
* تمثل هذه العجالة ترجمة تصرّف لجانب من الأفكار الهامة التي حملها محتوى الفصل الثاني من مؤلف "جاك لوغوف" التاريخ والذاكرة:
Le Goff (Jacques), Histoire et mémoire. Paris, Gallimard 1988. Antique (ancien)/ moderne, p.59 - 103