dimanche 5 janvier 2014

جمالية القبح في "بستاردو" نجيب بلقاضي












البارحة شاهدت الشريط الحدث للموسم الثقافي التونسي الجديد "بستاردو" أو اللقيط لنجيب بلقاضي. كان ذلك مني محاولة لتدارك روتين الاحتفال بأعياد رأس السنة، وابتغاء مسالك مفارقة للتفكير بخصوص حقيقة مرحلة الانتقال، ضمن سياق اجتماعي وثقافي تونسي متشعّب ومُربك إقليميا ودوليّا.
عوّل تقريظ القبح لدى مبدع هذا العمل الروائي الجميل، على حشر المُشاهد دفعة ضمن فضاء مفارق يعيش وفق منطق اللادولة أو لا قانون. "محسن بستاردو" حضيّ "العم صالح"، شاب تونسي منكفئ على نفسه يتعيّش من الحراسة في مصنع أجنبي للأحذية، ويعيش مع رهط من الناس جمعهم الفقر والهامشية واللفظ الاجتماعي.
تنفتح أحداث الشريط على فقدان "محسن" لمصدر رزقه بعد رفضه الشهادة في حادثة سرقة موصوفة تورّطت فيها توءم روحه "مرجانة". وهو ما حشره في أتون القبح المعمّم الذي استبسل "العم صالح" زمنا طويلا في حمايته من السقوط في جحيمه.
ينساق "محسن" وراء حلم سائق التاكسي "خليفة" في الإثراء على حساب المعدومين من سكان حيّه وذلك عبر إدخال لاقط للهاتف الجوال، لم يستقم تركيزه إلا على سطح دار محسن اللقيط ! ليدخل الشريكان في صراع مع فتوّة الحي بالوراثة "أرنوبة" محضيّ "الخضراء" رفيقة درب والده المولدي. صراع لا رحمة فيه ولا هوادة لحمته التسلط على المعدومين وسداه تكديس المال واللّهث وراء فحولة مغدورة منذ الصبى وميعة الشباب.
تلعب "بنت السنقرا" التي تحمل عاهتها البغيضة وكرامة صلاحها في آن، وشما متنقلا  على فضاء جسمها اللاقِط للحشرات المنفّرة، دور الوسيط بين "البستاردو محسن" الذي فشل في منحها قلبه بعد أن استلبته منه "مرجانة"، والأسد الهصور "أرنوبة" الذي يتعيّش من مزبلة جسمها الموبوء نظير سخي المكافئة.
بين هذين العالمين يصرّ أهل الحي على تشغيل وهم عودة التواصل مع آدميّتهم الذي فصلتهم عنه سنوات ضوئية. حثالة جمعها التواكل والتسوّل والمقامرة والنشل والعربدة وبغاء المؤخرات الممتلئة، وفرّقتها عصا التعنيف المعمّم الذي لا يعرف غير معادلة الناكح أو المنكوح.
يجوس نجيب بالقاضي بعينٍ مشرطٍ في خبايا قبحنا المعمّم، ليشكّل من واقع أيامنا أمثولة يثلج الاصطدام بها الظهر منّا. زمن متحرّك للحكاية يتنقّل بين جراح للماضي لم تندمل، ولعنة لحاضر لا يكف سياطه عن الجلد المبرّح، وأحبولة لمستقبل مضحك مبكي.
تستوقفك في شريط نجيب بلقاضي مشاهد مألوفة تحيل على عوالم تحتية للهامشية، حوّلتها طرق الإعلام السيارة كونيا وصنّاع الإثارة بالتقادم إلى ما يشبه العلامة المسجلة في فيديو كليب "الراب" لدى سود "البرونكس"، أولئك الذين سرت صورة تصرفاتهم المغرقة في تقريظ الإدمان والداعية إلى مجابهة ابتسار الوجود في الاستهلاك برفض مجتمع الميّز والفوارق، كرقعة زيت بين شباب الألفية الجديدة، متحوّلة إلى ظاهرة كونية توظّف الهامشية والقبح للتعبير عن رفض النموذج المجتمعي السائد والإصداع بمناهضة الاستلاب المعمّم.
يعترضك في شريط "بستاردو" وهج الواقعية الإيطالية في أفلام Ettore Scola وخاصة شريط "الفظيع والوسخ والشريرAffreux sale et méchant  وجحيم واقع الأحياء السفلية لنيويورك في أشرطة Martin Scorsese  وخاصة فيلم عصابات نيويورك Gangs of New York وسينما المخرج السربي Emir Kusturica وخاصة رائعتهIl était une fois un pays  أو Underground
فهل هو من الصدفة أن تنتهي سنة التونسيين المنقضية باصطفافهم في معرض الكتاب لاقتناء كتاب "كلب بني الكلب" لتوفيق بن بريك وانتشار أغنية محمد أمين حمزاوي وكافون "حوماني" فيهم كالنار في الهشيم، ثم اهتبالهم تباعا بمشاهدة شريطي إبراهيم اللطيف "هز يا وز" ونجيب بالقاضي "بسطاردو"؟ هناك حالات مكاشفة تنفلت رغما عن كل رسن كساق في طبق فرح مُختلَس تدهس عن غير قصد لتؤكد نذور المأساة.
تناقضات شخصيات شريط "بستاردو" وعصابياتها المرسومة بجلاء وقبح منفّر، هي لو ندري ذات تناقضات أيام التونسيين في ألفيتهم الثالثة، وفي ثالث سنوات خروجهم من الزمن البنفسجي ودخولهم في "الزمن الأزرق".