dimanche 29 janvier 2012

شيء من الأبدية أو في مديح الديناصورات





ما الشيء الذي دفع حقيقة بشاعر حاز حظا غير قليل من الاعتراف والشهرة، وبأديب فرد خبر كيمياء الكَلَمِ، أن يُقحم نفسه على كِبَرٍ في عالم الرواية النزق المشوب بالفخاخ والمزالق؟ قد يكون لهشاشات الذات دور غير قليل في ذلك، وقد أتى على "المكابر" زمن ألفى نفسه عنده شاعرا باندساس الفناء عميقا في حقيقة الوجود وامتناع الحياة - وهي لغز الوجود على الحقيقة- عن برد اليقين.
صياد أزمنة هو، لما يستحضر بحنكة الرّواة الراسخين و"لؤمهم"أيضا، ذاكرة والده المبعثرة صورا وأوراقا ومحطات عديدة لعمر مديد ولّى وانقضى، مازجا تلك المذكرات بما عَلِقَ بذاكرة مرافق مُعَمَّدَة بصفاء اليقين. يتوسل المنصف الوهايبي بحكمة "ألفونس دي لامرتين Alphonse de Lamartine" المعروفة: "يكفي أن تفقد شخص واحد حتى ينتابك إحساس بخلاء العالم Un seul être vous manque, et tout est dépeuplé، ليرفع على غرار "أورفي"* تحدي استعادة المفقود ضمن تجاويف روايته البكر الصادرة حديثا عن دار المهى "هل كان بورقيبة يخشى حقا معيوفة بنت الضاوي؟". رحل بورقيبة مثل "سي المختار" والد المنصف الوهايبي عن عالم الشهادة والناس، فانثلم برحيلهما ركن مكين بنته سواعد تونسية تعلّقت إرادتها بالحرية فتخلّصت من ربقة الاستعمار.
حزمة من الأوراق والصور استحضر من بينها المؤلف أربعة عشر ورقة دسّها بعناية ضمن حكاية بلا مفاصل محددّة، هي إلى المتاهة أقرب من مسترسل القص أو السرد. يتنقل الراوية بين ذاكرتين، ليجسّر فراغاتها بزخم من الوقائع اختلطت ضمنها العوالم الشخصية بالشأن العام، واتصل المكرو-تاريخي بالنضال الوطني والنقابي. تزاحمت الذكريات ضمن مغامرة التفكيك والتركيب، فتلبس الماضي بالحاضر كي يستحيل ما ولّى وانقضى، وبعد أن تمكنت منه تعاويذ الراوية وأسحاره، أبدا منزوعا عن كل فناء.
هل كان "سيزاري بافز Cesare Pavese " محقّا لما أعتبر ضمن مؤلفه le métier de vivre أن قطع طريق الحياة حرفة تحتاج إلى موفور العزم وواسع الصبر؟ يبدو أن في الأمر سر دفين، وأن الأعمار ابتلاء خيوطه من سراب.
من هو سي المختار على الحقيقة، حتى يتوسل ابنه المنصف بفن الرواية، وفي مغامرة غير مأمونة العواقب، مغالبة نسيانه والاعتراف له بواسع الجميل؟ رجل هادئ غامض وَدُودٌ، ذاك الذي رافقه مؤلف الرواية لعشرات السنيين. مزارع تعيّش من أمانة الفلاحة، اختار التنقل بين القيروان وريفها القريب، واضطرته حقوق العشيرة والعشرة إلى اقتحام مواضع الوحشة والاغتراب من عاصمة دولة الاستقلال، التي كشفت له عن أسرار سعت هي إليه من حيث يدري ولا يدري، بقدر ما خرق هو حُجبها واكتوى بنيرانها.
مرت المقاومة بحوش العائلة في قلب ريف القيروان، مخلّفة ودائع وأمانات وأسرار، كابد "سي المختار"، على ما أفصحت لنا به أورقه كي يضعها بيد أصحابها. ما هو الشيء الذي دفع زعيما في حجم بورقيبة يا ترى، وهو من حلّ ضيفا على أولاد عون وأكل من شهي كسكسهم، وأعجب أيما إعجاب بوجبة الملوخية التي قدمتها له والدة المنصف وزوجة سي المختار، حتى يتنصل من وديعة زائر عائلة الوهايبي المنقطع ذكره؟ ثم ما طبيعة العلاقة التي ربطت بين "معيوفة بنت الضاوي" التي اجتهد سي المختار وِسْعه في البحث عنها، كي يسلمها الأمانة ملفوفة في كرة من الشمع، وكبار الزعماء النقابيين والوطنيين؟ ذاك لغز الرواية الذي أوشكت والدة مؤلف الرواية المصابة بمرض الخرف على كشفه، لما اعتبرت مومس الماخور "زهزة الصبية أو لفيارج" أختا لمعيوفة التي توسطت في رزمة الصور التي خلفها زوجها الزعيمين فرحات حشاد والحبيب بورقيبة. لغز تلبّس باستطرادات طويلة خاب والد المؤلف في نهي أبنه عنها، طالت ذكريات الطفولة الوديعة وشقاوة سنوات الشباب بين لهو وتحصيل. واستحضرت ما علق بذاكرته حول مدن وشخوص من الشرق والغرب كان لهم معه، وكان له معهم حظ من الرفقة والمخالطة لم يطاول على علو شأوهم الأدبي أو المعرفي تلك العلاقة التي ربطت المنصف بصديقيه الأخْيَل والأخضر.




وبعد، ليس هناك من بعد غير القيروان، وطن يسع الكون باسره، يُحب الوهايبي:"شتائها حتى وإن سحبتْ سماءُ الله رحمتهَا. ولم تمطرْ. ركامَ غيومها في الأفْق. ضوءَ القيروان. يشفّ أزرق. ثمّ أبيض. ثمّ أزرق. ثمّ أصفر. ثمّ أزرق. ثمّ أخضرَ باردا. و[يـ]حبّ حيث الوقتُ ينتظرُ الزبائنَ حزنَها المسكينَ. وهو يلوذ بـ[ـه] في حانة.... وقد "رقّ الحبيبُ"...[يـ]حبّ نساءها ينضجنَ قبل أوانهنّ القيروانيّاتُ.عطرُ بَخور مريم.إذْ شميمُ اللوز مرّا فاغما من تحت سرّتها. وإذ يدها على صدري كما في الأوبرا شدّتْ ونحن نقيس ليل القيروان بحلمة سوداءْ. يقول لي SDF اللا مشكلٌ في الموت..لا لغزٌ.. الموتَ يعرف جيّدا ماذا يريدُ..الموتُ أوضحُ ما يكونُ، المشكل الأبقى الحياةُ المشكل الأعصى الحياهْ".
يعشق الوهايبي القيروان "ويموت وراءها جزءا تلو جزء"، تماما مثل "رجاء عالم" التي غزلت من معاش سكان أم القرى خيوطا لطوق حمامها.

*
تنطوي أسطورة نزول "أورفي" إلى الأسافل في محاولة لنقض الاقدار بإعادة معشوقته إلى الحياة على بعد وجودي يطرح قضية المصير الإنساني من وجهة نظر تأملية لا تخلو من توجهات تعبدية صوفية. فعودته من مواجهة آلهة الجحيم لم يُنظر إليها من زاوية شخصيته الملهَمة المتميزة بشاعرية استثنائية فحسب، بل ومن خلال عودته من عالم الظلمة محمّلا بمعرفة كشفية جديدة غير مسبوقة لدى غيره من جمّاع الأحياء من بني البشر المنذورين إلى مصيرهم المحتوم. لذلك شدّدت تعاليم هذا التيار التأملي الديني على محورية التطهّر من نزغة اندساس الخطيئة في النسيج الاصلي الطاهر لبني البشر، وهي نزغة أغاضت الآلهة فأوصدت أمام جميع المحسوبين على ذلك الجنس أبواب السكينة المقدسة، وحكمت عليهم بالتيه في حياة الجسد البهيمية، متوسلين بالنسيان قصد الاستعاضة عن أصولهم العلوية المقدسة وربط ذواتهم بالتناسخ كعود أزلي .
ويتضمن هذا الازدواج في الأصول، إحالة على قطبين في تكوين الذات البشرية: واحد مقدس لا يتعين أن يشمله النسيان، والثاني أرعن مسلوب لشهوة الخطيئة التي تدفع به إلى العصيان والانقلاب ضد كل تنظيم.
ستجد على يسار مدينة [إله الأموات الخفي] نبع النسيان
وبحذوه ترتفع شجرة سرو
لا تحاول البتة الاقتراب من هذا النبع
سوف يعترضك نبع ثاني تتدفق مياهه الباردة من بحيرة [الذاكرة] التي يقف الحراس عند واجهتها.
قل: إنيَّ ابن الأرض والسماء ذات النجوم
أصولي مقدسة وهو ما أنتن به عالمات...
عندها مع غيرك من الأبطال ستكون لك السيادة

dimanche 22 janvier 2012

* أمومة

"يتعين أن تقتلع منّا الحياة القلوب حتى نسميها بهذا الاسم"







جميلة هي، لا بل أكثر من ذلك، هي الحياة ذاتها في رقة الفجر الساطع. لم يتهيأ لكم أن عرفتموها أو لحظت أعينكم صورة واحدة لها، غير أن جلائها بديهي، بداهة حسنها والضوء المنبعث من كتفيها في حنوها على المهد مصغية لأنفاس رضيع لم يزل كتلة لحم وردية متخلقة، إنسان صغير أقل حولا من صغار القطط ومستنبت الشجيرات.
جميلة هي من أجل هذا الحب الذي تنـزعه لتدثّر عراء وليدها. جميلة هي بقدر تجمّلها في مغالبة إعيائها
ملبية نداء صغيرها.
جميع الأمّهات يمتلكن هذا الجمال، كلهن يقوين على السمو لبلوغ تلك الحقيقة المحفوفة بألطاف خفية. جميع الأمهات يمتلكن ذلك اللطف المنساب المستفز لغيرة الخالق، لطف لن نستطيع تمثله إلا مجلّلا
بدثار ذلك الحب، واحدا أحدا مضللا بشجرة الأبد. جمال الأمهات يتجاوز بما لا نهاية أمجاد الطبيعة. جمال يفوق التصور ذاك الذي يمكن تضمينه للتعبير ابتسارا عن تلك المرأة في تحفّز إصغائها لدبيب الحركة في أعضاء الوليد. الجمال شيء لا يتحدث عنه يسوع ويَأْلف غيره اللغو حوله، في حقيقة اسمه يكمن الحب. يأتي الجمال من الحب، تماما مثلما ينبجس النهار عن سطوع الشمس المشرقة بقدرة باريها، المنبعث من إعياء امرأة أنهكها تهجدها تهدئة لروع المهدهد في حاضنة مهده.
يذهب الآباء إلى الحروب، أو يُفْضُون إلى مكاتبهم يُـمضون العقود ويتصنعون في جلد تحمل مسؤولية الاجتماع البشري وأرزائه، ذاك قدرهم وتلك أعمالهم الجليلة المُذهبة لأعمارهم. يمثل الآباء شيئا آخر غير ذواتهم الحميمة في أعين من ينجبون. يجهدون أنفسهم في تمثيل دور حماة حما الجماعة المعولين على العقول المدبّرة لمنطوق الشرع وفقه العمل والقانون.
لا تمثل الأم إزاء وليدها شيئا، هي ليست قبالته، هي تحيطه، لتحل في أعماقه أو تنتبذ موضعا خارج تلك الأعماق مجسّما للأماكن جميعها، ترفع وليدها على أطراف أناملها عاليا تزفه للحياة الأبدية. تحمل الأمّهات وزر العناية الإلهية، ذاك عشقهن وأجل اهتماماتهن، وهو مَضْيعتهن وصولجان ملكهن أيضا.
أن نكون أباء هو أن نتصنع لعب أدوارنا كآباء، أما معنى أن نكون أمهات فذاك ما لن نجلوه أبدا، ذاك شيء غامض لا يشبه في الخلق شيئا، لأنه مطلق لا يتناسب مع التشيؤ. هو تحمّل ما لا يُعقل برباطة جأش حتى من قبل من نصنفهن ضمن أفشل الأمهات. هن دائما على قاب قوسين أو أدنى من المطلق، هن في ألفة سامق ليس بوسع الآباء بلوغه في انشدادهم أزلا لتحقيق أغراضهم وملء مواقعهم والحفاظ على منازلهم. ليس للأمهات من منزلة أو من موقع، فهن يخرجن إلى الحياة في ذات الوقت الذي يضعن فيه ولدانهن، ليس لهن مثل الآباء سبق على ولدانهن، سبق تجربة أو "كوميديا" يتصنعن لعبها أبدا على مسرح المجتمع. تخطو الأمهات الزمن خطوة بخطوة مع أبنائهن. ولأن أولئك الولدان حال خروجهم للحياة يساوقون علياء الإله، فإن الأمهات مُحاطات في المشيئة بألطاف السكينة مكللات بالرضا.
ما استبق خالص الجمال غير عميق الحب، لكن من أين يجيء الحب ؟ ما مادته ؟ وما يخرق طبيعة تلك المادة ؟ يتحدر الجمال عن الحب، عن العناية، عن بسيط التواضع عن تواضع التواضع، تواضع حي منشئ لحياة حمل وديع لا يستطيع أن يقتات، لا يعرف من معانى الحياة غير دموع يمتلكها أمير مهد يحذق التأوّه متشوفا للحب البعيد بصيحات تستجلب ما نأى عنه، ليستفيق الحب مع خطوات أم ملبّية للنداء. يستفيق في أثرها الله مثبّتا أقدامها الواهنة من فرط التعب وضنى الإرهاق، تعب أيام الخلق الأوَلِ وأولى سنوات الطفولة، من هاهنا ينبعث العالم وخارج ذاك العدم.
ليس هناك من لطف أعم من لطف الأمهات اللائي أرهقتهن أحضان المهاد. يمتلك الرجال العالم ويبقى للنساء امتلاك الخلود المحتضن للعالم والرجال. تتمثل القداسة في مصادفة استكشاف الأطفال لكنوز حنو الأمومة ولطفها مع القدرة على توسيع النعمة لتعم الضرع والزرع، عظيم الكائنات كما حقيرها.
لا وجود في الحقيقة لقديسين ليس هناك غير القداسة غبطة لطف، أمومة تحتضن جميع الكائنات ومطلق الكون، أمومة هي عماد أعماق كل شيء، أمومة تتخطى مفرط التعب وتبتلع الموت مشرعة أبواب البهجة. حتى نقول عن أحد أنه قد بلغ شأو القديسين فذلك معناه ببساطة أن مسار حياته قد تفتق عن جسم عجيبا ناقل للبهجة، تماما مثل معدن جيد النقل ينقل الحرارة دون اختزانها أو يكاد، أو عندما نقف تعظيما لامرأة تقبل أن يلتهمها فرط التعب تارك لها بالكاد رمقا من العافية.
يسافر الرجال في جميع الأزمنة بعيدا، يتغربون عن بلدانهم عن طفولتهم لمصادفة أنصاف أجسادهم المكمّلة لأرواحهم. لو لم يتزوجوا غير جارتهم، فإن ما يبحثون عنه ليجدون فيه ضالتهم يقبع في أحلك زوايا أعماقهم. المرأة هي أبعد ما يوجد في العالم بالنسبة للرجل، هي القادرة بجميل لطفها أن تنـزّل في غفوة من تُحب ملائكة تخترع له ولها عشقا لم يتلألأ نوره على العالم بعد، فيذرف في لوعة ما أخذ بلبه دمعا جميلا ويستعيض بهشاشة الوجد المُعنّى عن كبريائه منافسا غيره في مطلق الجمال لا في قوة البطش.
تُرضع الأمهات صغارها حليبا مزاجه أحلام الصبى الغض، يصعّد من أعماق ألبائهن متفجرا عن نهودهن كجرح سعيد. تنبثق أحلامهن من أسرار طفولتهن لتصل شفاههن أغاني تهدهد الوليد وتحتضنه لتخترق برقتها أحاسيسه كعطر لا تذهب الأيام بشذاه.
ما تجفره الأم في اسم وليدها هو ما تدسّه بين جسمه وروحه، تماما مثلما تعمد إلى دس صرة الخزامى بين لحافين. باللقب العائلي يلتحق الطفل بعالم الأموات خلفا عن سلف، وباسمه يتصل بعالم الأحياء الرحب مجال الممكن، فينشدّ إلى مطلق الحب على شاكلة المبشرين والقديسين، أو يحتضن هشاشة الحياة كالشعراء والمغنين، وقد يصيب ثنتاهما بلطف خفيّ مبشرا من فرط الوجد مٌغنّيا، أو حواريا أصابه العشق في مقتل.

* هذا المقال عبارة عن ترجمة تصرّف لمقتطفات من الفصل الثاني لكتاب Christian Bobin
الأسافل
Le Très-Bas"

jeudi 12 janvier 2012

"Être tunisien" les "Rendez-vous de L'ATEH" au club Taher Hadded Vendredi 27 janvier 2012 à 14h 30


Rendez-vous de L'ATEH
Conférences de :


Alia Mabrouk
Chroniques tunisiennes entre histoire et écriture romanesque


Alia Mabrouk née au Kef en 1945.
Elle a fait ses classes chez les religieuses de Sion puis au lycée Carnot. Femme au foyer. Elle a deux enfants et deux petits fils.
Ses écrits :
1992
Hurlement
Nouvelle éditée par Alyssa-Editions Rééditée en 1996 par l’Entreligne.
1993
Blés de Dougga
Roman historique édité par l’Or du Temps. Réédité en 2004 par Clairefontaine.

1996
Le futur déjà là
Fiction éditée par l’Entreligne.
1998
Puissant par la gloire. Genséric roi des Vandales.
Roman historique édité par l’Entreligne.
Prix de la presse du roman historique.
2001
Sombre histoire de cellules folles.
Récit d’une expérience éditée par Alyssa Edition.
2003
L’émir et les croisés. Chronique d’Ifriqiya
Roman historique édité par Clairefontaine.
Prix le Comar d’or décerné par la COMAR.
2005
Mahdia, une vie.
Récit imagé des coutumes de Mahdia en collaboration avec madame Khadija Chleifa Hamza
Edité par Sagittaire éditions. Réédité à compte d’auteur
Prix du livre d’art féminin décerné par le CREDIF
2006
SVP
Nouvelle dans recueil « Sacrées vieilles pierres » éditée par L’Ecailler du Sud pour le festival méditerranéen du roman noir.
2007
Le roi ambigu. Roman historique édité par Demeter éditions.
2010
Les soupirs des vaincus. Chronique d’une insurrection. Tunisie 1864 paru en octobre 2010 aux éditions Demeter.
Prix du roman décerné par le CREDIF.




Brève présentation du parcours de l'historien tunisien professeur
Ahmed Jdey
عنوان المحاضرة

داوخل البلاد التونسية : خطاب الذاكرة خطاب التاريخ


Après des études primaires suivies à Haïdra et secondaires suivies aux lycées de Kasserine et Kairouan, il obtient un baccalauréat ès lettres modernes en juin 1972 au lycée Mansoura de Kairouan. Orienté vers la section d'histoire à l'Université de Tunis, il y obtient une maîtrise ès lettres en histoire moderne et contemporaine en juin 1977. Il poursuit ses études et recherches doctorales à l'Université de Nice jusqu'à l'obtention d'un doctorat d'État ès lettres en histoire moderne et contemporaine le 30 mars 1987 ; sa thèse est publiée par l'Atelier national de reproduction des thèses de Lille en 1988, sous le titre La Pensée sociale, politique et culturelle de Ben Dhiaf puis par la Fondation Temimi pour la recherche scientifique et l'information en 1996, sous le titre Ahmed Ibn Abi Dhiaf : son œuvre et sa pensée. Essai d'histoire culturelle. Celle-ci fait référence à l'historien et ministre du xixe siècle, Ibn Abi Dhiaf.
Professeur d'histoire-géographie dans les lycées secondaires de Tunisie, de 1977 à 1991, il intègre l'université en septembre 1991 et y enseigne l'histoire moderne et contemporaine, en tant que professeur d'université et directeur de recherche. Il passe tout d'abord à la faculté des lettres et des sciences humaines de Sfax (septembre 1991 à novembre 1998) puis à celle des lettres et des sciences humaines de Sousse (novembre 1998 à juillet 2010). À partir de septembre 2010, il devient chercheur permanent à l'Institut supérieur d'histoire du mouvement national dépendant de l'Université de la Manouba. Il est aussi membre des commissions de l'habilitation à diriger des recherches HDR et du doctorat en histoire à la faculté des sciences humaines et sociales de Tunis et la faculté des lettres et sciences humaines de Sousse.
Il publie deux ouvrages en français et neuf ouvrages en arabe portant surtout sur la Tunisie et le monde arabo-musulman à l'époque moderne et contemporaine. Il a par ailleurs publié une centaine d'articles et d'études dans des revues spécialisées en arabe et en français, en Tunisie (Ibla, Les Cahiers de Tunisie, Al Ithaf, Mawarid, Bulletin pédagogique de l'enseignement secondaire, Al-Hayat Ath-Thaqafiya, Revue d'histoire maghrébine, Revue arabe d'archives, de documentation et d'information, Arab Historical Review for Ottoman Studies, Rawafid et Le Maghreb uni), en France (Horizons maghrébins, Maghreb-Machrek et Mésogeios), en Turquie, au Liban (Al Mustaqbal Al Arabi), au Maroc (Al Wihda) et aux Pays-Bas.

vendredi 6 janvier 2012

* "الرأي قبل شجاعة الشجعان..."




عديدة هي المؤشرات الدالة حاضرا على أن أوضاع الجامعة التونسية ليست على ما يرام. فقد أزرى بواقعها تجاذب مقصود أخلّ بما احتفظت به من هيبة، مكرّسا مدلولا للتّدافع بشّر به زعماء حركة النهضة منذ أن فُتح أمامهم باب التعبير وممارسة الحياة السياسية. ولئن شكّلت حرية التعبير على الدوام شاغلا مهمّا داخل فضاء الجامعة، فإن رسالتها الأساسية المتمثلة في تجديد النخب القادرة على احتلال مواقع علمية تطاول ما تتوفّر عليه البلدان الراسخة في المعرفة، قد أضحى ونظرا لحقيقة الإرباك التي تعيشها موضع تساؤل.
صعبة كانت العشريتين الماضيتين، فقد حدّ التضخم الكبير لأعداد الوافدين الجدد على المؤسسات الجامعية من قدرتها على التأطير، بينما استحال على سوق الشغل استيعاب آلاف من المتخرجين، مما آذن بانحدار قيمة الشهادات وأدى بالتدرج إلى التفريط في مرفق عمومي، شكّل وإلى حد سنوات خلت أثرة من أرقى مآثر النظام الجمهوري في بلادنا.
ولعل في تواتر الإصلاحات الفوقية، وتعنّت هياكل الأشراف والقرار التي فضّلت التعامل مع أزمة الجامعة عن بُعْدٍ وبأسلوب يتصادم مع أدوارها البيداغوجية والعلمية ويفرض عليها الانخراط في توجّهات لم يكن من الصواب إرسائها قبل مراجعة أنظمة التدرّب أو المحاكاة المهنية بشكل عميق، ما يفسر حصول تراجع مخيف في المحصّلة المعرفية يدعو إلى التوجّس والريبة من قيمة التكوين، وخاصة بعد التقييمات السلبية المتّصلة بالمنظومة الجامعية في ثوبها الجديد.
فما إن ولّت نشوة أيام الثورة الأولى، وحان موعد النزول على أديم الأرض لمواجهة الحقائق عارية بالتشمير على سواعد الجد، حتى تبيّن مقدار تعقّد الأوضاع وصعوبة التدقيق في الملفات والبدء في اقتراح حلول ناجعة لها. فإذا ما استثنينا إلغاء الأمن الجامعي وإقرار مبدأ انتخاب رؤساء الجامعات، فإن سياسة الانتظار وعدم حسم الاختيارات بحثا وتدريسا، قد طبعت تصرّف وزارة ما بعد الثورة، التي أزرت بتوجهاتها انتظارية عليلة ونفاقية مخجلة. لذلك كان من الطبيعي أن تعرف العودة الجامعية الحالية صعوبات ترتب أغلبها عن خروج زمام الأوضاع من يد أصحابه، وتحيّن ضمور المباشرة الحازمة لمختلف الملفات للزجّ بالجامعة في أتون المناكفة الأيديولوجية تحت غطاء الدفاع عن حق التخفّي تحت أستار النقاب وممارسة الشعائر الدينية حال ميقاتها بتخصيص فضاء لذلك داخل كل مؤسسة عمومية.
على أن تفاعل الساحة العامة مع هذا الواقع الجديد ردا وقبولا، وتهيّب الفاعلين المدنيين والنقابيين من المحاذير المتصلة به والتي جاوزت الغضاضة الفكرية مُقدمة على تكفير الغير وتنقّص إطار التدريس والتسيير بالتجريح لفظا وفعلا، هو ما قد يدفع مستقبلا باتجاه توسيع هوة الخلاف بل وخروجه عن كل ضبط في سابقة قد تكون فاتحة تُنبئ بأن ما تشهده الجامعة هو على الحقيقة عملية دق إسفين بين مشروعين اجتماعيين متعارضين يباعد بينهما تمثّلهما لمدلول النضال المدني ولكيفية التعامل مع الحريات العامة والخاصة أيضا.
مواجهة محمومة وخطيرة في آن قد تدفع الجامعة، وهي محراب المعرفة على الحقيقة، ثمنا باهظا لفاتحة فصولها. مواجهة ينطوي الحرج المترتب عليها في توهّم انبثاقها دفعة، والحال أن ثمانينات القرن الماضي قد عاينت إرهاصاتها الأولى. فقد قُدر لجانب من عناصر نخبة مقصاة بمختلف الوسائل عن ممارسة حقوقها السياسية والمدنية أن تجد في الجامعة هامشا يتوافق مع طموحها ويسمح لها بالتعبير عن ذاتها خارج إطار وصاية الدولة- الحزب، مُتفرّغة لعملية استيعاب المعرفة ونقلها في انتظار تهيؤ الظروف الكفيلة بحصول انتقال سياسي حقيقي يفتح أفق التداول السلمي على السلطة ويضمن الحقوق المدنيّة والاجتماعية المكتسبة لجميع الشرائح والفئات. نفس تلك النُخب التي عمّرت الجامعات وواجهت بشجاعة ونكران ذات صعوبات التدريس والتأطير ومحاذير الإصلاحات المفروضة من فوق، هي التي تُكره اليوم على الدخول في مواجهة مع أجيال جديدة قُدر لها أن تُخطئ الموعد مع المستقبل بعد أن بات حظّها في الحصول على شغل، وهو مقوم أساسي للكرامة، في حساب المعدوم أو يكاد.
عند هذا المفترق نقف جميعا لفهم المأزق الحقيقي لواقع مأسوي لا يعكس النقاب والقميص والالتحاء والرياء بالشعيرة والإسراف في التكفير والتكبير غير قِنَاعته الملونة بمساحيق الشبهة والرُهاب. فالمعضلة اجتماعية بامتياز، قدرها أن تكون على تلك الشاكلة ما لم يتم الاعتراف بالطابع الهيكلي لأزمة الجامعة التونسية التي لم يعد بمقدورها أن تشتغل في كنف الاتّزان الهادئ وتؤدي رسالتها المتمثلة في إنتاج مبتكر المعرفة، مع التكفّل بضمان عملية نقلها إلى الأجيال الجديدة. هذا الالتزام الأخلاقي بلا نفعية المعرفة ومغالبة السقوط في الاجترار والتكلّس والنكوص والقبول بالمكابدة في أناة وصبر بغرض الترقّي، هي أخلاق الجامعة والجامعيين على الحقيقة، وليس الاهتبال بنضالية عرجاء لا طائل يُرجى من ورائها غير الغوغاء ونابي الملاسنات بجارح الألفاظ المجرّمة.
والمربك أن مجال المعارف الأدبية والفنية والإنسانية عموما، ذاك الذي استوعب ولزمن مديد طموح أبناء الفئات الشعبية في الترقّي بالتعويل على موفور الكفاءة قصد الالتحاق بعد تقديم جليل التضحيات بالنخبة، هو ما يشغل حاضرا بؤرة لتفاقم الأزمة، مما ينهض حجة على عمق التباين الاجتماعي بتضييق دائرة الإدماج والإسراف في تعميق الهشاشة والتهميش.
فقد تحوّل هذا المجال المعرفي إلى "عقب أخيل" منظومة التحصيل، بعد أن استُبيح بشكل عدمي كرّس أسلوب الهروب إلى الأمام، وفتح الباب أمام تصرفات مزرية تعاملت مع تلك التخصصات بوصفها مظنة للفاشلين الذين لا أمل في استيعابهم ضمن مسالك التوجيه باعتبار تواضع النتائج وضحالة التكوين. هذا التمثّل المتجنّي هو الذي استُبطان بشكل كارثي مُحبط لأصدق العزائم، وحوّل مؤسسات التكوين الجامعي إلى ما يشبه "المصبات المرخص فيها" التي لم يعد بمقدورها أن تعرض على غالبية من يؤموها سوى الاشتراك في مناظرة مخزية للالتحاق بسلك التدريس العمومي، تحوّل التقتير في نتائجها إلى ما يشبه الإمعان في التعامل المهين المزري بكرامة البشر.
تلك محصلة الانحراف بالجامعة التي تؤذن بتحويلها إلى مؤسسة منكوبة. فالمعركة الحقيقة لا تتعلق بنتائج الاصطفاف الأيديولوجي، أنّ كانت تلك النتائج. لأن الإمعان في مثل هذا التصرّف هو ما عطّل تكفّل الجامعة بأداء واجباتها على النحو الأمثل، والحال أن مشاكلها الحقيقية تتمحور حول كيفية مواجهة معضلة قلة تلاؤم التكوين مع عروض التشغيل والإسراف في مركزة القرار والتعامل بكلبية رخيصة مع المبادرات المجدّدة وضعف الاعتمادات المخصّصة لإصلاح منظومة التكوين والبحث، وهي الشروط الكفيلة بالحدّ من مهزلة "التعطيل" وانعدام ضمانات حقيقية تعيد تشغيل البئر المعطلة للمصعد الاجتماعي . وتلك ألغام يتعين الإسراع بنزعها ورفض السقوط في فخاخ التهريج المجاني وتسفيه خطط اللاعبين بالأحاسيس والأذقان. لا شيء أكثر تعطيلا لأحوال الجامعة حاضرا غير الإصرار على استبقاء التعامل الشعبوي معها بقطع جانب غير قليل من المقبلين على التحصيل عن كل أفق واقعي ملموس في الحصول على شغل، وتعريضهم بعد بذل الوقت والجهد والمال إلى هدر الكرامة والقبض على السراب. ألا يستحق وضع على ما وصّفنا الإسراع بإيقاف النزيف بالكفّ عن التعامل مع المشاكل بذات الأساليب العقيمة؟
ما لم نُقدم على إرساء مبدأ المراوحة بين البحث والتدريس، عامدين إلى تفريغ الجامعيين وفق عقود مضبوطة مكفولة النتائج، ومقتصرين في تدريس المعارف الأدبية والإنسانية على قسم من المؤسسات دون الآخر، في انتظار مراجعة التكوين في العمق بالشكل الذي يتيح توجيها حقيقيا للطلبة الجدد، فإن النتائج السلبية لسياسة القفز على المشاكل والإمعان في إضاعة المال العام هي ما سيواجهنا بشكل منظور. فليس من بدّ، إذا ما صدقت العزائم، على المصارحة وربط الحق في التشغيل بتحصيل الكفاءة، والنأي بالجامعة عن كل معالجة تجافي مجابهة الأخطاء ولا تحترم مبدأ المساواة في المواطنة حفظا لكرامة الجميع.

* طالع قصيد معروف للمتنبي "الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحلّ الثاني" ومعناه في شرح الواحدي أن العقل مقدم على الشجاعة، فإن الشجاعة إذا لم تصدر على عقل أتت على صاحبها فأهلكته.