mercredi 5 août 2015

صناعة الخبر ومدلول المجال والمجتمع والذاكرة: ملاحظات حول "مؤنس" ابن أبي دينار و"نزهة" الإفراني


















        يرتبط موضوع هذه العروض بصناعة الخبر مغربا خلال الفترة الحديثة. وينخرط ضمن توجه يرمي إلى تطوير التفكير حول الإشكاليات التي يطرحها التاريخ الثقافي المقارن،[1] من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية:
لماذا تحوّل العرب بعد القرن الرابع عشر عن كتابة التاريخ الكوني على شاكلة ما أنجزه الطبري وابن كثير والمسعودي مثلا إلى الاقتصار على كتابة التاريخ المحلي ؟ وما الذي دفع بمؤلفي أخبار مجال المغارب خلال الفترة الحديثة إلى الإقلاع على هذا التقليد والاستعاضة عنه بنقل تواريخ السلالات الحاكمة لمركزيات المغارب الناشئة والتعريف بالمجالات التي عادت إليها مسؤولية تصريف أوضاعها؟ ثم ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الكيانات الترابية، وفقا لما قدره واضعو هذا النوع من الأخبار؟
تم تركيز الاختيار على تونس والمغرب اعتبارا لتوفرنا على مجموعة من المؤلفات المفردة أو "المونوغرافيات" التاريخية المحليّة، على غرار ما خلفه تونسيا، كل من ابن أبي دينار والوزير السراج، وحمودة بن عبد العزيز، وابن أبي الضياف، ومغربيا أبي فارس الفشتالي وأحمد بن القاضي، ومحمد الصغير الإفراني، ومحمد بن خالد الناصري.
سنكتفي ضمن هذا العرض المعياري برصد التقاطعات التي تحيل على سيرتي محمد الصغير الإفراني (ت 1649) ومحمد بن أبي القاسم الرعيني المشهور بابن أبي دينار (ت9 169)، والتدقيق في المنهجية المتبعة من قبلهما في استعراض أخبار العثمانيين تونسيا والسعديين مغربيا وذلك ضمن أثريهما المشهورين "المؤنس" و"النزهة"[2].   
لذلك يمكن اختزال توجهاتنا بخصوص هذا العرض في الأسئلة التالية: 
-  لماذا تراجع العرب عن كتابة التاريخ الكوني بعد القرن الرابع عشر؟
-  ما هي المقاربة الجديدة التي وظفها الإخباريون مغربا ؟ 
-  وما أوجه التشابه والاختلاف في صناعتهم للسياقات الزمنية التي تصدروا لتوليف أخبارها؟
صناعة الخبر والإرث الخلدوني:
سنحاول ضمن هذا العنصر المتصل بالمنهج الكشف عن مدى مسايرة خطط الإخباريين المقصودين بالمعايرة أو انقلابها على الأساليب المتبعة من قبل مؤلفي مصنفات التاريخ المسلمين فيما يتعلق بكيفية نقل الخبر التاريخي وروايته، وذلك بالتعويل على الأنموذج المعياري الذي مثلته التجربة الخلدونية في الكتابة التاريخية.
يحيل "تاريخ العبر..."، الذي لم يستوف ابن خلدون تحريره إلا في نهاية القرن الرابع عشر على توجه في الكتابة التاريخية لم يقطع مع أفق الحكاية أو الرواية الوعظية التي أطرت صناعة التاريخ لدى الإخباريين المسلمين، وهي رؤية كان سندها الأساسي الذاكرة لا الكتاب. ولئن استفادت تلك الرؤية كثيرا من المكاسب التي تحقّقت في الفترة المتراوحة بين القرن التاسع والقرن الرابع عشر الميلادي والمتمثلة في إخضاع الأخبار إلى الترتيب الزمني مع إثراء ذلك بالبحث عن دقة التدوين وصحة الرواية، ومراكمة المواضيع كالقصص والسير وطبقات الفاعلين في الحياة الدينية والأدبية والثقافية وأخبار الساسة كالخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء، دعما لوحدة الأمة وتجانس مختلف مركباتها، فإن اكتمال تلك الرؤية المنهجية قد ترتب على إدخال ابن خلدون لتميزين في تعريفه للتاريخ، يفرق الأول بين الظاهر والباطن ويفصل الثاني بين الخاص والعام.[3]
فإزاء تعدّد "الفتن" التي أدت إلى "انقلاب أحوال المغرب" وباعتباره شاهدا على اختفاء عالم وظهور عالم آخر، حدّد ابن خلدون مهمته في "تدوين أحوال الناس" ونقل صورة عنها للأجيال القادمة، تماما مثلما قام بذلك سابقوه في هذه الصناعة من مؤرخي القرن الرابع ونهاية القرن الثالث الهجريين / 9-10 م، كالطبري والمسعودي مع احتواء تلك الصورة على عناصر مغايرة تتصل بتركيبة الخبر وبنائه.
فبينما يتقصّى التركيب محورة الخبر حول الأمم الغالبة، منطلقا من العرب والبربر ومنتهيا ببقية الأمم التي تضمّن المؤلف جوانب من أخبارها، تعقّبت بنية الكتاب ثلاثة أبعاد رئيسية هي الأنساب المستلهمة من بنية القبيلة العربية، والأحوال ومواطن العيش التي تنفتح على الوسط الطبيعي والمُلْكُ الذي شكل عنصرا محددا في الحراك الاجتماعي باعتباره مصدرا للجاه الأكبر الذي يعبئ الناس، دافعا بهم إلى الانتقال من البداوة إلى الحضر.
نستطيع القول إذا، أنه عوض أن يقيم ابن خلدون قطيعة مع التراث السابق فقد وسّع من أفق نقله للأخبار من خلال التساؤل عن الكيفية التي تضمن مراقبة "أحوال الناس"، التي غالبا ما احتفظ بها المجتمع في وعيه الجماعي بالتواتر أو من خلال الرواية الشفوية، والبحث عمّا يؤسس الحقيقة من داخل تلك "الكتلة الحيّة"، ومقارنة الخطاب الذي ينتجه المجتمع حول نفسه بكل تلقائية مع خطاب جديد يُفترض تميّزه بمستوى أكبر من الصدق والعمق.
فاغلب الأمثلة المتصلة بهذه المواضيع تشدّد على ضرورة إتباع تصرفات النبي والسلف الصالح والاستئناس بأخبار عهود الخلافة الراشدة ودولتي الأمويين والعباسيين، وذلك إلى حدّ تحوّل تلك الأخبار إلى إطار معياري يتسم بقداسة خاصة لدى جمّاع المغاربة، مشكّلا نوعا من الموروث الموحِّد للأمة نعته صاحب المقدمة بـ"تاريخ صدر الإسلام والدولتين".
ويدخل تضمين ابن خلدون لأخبار هذا الموروث، التي لا تخلو من التلفيق، ضمن تصوّر منهجي انتهى إليه بعد استقراره النهائي بالقاهرة يصبو بشكل واضح إلى الانخراط في "مطلق التاريخ" أو في "التاريخ الكوني l’histoire universelle". فحتى وإن لم تعمل خطته الأصلية إبان تحرير "العبر" بقصر ابن سلامة على الوصول إلى نفس الأهداف،  فقد كان ابن خلدون على يقين من أن مجال التجديد في العالم قد فارق حضارة العرب بعد أن دخلت تلك الحضارة مرحلة الانحدار والتراجع، لذلك حاول تشخيص الخلل وتحديد الأسباب التي ساهمت في انقلاب الأوضاع وتوضيح طبيعة الآليات التي أدت إلى تلك التغيرات من خلال حوصلة أحداث الماضي واستنتاج "العبر" منها. [4]
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح عند هذا الحد هو التعرّف على مدى تأثير مختلف التوجهات المنهجية التي بلغت أوجها على أيام ابن خلدون على طريقة ترتيب كلا الإخباريين المقصودين بالمعايرة لمختلف الأخبار التي استجلباها ضمن مؤلفيهما، والتوقف عند جوانب من سيرتهما الشخصية لتوضيح السياقات التي حدّدت طبيعة المشاغل التاريخية التي اقترحها على قرائهما.    
سير متوازية:
 ليس من السهل الخوض في التقاطيع المميزة لسيرة كلا الإخباريين، اعتبارا لشحّ المعطيات المتصلة بذلك، ولصعوبة الحصول على توضيحات دقيقة بخصوص مسيرة تحصليهما وتحديد كيفية ارتقائهما في سلم وجاهة العلم أو القلم.  
فقد عرف عن والد محمد بن أبي القاسم الرعيني المعروف بابن أبي دينار القيرواني الاشتغال بالفقه، وإن لم يبلغ من الشهرة ما يبوء سيرته بأن تذكر ضمن مجامع الطبقات، لولا ما نسبه له ابنه بخصوص وضعه لرسالة في أختام البخاري، وهي أختام شكلت تقليدا دأبت عليه نخب العلم بمسقط رأسه القيروان. [5]
تلقى ابن أبي دينار الذي لا نعرف لها تاريخ ميلاد محدد عن أبيه تكونه الأول في القراءة والكتابة، وتتلمذ لعدد من علماء القيروان في عصره، على أن ينتقل إلى تونس ليحضر دروس جامع الزيتونة ومدارسها. ويتتلمذ للأخوين أحمد وإبراهيم ابني محمد فتاتة شيخ الإفتاء المالكي.
ولا يمكننا التعرف بدقة على الخطط التي تقلب فيها مخبرنا، حتى وإن كنّا متأكدين من توليه القضاء بكل من سوسة والقيروان أيام مراد الثاني (1666 – 1675م)، الذي كانت له صلة به وبابنه علي (ت 1686م)، حيث مدحهما بأشعار نقل البعض منها ضمن تاريخ المؤنس. لذلك يمكن الجزم بأن لابن أبي دينار إلمام بالفقه ومعرفة بنظم الشعر مع اطلاع على الأدب، فنقوله الشعرية والنثرية تدل على جانب محترم من الباع والمشاركة. رُزي ابن أبي دينار بفقدان أحد أبنائه وانكفأ بعد ذلك لمواساة نفسه بالاشتغال بتحرير الأخبار والحرص على نقلها. كما أننا لا نعرف على وجه الدقة سنة وفاته، حتى وإن ربطها مترجموه بما بعد سنة 1681 م لموافقتها انتهاء أخبار كتابه المؤنس. على أن صاحب شجرة النور الزكية في طبقات المالكية محمد مخلوف هو من أشار وحده إلى أن ما ورد من معلومات ضمن عدد من المصادر يدعونا إلى تأخير ذلك الحدث إلى ما بعد  1699 م. فالوزير السراج الذي كان يسميه "أبا دينار" قد نسب إليه قصائد نُظمت بين سنوات 1681 - 1699. كما نقل له أبيات كتبت على شاهد قبر علي باي المتوفى سنة 1686م وكذلك قصيدة في مدح أخيه محمد (1675-1696)، نظمها بمناسبة إتمام هذا الأخير انجاز عدد من المنشآت المائية وذلك في حدود سنة 1690 - 1691م، فضلا عن نصوص شعرية أخرى في مدح الباي رمضان ( 1697 -  1699م) بمناسبة حصوله على فرمان التولية سنة  1697م وحفل ختان أخويه سنة 1698 - 1699م.
وضع ابن أبي دينار العديد من المصنفات التي لم يصلنا من بينها سوى عنوانين هما: المؤنس و"هداية المتعلم في أدب التعلّم"، وهو عبارة عن مجموعة من الشواهد الأدبية نظمها المؤلف في مناسبات متعدّدة لا يخلو استعراضها من فائدة، كتحديد زمن دخول بعض العادات جديدة وانتشارها بين الناس على غرار تناول القهوة في الأماكن العامة والإقبال على تدخين التبغ الذي انتشار خلال النصف الأول من القرن السابع عشر. كما ألف ابن أبي دينار كتابا في الصداقة يحمل عنوان "رضاب العقيق في الروض الأنيق في مجاراة الأخوان وأحوال الصاحب والصديق"، وخلّف رسالة شعرية تتصل بمراسم تلاوة "كتاب الشفاء" للقاضي عياض اليحصبي (ت 1149م) عنوانها "تخليص ذوي المودّة والصفاء لختم أواخر الشفاء"، وهما أثران لا يُعرَفان إلا بذكر المؤلف لهما، على أن يبقى كتاب المؤنس أهم آثره وأكثرها شهرة.
أما بخصوص تقاطيع سيرة أبي عبد الله محمد الصغير الإفراني المراكشي فتحسن الإشارة إلى أنه قد عاش مخضرما بين القرنين السابع والثامن عشر(1669 - 1749). وتعود نسبة الإفراني أو اليفراني أو الوفراني إلى "إفران" القبيلة السوسية التي استقرت بحوض درعة. فقد ولد أبو عبد الله محمد بن الحاج محمد بن عبد الله الإفراني المكنى بالصغير بمراكش حوالي سنة 1669 - 1670م ودرس بمسقط رأسه ثم رحل إلى فاس لاستكمال التحصيل بجامع القرويين والتتلمذ على يد عبد الحي الحلبي ومحمد بن عبد الرحمان بن عبد القادر الفاسي[6].وإذا ما نظرنا إلى خصوصيات السياق التاريخي لهذه الفترة من زاوية واقع الأوضاع المغربية، يمكن القول بأن الإفراني قد عاش مثل رصيفه التونسي فترة مخاضٍ عسير، شهدت إرساء سلالة جديدة ودولة مركزية مهابة، حاولَ السلطان إسماعيل (1672- 1727) وأخوه السلطان الرشيد (1666 - 1672)، من قبله، بناءها على أنقاض كيانات إقليمية كان لبعضها سلطة دينية واجتماعية، على غرار الزاوية الدلائية، التي عمد سلاطين الدولة العلوية الجديدة إلى تهديمها وفرض مراقبة لصيقة على شيوخها من خلال إجبارهم على العيش في مدينة فاس[7] .
عاصر الإفراني عهد السلطان إسماعيل الذي لم يكن الوضع على أيامه يحتمل أي غموض وخاصة فيما يتصل بالتعبير عن مطلق الولاء، لذلك كان من الضروري التخلي عن أي تموضع سياسي يذكّر بماضي هيمنة المجموعات القبلية الممانعة عن السلطة أو بأشكال مراجعة الطرق والزوايا للسلطة أو الاحتساب علنا ضدها. فقد أولى السلطان إسماعيل مسألة مركزية السلطة عناية بالغة، قاطعا مع واقع التمزّق وتزايد الأطماع الأجنبية الذي عاشه المغرب الأقصى قبل اعتلائه مقاليد الحكم. لذلك اتسمت تصرفاته بشدة الصرامة مع مراجعيه على غرار ما تشي به مراسلاته للحسن اليوسي (ت 1699) فضلا عن تصفيته الجسدية للقاضي عبد السلام الجاسوس وإجباره للعديد من الفقهاء ورجال القلم للرحيل قصد الاستقرار ببلاد المشرق[8].  
ويرجّح العارفون بسيرة الإفراني أنه قد انتسب إلى حاشية السلطان إسماعيل، مستندين في ذلك إلى تدوينه لكتاب "الظل الوريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف" أو "روضة التعريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف" الذي انتهي من تحريره سنة 1726م[9]. أما مؤلف "صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر" فيعود الانتهاء من تأليفه وفقا للترجمة التي أفردتها له مناقب الدلائيين لسليمان الحوات الموضوع خلال القرن التاسع عشر إلى سنة 1725م[10].
وتفرّغ الإفراني في الأثناء إلى وضع عدد من الكتب لم يصلنا إلا بعضها، على غرار "درة الحجال في مآثر سبعة رجال"، و"المُعرب في أخبار المغرب"، في حين استوفى "نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحادي" و"طلعة المشتري في ثبوت توبة الزمخشري" و"فتح المغيث بحكم اللّحن في الحديث" في الفترة المتراوحة بين 1716 و1720. وتعود وفاة الإفراني إلى سنة 1746 م، وذلك بالاستناد إلى مدحه للشيخ أحمد بن ناصر الدرعي صاحب الزاوية الدرعية بتمكروت  (ت 1717) بقصيدة أنشدها بعد سن السبعين، وكان حينها إماما خطيبا بجامع يوسف بن تاشفين بمراكش ذاك الجامع الذي استقبل رفاته[11]. ومهما يكن من أمر موعد رحيل الإفراني، فنحن لا نعرف ما هي أسباب حالة التعسر التي جابهها والتي أومأ إليها لماما ضمن مؤلف نزهة الحادي فقد نُكب في آخر أيامه وشكا جشع الناس وفرط حبهم للمال (هذا زمان دراهم لا غيرها فدع الدفاتر للزمان الفاتر)، وذلك بعد أن استصفى أصحاب الديون المتخلّدة بذمته مكتبته الخاصة، وتوسّله إلى شيخ الزاوية الشرقاوية لرفع الضيم عليه. 
نعثر في ثنايا مختلف المعطيات المتصلة بسيرة هذين المخبرين تجاوزا لمسألة التحصيل والتبليغ، ورغبة مبطنة في توظيف المعرفة وتفعيلها في الواقع، مع طبع أخبارهما بشحنة وجدانية غير خافية. وتبدو تلك الشحنة بعيدة الغور بل ذات ضلال مأسوية في كتابات ابن أبي دينار والإفراني الذين تعرّض كلاهما لمصاعب شخصية ومهنية جمّة، وطالهما التقتير والتعسر ولم تُفلح اختياراتهما الاجتماعية والسياسية في إشباع طموحهما في حيثية أفضل، لذلك تحولت عملية نقل الأخبار لديهما إلى ما يشبه التأسي التعويضي ومغالبة الصعوبات بالاستغراق في تفاصيل القصّ أو الحكاية المتضمّنة لكثير من الحنين والشكوى من مآسي الحاضر وأرزائه والاستعاضة عن ذلك باستحضار أحوال الماضي التليد[12].
صناعة الخبر والسياقات التاريخية الجديدة:
يعتبر "المؤنس" و"النزهة" من أكثر كتب الأخبار تداولا وتغطية لأخبار بدايات الفترة الحديثة. ولئن لم تغب التوجهات التقويمية منذ العروض الاستهلالية التي تصدرت هذين الأثرين، فقد بدا لنا صاحب المؤنس واعيا بحضور حلقة مفقودة تربط بين الأخبار التي جمعها الزركشي في "تاريخ الدولتين" وابن الهنتاتي المعروف بابن الشمّاع في "الأدلة البينة النورانية"حول تاريخ دولة بني حفص وبين المرحلة التاريخية التي عاصرها. بينما أشار الإفراني من ناحيته وضمن مقدمة كتابه إلى توجهه الأصلي الرامي إلى الإلمام بأخبار دولة بني وطاس والردح الأخير من دولة بني مرين بما يشكل ذيلا للـ"أنيس المطرب بروض القرطاس" لابن أبي زرع و"روضة النسرين في دولة بني مرين" لأبن الأحمر، غير أنه أعرض عن ذلك لما عاينه من شغف معاصريه بالتفتيش عن أخبار دولة السعديين. فعمد إلى تقصي أخبارهم توافقا مع اهتمامات معاصريه، معتبرا أن القفز على أخبار مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب الأقصى "لا يكون به تاريخ المُلك [كذا] أبتر"[13].
غير أن ما أضرب كلاهما صفحا عن ذكره هو اصطدامهما بشحّ الأخبار المتصلة بهاتين الحلقتين المفقودتين من تاريخ مجال المغارب. فابن أبي دينار لم تعترضه أية صعوبة في النقل عن سابقيه من المخبرين، فلئن توقفت العروض الواردة ضمن كتاب الأدلة عند مرحلة حكم أبي عمرو عثمان الحفصي (1435 - 1485م)، فإنه قد جنّد لاستكمال عروضه المعطيات الواردة ضمن كتاب تاريخ الدولتين وتلك التي وفرتها له "فهرسة" الشيخ الرصاع، فضلا عن المختصر المنسوب للشريف بركات (أو ابن النوعي) وقصيدة الشيخ بن سلامة في التفجّع عمّا لحق بالتونسيين أيام الأسبان الذين استنجد بهم الحسن الحفصي، وعدد من الروايات الشفوية المتصلة بالاستجوابات التي قام بها المؤلف والتي غالبا ما أنهى نقلها بصيغة "والله أعلم"[14].   
وتتسم المعطيات المتصلة بولاية السلاطين العثمانيين والتي نقلها مؤلف المؤنس عن أحد الكتب الموضوعة في المشرق التي ليس من السهل تحديد عنوانها أو مؤلفها. بالإجمال والتقريب، وقد أضاف لها المؤلف تفاصيل عن احتلال الأسبان لتونس نقالها عن مصادر شفوية أو كتابية غير محددّة، على غرار الرواية الطويلة والمفصّلة المتصلة باحتلال الأتراك لمدينة تونس ولميناء حلق الوادي وللحصون التي شغلها الأسبان عند هذين الموقعين. ويُستدل على ذلك من الإشارات العديدة الواردة ضمن كتاب المؤنس على غرار "وجدت بعض التواريخ"[15]، أو "هكذا وجدت هذا الاسم مكتوبا"، أو "إن صاحب التقييد الذي نقلت عنه هذه الرواية كان يقطن بعيدا عن بلاد إفريقية"[16]، أو كذلك "أذكر أني قرأت بعض التفاصيل في رسالة موجهة من شاهد عيان إلى أحد أصحاب الرتب في السلطنة العثمانية"[17]. كما أن الاستناد إلى المصادر الشفوية غالبا ما تسبقه الصيغ التالية "بعض سكان تونس" "رجل استقى الخبر من شاهد عيان".
حتى وإذا انقطعت تقوله بالكامل، فإنه يخطر قرائه بتوقفها واستناده بالكامل على ما انتهى إلى مسامعه من روايات نقلها عن الطاعنين في السن من شيوخ المدينة، مع عرض تلك الروايات جملا لا تفصيلا ودون أن يقيّد نفسه بتاريخ الوقائع لقلة الضبط، وهي وقائع حرجة مظلمة من تاريخ إفريقية امتدت على ما لا يقل عن القرن من الزمن.
أما مؤلِف "نـزهة الحادي" فقد أجمل أخبار ظهور السعديين إلى حدود إخضاعهم لحاضرة الوطاسيين فاس، وهي مرحلة تاريخية شائكة شديدة التقلّب امتدت على ما يقارب النصف قرن من الزمن (1509 – 1554 م) اضطلع خلالها الأشراف السعديون بمسؤولية المقاومة دون بلوغ سدة الملك، في ملخّص مقتضب لم يتجاوز بعض صفحات، في حين استنفذت سيرة السلطان السعدي أحمد المنصور ضمن مصنَّف النـزهة أكثر من ثلث الكتاب.
وبصرف النظر عن هذا النقص الذي يمكن تبريره موضوعيا بقلة الأخبار وبدواعي التعتيم أو الحياء الذي اتصل بطبيعتها المفزعة أيضا، فإن ما شد انتباهنا في العروض التي اقترحها علينا المؤلفان، هو إغراقها في القصّ وتسرب التهويمات وتعمّد التلفيق بل واستمراء الخبر ذاته.
فقد دخل مؤلف المؤنس على أخبار تلك المرحلة التاريخية الحرجة من بوّابة العروض الوعظية في المروية الشفوية ليعلمنا بسوء سيرة السلطان الحفصي الحسن (1526 – 1542) وخروج أبرز حواضر إفريقية عن طاعته دون مراعاة ما ذكره حول حُسْنِ سيرته في أول أمره. كما لمّح لتجربة شيوخ الطريقة الشابية موجزا أخبار رموزها تلك التي أفرد لها محمد المسعود الشابي مؤلف مناقبي وسمه بـ"الفتح المنير في الطريقة الشابية وما ربوا به الفقير"، في بضعة أسطر.
كما تعرض بنفس الاقتضاب لمحاولات "رياس البحر" من القراصنة العثمانيين الاستحواذ على السلطة على غرار خير الدين ودرغوث وعلج علي، وردود فعل ملوك أسبانيا إزائها، وجميعها أخبار تقريبية شابها الخلط وطغى عليها السرد والقص تعلقت بـ"خطرة الأربعاء" و"خطرة الدواميس" و"حادثة الشكارة"، مُشكّلة صورة مفزعة عن وقائع عسكرية دامية بدا المؤلف منحازا من خلال عرضها إلى الطرف التركي، معظّما لشأن عساكره الذين "صدقوا في القتال وصبروا صبر الأحرار"، بينما أهلك "الجُبن" والرضا بالمهانة أهل تونس الذين احتموا بالدواميس، فتعقبتهم عيون "الأعراب من الحرّابة" وسلبت أموالهم ومتاعهم، بل لم تتورّع عن الاعتداء على حرماتهم.
ولم ير مؤلف المؤنس ضيرا في إرجاع أسباب حملة سنان باشا التي ربطت مجال البلاد نهائيا بسيطرة العثمانيين بما تواتر على ألسنة أهل مدينة تونس بخصوص استنجاد "سلطان المدينة" محرز بن خلف (ت 1022 م) بالسلطان سليم (1566 - 1574)، وحثه مناما على الحضور إلى تونس لوضع حد لما استحلّه الأسبان وإنقاذا البلاد والعباد.
في حين عقد مؤلف النـزهة من جانبه بخصوص أخبار الأشراف السعديين العديد من فصول تعرض ضمنها إلى أخبار ظهور محمد بن عبد الرحمان القائم مع موفى العشرية الأولى من القرن السادس عشر واستكمال السيطرة على حاضرة الوطاسيين فاس سنة 1554 م ووفاة محمد الشيخ المهندس الحقيقي لحكم سلالتهم في حدود سنة 1557 م. غير أنه استهل عرض أخباره من بوابة الخوض في حقيقة انتساب من وُسموا تحقيرا بالسعديين إلى آل البيت، سائقا مختلف الآراء والشهادات المتصلة بعلاقة الشرف بالسلطة، وهي أراء قام بنقلها عن أبي فارس الفشتالي في "مناهل الصفا بمآثر موالينا الشرفاء" وأحمد بن القاضي في "المنتقى القصور على الخليفة المنصور" ومحمد المنجور في "فهرسته" فضلا عن "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب" للمقري وغيرهم، تواضع أغلبها على صحة نسب السعديين إلى الشرف، حتى وإن ناقش بعضها ذلك الإجماع أو عارضه صراحة. فقد جاء في النـزهة مثلا خبر لقاء السلطان أحمد المنصور (1578 – 1603م) بالشريف عبد الله بن علي بن طاهر السجلماسي الذي استخفّ بمضيفه حال السؤال عمّا يجمع بينهما من حرمة النسب، لما ردّ أن ليس هناك من جامع غير خوان عشائهما قاصدا مائدة الطعام دون شرف النسب طبعا.
أجمل الإفراني القول إذا فيما يخصّ كيفية اتصال السعديين بالملك، وهو إجمال طغت عليه الترهات ولم يخل من حضور تناقضات. فقد أورد مؤلف النـزهة الأخبار التي حفت بظهور دعوتهم، واقفا عند أبرز الأطراف التي ساندتها أو آزرت بروزها من بين شيوخ الصلاح وأربابه، إلا أن تلك العروض لم ترق، بحكم المسافة الزمنية التي فصلتها عن تاريخ حصول الأحداث، إلى إدراك الدور الأساسي الذي لعبته الشرائح أو القوى الاجتماعية الفاعلة وتوضيح الدور المحوري الذي عاد لمؤسسات الصلاح في إقرار القبائل المحاربة وتسهيل إدماجها بتقييم المجهود التعبوي الضخم الذي بذلته الزوايا المنسوبة إلى الطريقة الجزولية بالأوطان البعيدة عن المراقبة المباشرة للمخزن خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر، ذلك المجهود الذي أعاد إثمار آليات المقاومة، ناجحا في تحويلها إلى ثابت اجتماعي بعد توجيهها وجهة جهادية صرفة[18].
ولئن تهيأ لنا من خلال العروض التي حرّرها الإفراني أن تلك القيّم السلوكية قد برزت بالتوازي مع وصول السعديين إلى الحكم، فإن أمر ظهورها سابق موضوعيا لتلك المرحلة التاريخية، خاصة إذ ما وضعنا في اعتبارنا امتداد الفترة التي عاينت انتشار الفصائل القبلية العربية على كامل مجال المغارب، وهي مرحلة سبقت ذلك الموعد بقرون. أما بخصوص أخبار تأمّر السعديين على "مملكة مراكش"، فقد نقل صاحب النـزهة أحداثها عمن سبقوه كابن القاضي في "المنتقى المقصور عن الخليفة المنصور" وابن عسكر الشفشاوني في "الدوحة الناشر لمن كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر"، ومصنَفيّ  "ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع " و"مرآة المحاسن في مناقب الشيخ أبي المحاسن" لمحمد المهدي ومحمد العربي الفاسي، لذلك اختلطت الأخبار بالمواعظ والكرامات والمُغْرِبات والطرائف والحكايات، مشكّلة صورة مستطرفة هي أقرب إلى المروية الشفوية أكثر من انشغال من حبّروها بتمحيص الواقع ومكافحة مضمون الحكايات المستجلبة بعضها ببعض.
ومهما يكن من أمر، فإننا نقر لمؤلف المؤنس بالباع في التعرّض إلى مرحلة ما بعد الحضور العثماني بالبلاد التونسية، لذلك فإن هذا الأثر تفوق قيمته العديد من المصادر التي أُلفت من بعده، لأنه أدق منها أخبارا وأجود دراية بأحداث القرنين السادس عشر والسابع عشر. فلئن اقتصر المؤرخون قبله، على تاريخ الدول والسلالات الحاكمة واهتموا بالأزمنة التي عاصروها، أو بالتحبير حال التميّز في التاريخ الكوني على غرار ما عيناه مع ابن خلدون. فإن جميعهم قد قصر همه على تاريخ الإسلام لم يعروا أيه أهمية لما قبله، في حيّن مجّد ابن أبي دينار تاريخ تونس في العهد القديم، مفتخرا بحناياها الرومانية وبعاداتها الفريدة بين الأمم.
على أن الفترة العثمانية عنده، لا تحوز على أكثر من ثلث الكتاب، لكأنه يقول لأهل عصره، أنّ تعاقب الدول والأشخاص على السلطة، لم يبل افريقية الصامدة بثقافتها المميزة، وعاداتها وأمجادها التاريخية، قبل الإسلام وقبل الدولة العثمانية وقبل البايات وقبل جميع الماسكين بالسلطة على أيامه.
في المقابل تنم تغطية الإفراني للقرنين السادس والسابع عشر عن تمسك بالهوية المغربية الناشئة وامتدادا موضوعيا للمصنفات الموضوعة حول تاريخ المغرب الوسيط ونقصد بالخصوص "روض القرطاس" لابن أبي زرع و"عبر" ابن خلدون. فحال تأمّل التواريخ التي خلفها الإفرني في "نزهة الحادي" وفي "صفوة من انتشر" ومقارنتها بما عرضه حول مرحلة حكم السلاطين العلويين الأوائل في كتاب "روضة التعريف" مثلا، نقتنع، بأن مؤرخنا قد رحل عن العصر الذي عاش فيه، معرضا إراديا عن التوسع في نقل أخبار دولة قويت شوكتها وانتشر نفوذها على أيامه، مما ينبئ على تفضيله الانكباب على تدوين أخبار دولة منقرضة وتغطية قرنين من الزمن بالتركيز على تاريخ السعديين أولئك الذين خصّهم بما لا يقل عن 75 فصلا من جملة 81، وهو ما يشي بميّله إلى أشراف سوس المتربعين على العرش البلاد وبأنه لا يرى من ملوك المغرب من هو أعظم من سلطانهم أحمد المنصور الذهبي صديق المؤرخين ووليّهم، ذاك الذي أفرد لسيرته ما لا يقل عن 28 فصلا بل وعدّه في زمرة العلماء والمتأدبين.
يتبن من خلال استعراض جملة المعطيات التي كنا بصددها والتي رصدت البعض من مضمرات مصنفات أخبار حكام المغارب خلال القرن السابع عشر وما يليه، أن هوى مؤرخي السلالات الحاكمة قد تزحزح عن التصورات التقليدية المبنية على أولوية الانتساب إلى الأمة الإسلامية، ليُشد مستقبلا إلى فكرة الاشتراك في الوطن، حتى وإن تضمن تأويلها الغائم العديد من التصورات المتحوّلة[19]، تمحور أفقها في اعتقادنا حول ثلاثة أبعاد بدت لنا أحرى بالاهتمام والتدبر من غيرها، اتصلت بمدلول الحيازة المجالية، وتحولات التركيبة الاجتماعية، وإعادة ترتيب مضمون الذاكرة الجماعية بطريقة تتوافق مع قدر المركزيات السياسية الناسلة عن خروج مجال المغارب عن مخلفات أزمة القرنيين الأولين للفترة الحديثة.         

 (Poirrier (Philippe), Les enjeux de l’histoire culturelle, Paris, Éd., Le Seuil, coll. Points, 2004, 441 pages.

Goody (Jack), Le vol de l’histoire. Comment l’Europe a imposé le récit de son passé au reste du monde, Paris, Gallimard, collection « NRF Essais », 2010.

[2]  ابن أبي دينار (محمد بن أبي القاسم الرعيني)، المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس، نشر المكتبة العتيقة، تونس 1967.
الإفراني (محمد الصغير)، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، نشر هوداس 1888، طبعة مكتبة الطالب (د – ت).
[3]  الشدادي (عبد السلام)، ابن خلدون من منظور آخر، دار توبقال، الدار البيضاء 2000. الفصل الأول "قراءات لابن خلدون" ص 16.  
[4]   اعترف ابن خلدون في تصدير مقدمته بتواضع مشروعه في صيغته الأصلية: "وأنا ذاكر في كتابي هذا ما أمكنني منه في هذا القطر المغربي إما صريحا أو متدرّجا في أخباره وتلويحا، لاختصاص قصدي في التأليف بالمغرب وأحوال أجياله وأممه وذكر ممالكه ودوله دون ما سواه من الأقطار لعدم اطلاعي على أحوال المشرق وأممه، وأن الأخبار المتناقلة لا تفي كنه ما أريده منه".
المقدمة، تحقيق عبد الواحد وافي، نشر لجنة البيان العربي، ج1 ، ص ص 65-66 (عن تمهيد المحقق).
[5]   Abdessalem (Ahmed), Les historiens tunisiens des XVIIe, XVIIIe et XIXe siècles. Essai d'histoire culturelle, éd. Université de Tunis, Tunis, 1973.
[6]   Levi-Provençal (Evariste), Les historiens des chorfa. Essai sur la littérature historique et biographique au Maroc du XVI e au XX e siècle. Paris, Emile Larose Editeur 1922.   
[7]    حجي (محمد)،  الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، المطبعة الوطنية، الطبعة الثانية موسعة ومنقحة،  1988، 360 صفحة.
[8]   عيسى (لطفى)، "الصيت والسلطة في المعجم السياسي المغربي خلال القرن السابع عشر"، المجلة التاريخية المغاربية، العدد 93 - 94  لسنة  1999، ص ص 147 - 161 .
[9]   اليفريني (محمد الصغير)، روضة التعريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف، تحقيق عبد الوهاب منصور ، نشر المكتبة الملكية، الرباط  1995.  
[10]  طبع كتاب صفوة من انتشر في أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، محققا ضمن موسوعة أعلام المغرب التي أشرف على نشرها محمد حجي وآخرين، ج 2.
[11]   Hammoudi (Abdallah), « Sainteté pouvoir et société : Tamgrout au XVII e et XVIII e siècle », dans la Revue Histoire, Sciences sociales, année 1980, vol. 35, n° 3-4, p. 615 - 641 
[12]  Taieb (Moncef), « Réjouissances et puissance : réflexions sur la fête, le pouvoir et la mémoire dans la Tunisie ottomane »  », dans  L’Anthropologie historique : Acquis, apports et perspectives, Cahier du CERES, Série Anthropologie, n°3, Tunis 2010, p. 65 – 78. 
[13]   نزهة الحادي...، م س، ص 2
[14]  البرقاوي (سامي)، ابن أبي دينار الدولة والهوية والنسب وأشياء أخرى، مقال منشور ضمن مجلة نشاز الرقمية التونسية العدد 1 لسنة 2012
[15]  المؤنس...، م س، ص 168.
[16]  نفسه، ص 170.
[17]  نفسه ص 171
[18]  عيسى (لطفي)، مغرب المتصوفة الانعكاسات السياسية والحراك الاجتماعي من القرن العاشر إلى القرن السابع عشر، منشورات مركز النشر الجامعي – كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، بتونس 2005، الفصل الرابع ص ص، 224 - 308
[19]   الباهي (مبروك)، "صور مجال إيالة تونس في الأسطوغرافيا الحديثة"، Perceptions de l’espace au Maghreb et
 ailleurs, Travaux réunis et présentés par Lotfi Aïssa, Université de Tunis, Faculté des Sciences Humaines et Sociales 2O11. P. 171 – 191.