vendredi 26 août 2011

الموسوعة التونسية: نسخة ما قبل السحب أو الأوزاليد





أخيرا وبعد طول انتظار خلنا معه أن كراسات دائرة المعارف التونسية المنشورة تباعا بين سنوات 1990 – 1995 قد تم صرف النظر عن استكمالها، وأن مشروع الموسوعة الذي أوصت بالعكوف على انجازه لجنة استشارية أُحدثت من قبل مدير المجمع منذ سنة 1996 لن يجد طريقه إلى النشر خاصة وأن صدور "طبعته التجربية" مع حلول الألفية الجديدة قد قُوبل بانتقاد شديد دفع بتلك الإدارة إلى مزيد التريث، ها قد تمكنت وبعد ما يزيد عن العشر سنوات لجنة للمراجعة والتحرير من الانتهاء من تكييف هذا العمل استعدادا لعرضه رسميا على واسع القراء الراغبين في تكوين فكرة شاملة ومبسطة في آن عن ذاكرة التونسيين الحية وجوانب من واقع تاريخهم قديمه ووسيطه، حديثه ومعاصره.
نحن ندرك ما لهذا الانجاز من كبير أهمية، فظهوره وإن تأخر لفترة طويلة نسبيا، فإنه قد تزامن مع حصول انقلاب مجتمعي يحمل وعدا بانجاز قطيعة ثورية عبر انبثاق "كتلة تاريخية un bloc historique" تحمل تصورات محدثة لما درج عليه مجتمع ما قبل حصول هذا الحدث الفارق. ألم يعتبر الفيلسوف الفرنسي "دنيس ديدرو Denis Diderot " أن من شروط العمل الموسوعي الجيّد قدرته على "تغيير أسلوب التفكير الجمعي"؟ ألم يُثبت وهو المشرف على مدى عشريتين من الزمن بمعية عالم الرياضيات الفرنسي "دالمبير D’Alembert " على إنجاز موسوعة فلاسفة الأنوار الموسومة بـ"القاموس العقلاني للعلوم والفنون والحرف Dictionnaire raisonné des sciences, des arts et des métiers " أن مهمة العمل الموسوعي تتمثل في توفير معرفة قابلة للنقد، سواء اتصل الأمر بأسلوب تصنيفها أو بالأفكار المسبقة التي يُفترض أن تكون قد تسربت إليها تساوقا مع إكراهات العادات والممنوعات والعقائد البالية ومختلف القوى الجاذبة إلى خلف، حتى وإن أجهد صائغوها أنفسهم بغرض احترام حرية التفكير والتماس التجديد المبدع، مع الشك فيما توصّلوا إلى انجازه طلبا لمزيد التطوير والتجويد؟
ولئن كان من غير الجيّد الإصرار على خصور تواصل بين مشروع الموسوعيين الفرنسيين ومنجز المجمع التونسي للثقافة والترجمة والعلوم، اعتبارا لتواضع حجم الموسوعة التونسية قياسا لقاموس ديدرو الذي ضم ما لا يقل عن إحدى عشر جزء مكتوبا، مُفردا التماثيل والرسوم البيانية بما لا يقل عن سبعة أجزاء أخرى، فإن حضور التماثل بين السياقات التاريخية وخاصة فيما يتصل بأسبقيةالعمل الموسوعي عن اندلاع الفعل الثوري أمر يحسن في تقديرنا الانتباه إليه كلما رمنا رصد وشيجة تربط، وبصرف النظر عن تعارض المقاييس، بين المنجزين.
حشدت الموسوعة التونسية كمًّا من المعطيات عُرض وفقا للترتيب الألفبائي في جزئين ضمّا ما لا يقل عن 1700 صفحة. وخضعت المقالات المنشأة من قبل المؤلفين إلى عملية تنظيم وإعادة صياغة أُوكلت إلى لجنة تحرير ومراجعة بغرض موائمة محتواها مع ما تقتضيه الكتابة الموسوعية من اقتضاب غير مخل بثراء المضمون، لذلك فضّل القائمون على هذا المشروع التجاوز عن ذكر أسماءالمؤلفين في خاتمة كل مقال وافتتاح الموسوعة بقائمة اسمية شاملة تحصر تلك الأسماء. كما أن تراجم الأعلام وإن لم تشمل غير الأموات منهم، فإن جانبا من العروض المحورية المتصلة بالموضوعات قد أسهم في الوقوف عند عدد من المحطات المضيئة لمنجز الأحياء، خاصة من بينهم أولئك الذين أسعفت إسهاماتهم العلمية والأدبية والفنية في التعرض لجوانب مضيئة من عطاء مساراتهم.
تحمل الموسوعة رؤية جد معبرة عن التحولات التي طالت المجال التونسي، وهو إطار جغرافي لم يكن وعلى وضوح حدوده وبداهة الاستناد عليها حاضرا بتلك الصفة حتى بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر موعد ظهور أول تمثيل خرائطي للبلاد التونسية. وهو تمثيل شكّله منجز القبطان الفرنسي "بريكو دي سانت ماري Pricot de Sainte-Marie " سنة 1857.
تطرح الموسوعة أسئلة بخصوص مدلول إفريقية ومعنى التَوْنسة، قيافة ومأكلا وتعبيرا حِرَفِيًّا وفنيّا وانتسابا عقديا وروحيا. كما تحاول التدقيق في خصوصيات المجال الجغرافية المتصلة بتضاريسه ومناخه ونباته وحيواناته البرية ومخزونه المائي والمنجمي والطاقي ومزروعاته ومنتجاته الفلاحية، كما إرثه البشري المتصل بتاريخ تعميره وبمختلف الحضارات التي تعاقبت عليه والتي شكلت منجزاتها المادية والفكرية والفنية ذائقة كبار أعلامه من ماغون صاحب كتاب الفلاحة، وأبولي Apulée مؤلف كتاب المسوخ أو الحمار الذهبي، وسانت أوغستان Saint Augustin واضع كتابي مدينة الله والاعترافات، إلى خير الدين واضع أقوم المسالك، وإتحاف أحمد ابن أبي الضياف، وتحرير محمد الطاهر بن عاشور وتنويره، وسد محمود المسعدي وتأصيل كيانه، مرورا بمدونة سحنون، ورسالة ابن أبي زيد، وموافقات الشاطبي، وعبر ابن خلدون، وتفسير ابن عرفة ومختصره.
تتبسط الموسوعة وفقا للأفق الذهني لمن أمّنوا عملية تحرير مختلف فصولها في تفكيك إشكالية حارقة لا زالت تعتمل بضراوة، مشكّلة ما قد تستقيم تسميته بشخصية التونسيين الأساسية أو رصيد مخيالهم الجمعي. وتتلخّص تلك الإشكالية في العلاقة التي تربط مُحدث التونسيين بقديمهم. فقارئ ما بين السطور يتفطن إلى أن طريقة تحرير العديد من تلك الفصول قد خضعت إلى حضور صراع بين جناحين متباعدين، إن على صعيد التصوّر أو فيما يتصل بالمنجز الحضاري. فبينما يبدو أحداهما حريصا على التواصل مع التقليد منصاعا إلى موروث السلف الموسوم بالانغلاق والتحجر، يبدو الثاني مدفوعا إلى الانقلاب على رتابة تلك التقاليد عاملا على جَبِّهَا حتى وإن دفعه ذلك التصرّف إلى الانزلاق في التفسخ وتلمظ مرارة الاغتراب.
ليس من مجال للفعل إلا وقد لوّنه الصراع بين هذين الجناحين، فالبرانس من البربر الأفارقة قد تهيبوا من هجمات البتر المتنقلين، والمدرسة المسيحية الإفريقية قد واجهتها نحلة المزارعين من الدونتيين، وأهل السنة المالكية قد عانوا انتفاضات الخوارج ومحن "أهل التشريق" من الفواطم أيام حكم العبيدين والزيرين، وإسلام "أهل الحق والجماعة" المنسوب إلى المالكية قد ورّطه إسلام أرباب الولاية والصلاح الموغل في حسيّة نزقة منفرطة.
انعكس هذا التجاذب على مؤسسات التحصيل المعرفي المنتجة للنخب السياسية أو العالِمة. فقد بدا وضخا منذ أواسط القرن التاسع عشر أن التعليم الرسمي الزيتوني قد اختُرق من قبل العديد من الروافد التي تزايد تأثيرها بعد طي تجربة المدرسة الحربية بباردو وإنشاء المدرسة الصادقية العصرية. كما زاد الحضور الاستعماري الفرنسي في حدة تلك المواجهة بعد مؤازرته تأسيس جمعيتي الخلدونية وقدماء المدرسة الصادقية، فضلا عن توفير معهد كارنو الموسوم بالفرنسة فرصة للمتخرجين منه الحاصلين على شهادة الباكالوريا لاستكمال التحصيل بالجامعات والمعاهد العليا المتخصّصة بفرنسا.
انعكس هذا الصراع على الواقع السياسي من خلال انقسام حزب الدستور إلى تنظمين متباينين توصل أحدهما إلى التغوّل على حساب الآخر، مشكلّا بالتدرّج قطب جذب لم تستطع مختلف ألوان الطيف السياسي والنقابي والحقوقي والنسوي والثقافي التونسي الخروج عن تأثيره سلبا وإيجابا على مدى الثلاثة أرباع قرن الماضية.
قراءة متأنية في سير غالبية الفاعلين السياسيين والنقابيين والطلابيين والكشفيين وغيرهم ممن
احتفت بسيرهم فصول الموسوعة سواء خلال فترة الكفاح ضد الحضور الاستعماري أو حال انبثاق الدولة الوطنية واحتكارها لتصريفها الشأن العام، تكشف بيسر عن هيمنة حزب الدستور الذي انصهر بعد الاستقلال مع الدولة، عامدا إلى توظيف شرعيته النضالية لتبرير إخفاقاته السياسية والاقتصادية على مدى خمسة عقود من بناء الدولة الوطنية.
والمضنون أن هذا الواقع الضاغط هو الذي استبّطنه عميقا من آلت له مهمة الإشراف على تصوّر وترتيب مختلف فصول هذه الموسوعة وتحديد موضوعاتها. فقد تغيّبت بشكل لافت عن متن الموسوعة المواضيع المتصلة بالأحزاب والتشكيلات السياسية والمنظمات والجمعيات أو الرابطات الحقوقية والنضالية النسوية غير الموالية لحزب الدستور أو المعارضة له صراحة، على غرار الحزب الشيوعي، وهو الذي تأُسس في بداية عشرينات القرن الماضي بشكل يكاد يكون متزامن مع حزب الدستور، أو "حركة أفاق" المعروفة باسم "برسبكتيف" و"العامل التونسي" اليساريتين، وجماعة صحيفة "الرأي" الباعثين لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والمعهد العربي لنفس الحقوق، وجمعية النساء الديمقراطيات، وحركة النهضة ذات التوجهات الاحتجاجية خلال الفترة اللاحقة. وهو ما لا يمكن تبريره إلا على سبيل مهادنة التوجهات الإقصائية لصانعي القرار السياسي، سيرا في ركاب الدولة الوطنية وتحاشيا لمباغضتها عبر تشغيل آليات المراقبة الذاتية والانصياع الطوعي.
ولا تذهبن بنا الظنون إلى اعتبار ما أقررناه تحاملا على مضمون المنجز، والحال أن الإقرار به يحسن أن لا يؤوّل إلا على سبيل الدعوة إلى القطع مع احتكار القرار والفعل المعرفيين والثقافيين، والتعامل مع هذال النوع من المشاريع بنكران ذات حقيقي يُسعف في فتح باب الإسهام في التصوّر لجميع الكفاءات، لا الاقتصار على دعوتها للمشاركة في تحرير المواضيع بعد تحديد عناوينها مسبقا.
ولا يغيب التعارض بين المحدث والقديم حال الوقوف عند جميع أشكال المعاش والتفكير حول ما عصف بها من تحولات تسارع نسقها مع حضور الاستعمار الفرنسي بالبلاد والتعبير عن صعوبات التواؤم مع نسق الحراك الناجم عن ذلك، سواء بشكل ذوقي أو جمالي. فقد حفلت الموسوعة بمقالات مفيدة وجد معبّرة اتصلت بفنون المائدة والطبيعة المتوسطية المنفتحة للمطبخ التونسي الذي مر من بساطة الأجداد وحسن تدبيرهم عبر تحاشي التبذير في الاكتفاء بالسويق أو البسيس، إلى التعبير عن مظاهر الإفراط والبذخ حال الاحتفال بالأعياد والمناسبات واستقبال شهر الصيام عبر إعداد أشهى الأطباق وأعقدها على غرار النفائخ والحلويات والمرطبات الفاخرة والمعجنات اللذيدة. غير أن التعرض إلى تلك الجوانب وما شدّها إلى ثقافة مادية تونسية ثرية ومتشعبة، لا ينفي إغفال القائمين على فصول الموسوعة التعرض إلى جوانب محايثة، غالبا ما حال الحياء دون التعرض لها ولفها النسيان على غرار تاريخ دخول التبغ أو الدخان وتطور الإقبال على استهلاكه بما في ذلك القنب الهندي أو الحشيش، وتناول الأنبذة أو الخمور والمقطرات.
كما عكس تاريخ الفنون وواقعها، سواء الراقية من بينها أو الشعبية، أهمية ذلك التجاذب بين الضروب الفنية والإبداعية الشعبية ورصيفتها المتقنة أو الأدبية. فقد تعشّق التونسيون الإنشاد إلى حد دفعهم إلى ربطه بالطقس التعبدي من خلال التحلّق للحضرة تلك التي وُسمت أعمالها وعلى إثر توصل الجالية الأندلسية إلى نشر طبوع موسيقاها المألوفة بين السكان المستقرين داخل الحواضر بـ"مالوف الجد". على أن التمازج الحاصل بين العديد من تلك الضروب الفنية طوال القرن الماضي هو الذي ألف ضمن ذائقة التونسيين بين الموشحات (على غرار قصيد ابن سناء الملك المصري المتوفَّى (608هـ - 1212م) "كللي يا سحب تيجان الربى
بالحلي") والأغاني المتقنة (على شاكلة ما شدت به حناجر الهادي الجويني في "نحكيلك كلمة خبيها" وعلي الرياحي في "زهر البنفسج"، والأغنية الشعبية على شاكلة تلك المصورة لملحمة نضال محمد الدغباجي في "الخمسة إلي لحقوا بالجرّة "والفوندوات" في (فراق غزلي، و"يا خيل سالم" و "نا وجمالي فريدة"و"يا مقواني"، وغيرها وهي الضروب التي تمكن شيوخ العمل بالمعهد الرشيدي بعد تأسيسه في أواسط ثلاثينات القرن الماضي من احتواء أغلبها بعد التهذيب وضمّها إلى سجل الكلاسيكيات الغنائية التونسية الخالدة.
غير أن كثافة تلك العروض الشيقة والمفيدة حول تاريخ وواقع تلك الفنون من إنشاد وموسيقى وفنون شعبية وتشكيلية ومسرح وشعر وقصة ورواية وأشرطة سينمائية، لم يخل من خانات فارغة شملت على سبيل المثال لا الحصر الموسيقى الزنجية أو السطنبالي، وأغاني المزود أو الربوخ، وكذا الأمر فيما يتصل بالموسيقى الغربية وأغاني الراب المنبثقة عن أجواء الأحياء الفقيرة بالمدن، والمتسمة خلال العشرية الأخيرة بنفس احتجاجي وبطابع تحتي underground غير خافي.
ويأتي الحديث عن العنصر البشري التونسي من خلال التوقف عند أصوله العرقية وطبيعة الروابط التي وصلته بغيره حيث استبدت العائلة والقبيلة والزاوية طوال الفترة السابقة لحضور الاستعمار بنسج شبكات الترابط الاجتماعي وصياغة مضمون القرابة في الاسم والدم والعقيدة بين المجموعات محدّدة سجل قيمها أو ضوابطها الأخلاقية، ليكمّل تلك اللوحة المعبّرة. على أن هذا الأنموذج التقليدي سيتعرض إبان أزمة ثلاثينات القرن الماضي إلى تفكك مطردأدى إلى تحولات جذرية أسهم التعليم وحتى أوائل ثمانينات القرن الماضي في لعب دور صمام الأمان ومصعد الارتقاء الاجتماعي المستند إلى ضوابط الجدارة والكفاءة قبل سواهماضمنها، مُسْهِمًا وحتى ذلك التاريخ في الانتقال السلس من بساطة الواقع التقليدي إلى تعقد اللوحة الاجتماعية للواقع الرهن أو المعاصر. وهو واقع اتسم حاضرا بتفسخ مطّرد لتلك المنظومة التقليدية، مُعجّلا باتساع التعويل المفرط على آليات المحسوبية والزبونية ومخزنة الكفاءات بتعويدها على القبول بالخدمة المهينة والتعويل على إحسانات الدولة الـمُنعمة.
بقي أن نشير بهذا الصدد أيضا إلى عدم تخصيص الموسوعة حيزا للتعرّض إلى مكتسبات البحث في الديمعرافية التاريخية للبلاد التونسية وتاريخ الأوبية والمجاعات والحروب وأساليب التوقّي من حصولها بشكل دوري ضمن المنظومة السكانية ما قبل الحديثة. كما عفت فصول الموسوعة على الإشارة إلى دور الجامعة التونسية في إنتاج المعرفة وتكديسها وتخريج الكوادر وتطوير هياكل البحث وإشكالياته، ولم تتطرق إلى عمل الجمعيات وخاصة الرياضية من بينها، تلك التي توافقت أنشطتها عامة مع مستوى الذائقة الجمعية فنالت نصيبا كبيرا من الحضوة
داخل الحواضر الكبرى على غرار نوادي العاصمة تونس ومدن الساحل مثل سوسة وصفاقس. كما لم تتوقف فصول الموسوعة عند تطور ثقافة الفرد ومستوى احترامه لحقوقه الخاصة والمدنية ومدى التسوع في التعويل على القواعد الحديثة للعيش المشترك واكتساب فضائل المواطنة، فضلا عن الإشارة إلى صعوبات الاندماج وحضور الهامشية وأشكال التعامل مع مخلفاتها على غرار المثلية، وتفشي البغاء والأمراض المنقولة حنسيا، وغيرها من الظواهر الاجتماعية المتصلة بتعاظم النزعة الاستهلاكية واتساع مجال العولمة وأساليب العيش المتفسخة décadentes الـمُوغلة في التحررlibertines لمجتمعات ما بعد الحداثة.
ما من شك وبعد جميع ما أوردنا في نجاح القائمين على مشروع الموسوعة التونسية والمحرّرين لفصولها في توفير مادة مفيدة دسمة ومتوازنة لجميع المطلعين على محتوياتها، وهو تقييم يُحسب إيجابا لجميع من ساهم في انجازها. فما مختلف الملاحظات التي أوردناها بإزاء هذا العمل الضخم إلا محاولة منّا لتقريب هذا المجهود من عامة القراء ودعوتهم إلى الاحتفال حقيقة بضمه إلى المكتبة التونسية. غير أن دواعي تطوير أداء مؤسساتنا العلمية، والمجمع التونسي للثقافة والترجمة والعلوم واحدة من أجلّها، تفرض علينا دعوة الأطراف القائمة على تصريف أمور هذه المؤسسة المعرفيّة إلى التفكير جدّيا في تعهّد موضوعات الموسوعة من خلال بعث هيكل بحثي علمي متعدّد التخصصات (وحدة أو مخبر) تحتضنه تلك المؤسسة تحديدا، وتعهد لباحثيه
بالتكفّل في استقلالية كاملة وعبر الاحتكام إلى آليات التقييم المتّصلة بهياكل البحث العلمي بتحيين محتويات تلك الموسوعة وتطويرها وتسهيل التعريف بها وتوسيع الاستفادة منها وتقريبها عبر نقل مضمونها إلى اللغات المقروءة كونيا وإدراج محتوياتها ضمن موقع المجمع على الشبكة العنكبوتية.
على هذا الأساس وحده يمكن أن نعتبر أن مسيرة المجمع قد عاينت واقعيا نقلة حقيقية، تؤثر القطع مع هيمنة الأساليب التقليدية التي عبّرت عن محدوديتها، والاستعاضة عنها بإدخال طرق جديدة تُعطي، وعلى غرار ما تعرفه مؤسسات البحث المحترمة عالميا، للنتائج المتصلة بإنجاز مشاريع البحث في العلوم المتخصّصة أولوية مطلقة في تصريف واقع المعرفة، متشوّفة إلى إصلاح أدائها بما يتوافق مع المكانة التي هي أهل بها ضمن المشهدين المعرفيين المحلي والكوني.

mercredi 17 août 2011

"Le samouraï professe que ce qui est sérieux pour l'homme ordinaire n'est que jeu pour l'homme courageux."



Johan Huizinga (1872 - 1945) est un historien hollandais spécialiste du Moyen-Age. Relire "Homo Ludens" est comme replonger dans la source fraîche de jouvence. Le jeu n'est pas qu'artefact psychologique, manifestation biologique, il est consubstantiel à la création de la culture, du lien social, de l'avènement des civilisations.

"Lorsqu'il est apparu clairement que le nom "Homo sapiens" convenait moins bien à notre esprit que l'on ne se l'était figuré jadis, parce qu'en fin de compte nous ne sommes pas aussi raisonnables que l'avait imaginé le siècle des Lumières dans son naïf optimisme, on a cru bon d'ajouter à la première définition celle de l'Homo faber. Or, ce second terme est encore moins propre à nous définir que le premier, car "faber" peut qualifier maint animal. Et ce qui est vrai de l'acte de fabriquer, l'est aussi du jeu : nombre d'animaux jouent. En revanche, le terme "Homo ludens", l'homme qui joue, me semble exprimer une fonction aussi essentielle que celle de fabriquer, et donc mériter sa place auprès du terme "Homo faber"".

Comment Huizinga définit-il le jeu ?


"Sous l'angle de la forme, on peut en bref, définir le jeu comme une action libre, sentie comme "fictive" et située en dehors de la vie courante, capable néanmoins d'absorber totalement le joueur; une action dénuée de tout intérêt matériel et de toute utilité; qui s'accomplit en un temps et dans un espace expressément circonscrits, se déroule avec ordre selon des règles données, et suscite dans la vie des relations de groupes s'entourant volontiers de mystère ou accentuant par le déguisement leur étrangeté vis-à-vis du monde habituel." (p.35)

Comprendre le jeu par sa négative, le sérieux :


"(dans) le groupe antithétique "jeu-sérieux", ces deux termes ne s'avèrent pas équivalents. Le "jeu" y figure le tempe positif, le "sérieux" s'arrête et s'épuise à la négation du jeu : le "sérieux" est le "non-jeu", et rien d'autre." (p.83)

"Si le jeu produit de la beauté, il en acquiert aussitôt une valeur pour la culture. Mais cette valeur esthétique n'est pas indispensable au développement de la culture. Le jeu peut tout aussi bien s'élever au niveau de la culture, grâce à des valeurs physiques, intellectuelles, morales ou spirituelles." (p.87)

Se penchant sur la juridiction, l'auteur démontre que "c'est du caractère de lutte réglée propre au débat judiciaire, qu'est issue toute l'évolution historique du procès - ce caractère est resté vivant jusqu'à nos jours" (p.132).

Huizinga éclairera la nécessaire existence de règles établies notamment pour la musique :


"La diversité de la musique implique derechef la preuve que celle-ci est, par essence, un jeu, c'est-à-dire un accord de règles délimitées de façon purement intrinsèque, mais tout à fait impérieuses, sans but utilitaire, mais visant un effet de plaisir, de détente, de joie et d'exaltation." (p.302).

"A l'origine de toute compétition, il y a le jeu, c'est-à-dire un accord tendant à réaliser, dans un temps et un espace déterminés, suivant certaines règles et dans une forme donnée, quelque chose qui mette fin à une tension et qui soit étranger au cours ordinaire de la vie" (p.177). Le "potlach" ("cérémonie solennelle où l'un d'entre deux groupes dispense des présents à l'autre sur une grande échelle, avec force démonstrations et rites, et à seule fin de prouver ainsi sa supériorité" - p.103) "(est) la forme la plus représentative et la plus expressive d'une aspiration fondamentale du genre humain, que je nommerais le Jeu pour la gloire et l'honneur."

Ces deux derniers attributs du jeu confèrent une dimension ludique, originelle, à la guerre (description identique du tournoi médiéval, dimension qui a cependant été anéantie dans la "guerre totale". (p.152)

Après avoir exposé la qualité ludique, suivant les règles, de la poésie, l'auteur s'attache à approfondir la psychologie ayant préludé à la création des mythes. "Le besoin de susciter l'étonnement, l'exorbitant, explique pour une bonne part le fondement des fantaisies mythiques" (p.235).

La sagesse, la philosophie, participent du jeu. "L'absence de limites clairement conscientes entre jeu et sagesse se constate aussi du fait que les Stoïciens traitent sur le même pied les sophismes absurdes basés sur le piège grammatical et les graves raisonnements de l'école de Mégare". (p.248) De même, le XVIII° siècle (...) par ses moyens de communication limités, devait être l'époque par excellence des joutes de plume." (p.255)

Huizinga donne une explication à la formule de Léon Daudet sur "le stupide XIX° siècle" :


"La surestimation du facteur économique dans la société et dans l'esprit humain était, en un sens, le fruit naturel du rationalisme et de l'utilitarisme qui avaient tué le mystère et déclaré l'homme affranchi de faute et de péché. On avait oublié, cependant, de l'affranchir de la sottise et de la mesquinerie, et il apparut apte et disposé à faire le salut du monde à l'image de sa propre banalité."

Huizinga, avec élégance, précise en conclusion :

"La vraie culture ne peut exister sans une certaine teneur ludique, car la culture suppose une certaine modération et une certaine maîtrise de soi, une certaine aptitude à ne pas voir la perfection dans ses propres tendances, mais à se considérer toutefois comme enfermé dans certaines limites librement consenties. La culture sera toujours, en un sens, "jouée", du fait d'un accord mutuel suivant des règles données.
La véritable civilisation exige toujours et à tous points de vue le "fair play" et le "fair play" n'est pas autre chose que l'équivalent en termes ludiques, de la bonne foi. Le briseur de jeu brise la culture même."

Ecrit en 1938, cette conclusion d'une rare pertinence, honore aujourd'hui la mémoire de Johan Huizinga mort dans les geôles nazies.
Commentaire paru dans Amazon.fr

vendredi 5 août 2011

François Dosse: la biographie historique.

François Dosse, La biographie historique comme genre 1 from Anamnesis_TV on Vimeo.


François Dosse (IUFM de Créteil) propose une réflexion très large sur la biographie historique, genre qui connaît un très grand succès ces dernières années, en faisant appel à une panoplie de concepts et d’auteurs venant des plus divers horizons et époques. La biographie est, selon Dosse, un genre hybride, en tension entre l’histoire et la fiction. Traditionnellement ce genre est différent de l’histoire dès le départ, mais Dosse propose un rapprochement entre l’histoire et la biographie. De nos jours, on assiste à une historicisation du genre biographique, à une universitarisation du genre en même temps qu’à une prise en compte de la part de la fictionalisation de l’histoire. La biographie a comme ambition de créer un effet de vécu. Ainsi la rhétorique y occupe une place très importante, à la narration, à l’éloquence.