lundi 9 novembre 2015

في ثقافة قتل الأب واستتباعاتها








  



ينبئ انزلاق السجال السياسي بين مختلف الدوائر الفاعلة داخل العائلة السياسية لحزب نداء تونس باتجاه تعاظم وقع الملاسنات الكلامية وشدة اللعان الصادم، عن تحوّل العمل السياسي ببلادنا إلى ما يشبه موالد شيوخ الدجل ومواسمهم. فقد تعاظم الخرق باستشراء أساليب الإثارة الرخيصة والاهتبال بتبادل نابي السباب وأقذعه، هذا الذي يوشك أن يحوّل مخاض انبثاق نُخب سياسية، إلى بؤرة متعفنة لا يخدم امتدادها إلا مزيدا من التسوية إلى أسفل وتسريعا للنسق الكارثي لالتهام مزيّف النقد لصحيحه.
وتحضرنا في هذا المجال أسطورة معبّرة، نقلها الشاعر الإغريقي "أوفيد Ovide ضمن مؤلّف الانسلاخ، مفادها أن المهندس البارع "ديدال"، ذاك الذي سهّل على ملكة جزيرة كريت مضاجعة عشيقها وإنجاب مخلوق مشوّه نصفه بشري ونصفه حيواني وُسم بـ"المينوتور هو من تولى بأمر من زوجها الملك مينوس إخفاء جريرتها عن أعين المتقوّلين ببناء متاهة ظلماء تحت الأرض حُشر بداخلها ذلك المخلوق المشوّه الذي تعيّش من أكل لحوم البشر. غير أن توصّل البطل "تيزي Thésée" إلى القضاء عليه وتفادي الضياع داخل المتاهة بفضل مساعدة عشيقته الأميرة "أريان Ariane " ومهندس القصر البارع الذي أشار عليهما بمدّ خيط من الصوف حال الدخول ولفه للتمكن من الخروج، هو ما أغضب الملك فأودع مهندسه البارع بمعية ابنه إيكار السجن. غير أن هذا الأخير تمكن بفضل ما أُوتي من حكمة من الإفلات من مصيره المظلم بصنع أجنحة من شمع مكّنته من الخروج بمعية ابنه من وحشة الأسر إلى نور الحرية. وعبثا حاول مهندسنا اللبيب إقناع ابنه المتنطّع بأن تلك الأجنحة المصنوعة من الشمع لا تحتمل فعل عناصر الطبيعية، فقد تجاهل "إيكار" نصيحة والده محلّقا عاليا في السماء حتى أذبت شمع أجنحته أشعة الشمس الحارقة، فسقط من عليائه ودُقت رقبته وبقي عبرة لمن يعتبر.
ما يحصل اليوم داخل حزب المدافعين عن المشروع المجتمعي الحداثي التونسي من انعدام لقواعد ومعايير السلوك الواضحة، ومن توتر ينبئ بدخول الواقع الاجتماعي التونسي في تتناقض مع القواعد أو الأعراف التي نص عليها دستور البلاد. هو ما يشكل من وجهة نظرنا إعادة إنتاج للمدلول الرمزي لما كنا بصدد عرضه بخصوص علاقة الأب الذي يعلم يقينا أن القدرة على محاكاة منطق الطير تقاس بمدى النجاح في الإفلات من ورطة الانحشار في الزاوية، وليس في اعتقاد الأبناء السُذّج أولئك الذين يبدون إصرارا مرضيا على التحليق عاليا بأجنحة قدّت من شمع من السهل على العناصر إتلافها ودق رقبة أناواتهم المتضخمة التي توشك أن تسقط من عليائها.
ألم ينتبه المؤرخ الروماني "تاسيت" قديما إلى أن أمر المسك بشكيمة أفراد العائلة لا يقل خطورة عن الإشراف على تصريف شؤون بلاد بأكملها، فموقع الأب غير المريح داخل كل عائلة - بما في ذلك السياسية منها- يجعل منه مصدرا للإنعام وعدوا يتربّص به الكافة في آن. يطل موسم قتل الأب من نوافذ عائلة نداء تونس المهشمة بفعل سذاجة الأبناء وضلالهم، أولئك الذين لم يدركوا في شدة نزالهم وتعاظم صراخهم وسبابهم أن الكورة التي يتقاذفونها قد جمعت من شراويط رثة وبالية، وأن الجلوس على المائدة يقتضي القيام عنها، وأن لذة الرضاع غالبا ما تلهينا عن مرارة قرب حصول الفطام.                                    

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire