بقلم محمد طارق محمد صدر في شهر جويلية 2016
(1)
عندما شاهدت فيلم
الخروج للنهار لاول مرة في عام 2014 في سينما زاوية ، و في بداية اهتمامي بالسينما
الغير تجارية ، انتابني شعور بالضيق الشديد و كأنني كنت أقضي وقتا في زنزانة حبس
انفرادي ضيقة . لم أستوعب يومها لغته السينمائية كثيرا ، لكن الاحساس كان قويا للغاية
. كون هذا الفيلم لم يفارق ذاكرتي الضعيفة منذ يوم شاهدته .
(2)
في عرض اخر للفيلم في
دار ميريت في عام 2016 و بحضور المخرجة ، أتيحت لي من جديد فرصة النظر مرة أخري
الي هذا الشريط السينمائي البديع . لكن هذه المرة استطعت أن أحدد ما الذي أصابني
بالضيق في مشاهدتي الاولي للفيلم . هالة لطفي فنانة حقيقية استطاعت أن توظف عناصر
السرد السينمائي البصري و الصوتي ، لكي تكتب بردية اخيرة في كتاب اختارت اسمه
ليكون عنوانا للفيلم .
كتاب الخروج في ضوء
النهار ( أو كما يعرف بكتاب الموتي ) هو كتاب فرعوني دون في عصر بناء
الهرم الاكبر ، و يحتوي علي عدد من الصلوات و الدعوات التي ترشد روح المتوفي في
رحلته للعالم الاخر . اختيار الاسم هنا هو أول اختيار فني للتوقف عنده ، ففي ظل
أجواء فيلم يحمل رائحة الموت و انتظاره ، لم يكن لهذا الفيلم الا أن يسمي بنفس اسم
كتاب للموتي .
(3)
اختارت المخرجة هالة
لطفي عدة اختيارات شكلية كانت متوافقة تماما مع مضمون فيلمها . الامر الذي يبشر
بأننا بصدد تجربة سينمائية جيدة و مبشرة .
فعلي سبيل تكوين
الكادرات استخدمت هالة تكوينات مقتصدة للغاية ، تكاد تسمح لابطال الفيلم بالظهور ،
الامر الذي يخلق حالة من الضيق لدي مشاهد الفيلم ، و بالاضافة الي ذلك فقد استخدمت
تكوينات " التأطير المتعدد " او كما يعرف بال ( Multi
Framing ) التي أضافت ضيقا مضاعفا لابطال الفيلم
المحبوسين في همهم الحياتي .
استخدام اللقطات
الطويلة البطيئة و عمق المجال أتاحا لنا فرصة التلصص من بعيد لمأساة انتظار الموت
. الاسلوب الذي فضله دائما اندريه بازان في سينما الواقعية، و الذي دلل علي قوته
بأنه يسمح للمشاهد بحرية توجه تحكمه في اختيار ما يشاهده . كما يحافظ ( ذلك
الاسلوب ) علي وحدة المكان وعلى العلاقة التى تربط الأشياء داخل ذلك المكان .
كما جاء شريط الصوت
خاليا من الموسيقي التصويرية مليئا بأصوات من حياة أبطال الفيلم ، و التي في
الاغلب كانت أصواتا مزعجة الا فيما يخص اصوات الاغاني النابعة من الكاسيت في لحظات
يعلو فيها صوت الاغاني لتبدد عدمية الفيلم في لحظات ضئيلة ، تسمح فيها صانعة
الفيلم للمشاهد أن يعرف أنه لا سبيل الا الحب في مواجهة هذه العدمية .
الاختيار الاخير كان
من نصيب تيمة الالوان الترابية التي عبرت عن لون القاهرة كما يعرفها أهلها ، كما
ساعدت في نقل احساس العدم ، فلا شئ يحوم غيره في أجواء الفيلم .
(4)
بالرغم من مأساوية هذا
الفيلم شكلا و مضمونا الا انه يعتبر التجربة الاكثر نضجا في تجارب السينما البديلة
، و الذي يجعلنا في انتظار أعمال أخري لهالة لطفي التي تستحق كل الشكر و الثناء
علي هذه التجربة التي تلاحقني بشكل يومي . الامر الذي أستطيع أن أصفه بأن هذا
الفيلم يخلق علاقة راسخة بينه و بين مشاهديه ، خاصة اذا ما اختبر أحدهم نفس أحداث
الفيلم .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire