lundi 26 septembre 2016

الخروج للنهار " بردية أخيرة عن العدم " عرض نقدي لشريط هالة لطفي




بقلم محمد طارق محمد صدر في شهر جويلية 2016












 (1)
عندما شاهدت فيلم الخروج للنهار لاول مرة في عام 2014 في سينما زاوية ، و في بداية اهتمامي بالسينما الغير تجارية ، انتابني شعور بالضيق الشديد و كأنني كنت أقضي وقتا في زنزانة حبس انفرادي ضيقة . لم أستوعب يومها لغته السينمائية كثيرا ، لكن الاحساس كان قويا للغاية . كون هذا الفيلم لم يفارق ذاكرتي الضعيفة منذ يوم شاهدته .
(2)
في عرض اخر للفيلم في دار ميريت في عام 2016 و بحضور المخرجة ، أتيحت لي من جديد فرصة النظر مرة أخري الي هذا الشريط السينمائي البديع . لكن هذه المرة استطعت أن أحدد ما الذي أصابني بالضيق في مشاهدتي الاولي للفيلم . هالة لطفي فنانة حقيقية استطاعت أن توظف عناصر السرد السينمائي البصري و الصوتي ، لكي تكتب بردية اخيرة في كتاب اختارت اسمه ليكون عنوانا للفيلم  .
كتاب الخروج في ضوء النهار  ( أو كما يعرف بكتاب الموتي ) هو كتاب فرعوني دون في  عصر بناء الهرم الاكبر ، و يحتوي علي عدد من الصلوات و الدعوات التي ترشد روح المتوفي في رحلته للعالم الاخر . اختيار الاسم هنا هو أول اختيار فني للتوقف عنده ، ففي ظل أجواء فيلم يحمل رائحة الموت و انتظاره ، لم يكن لهذا الفيلم الا أن يسمي بنفس اسم كتاب للموتي .
(3)
اختارت المخرجة هالة لطفي عدة اختيارات شكلية كانت متوافقة تماما مع مضمون فيلمها . الامر الذي يبشر بأننا بصدد تجربة سينمائية جيدة و مبشرة .
فعلي سبيل تكوين الكادرات استخدمت هالة تكوينات مقتصدة للغاية ، تكاد تسمح لابطال الفيلم بالظهور ، الامر الذي يخلق حالة من الضيق لدي مشاهد الفيلم ، و بالاضافة الي ذلك فقد استخدمت تكوينات " التأطير المتعدد  " او كما يعرف بال ( Multi Framing ) التي أضافت ضيقا مضاعفا لابطال الفيلم المحبوسين في همهم الحياتي .  
استخدام اللقطات الطويلة البطيئة و عمق المجال أتاحا لنا فرصة التلصص من بعيد لمأساة انتظار الموت . الاسلوب الذي فضله دائما اندريه بازان في سينما الواقعية، و الذي دلل علي قوته بأنه يسمح للمشاهد بحرية توجه تحكمه في اختيار ما يشاهده . كما يحافظ ( ذلك الاسلوب ) علي وحدة المكان وعلى العلاقة التى تربط الأشياء داخل ذلك المكان .
كما جاء شريط الصوت خاليا من الموسيقي التصويرية مليئا بأصوات من حياة أبطال الفيلم ، و التي في الاغلب كانت أصواتا مزعجة الا فيما يخص اصوات الاغاني النابعة من الكاسيت في لحظات يعلو فيها صوت الاغاني لتبدد عدمية الفيلم في لحظات ضئيلة ، تسمح فيها صانعة الفيلم للمشاهد أن يعرف أنه لا سبيل الا الحب في مواجهة هذه العدمية .
الاختيار الاخير كان من نصيب تيمة الالوان الترابية التي عبرت عن لون القاهرة كما يعرفها أهلها ، كما ساعدت في نقل احساس العدم ، فلا شئ يحوم غيره في أجواء الفيلم .
 (4)
بالرغم من مأساوية هذا الفيلم شكلا و مضمونا الا انه يعتبر التجربة الاكثر نضجا في تجارب السينما البديلة ، و الذي يجعلنا في انتظار أعمال أخري لهالة لطفي التي تستحق كل الشكر و الثناء علي هذه التجربة التي تلاحقني بشكل يومي . الامر الذي أستطيع أن أصفه بأن هذا الفيلم يخلق علاقة راسخة بينه و بين مشاهديه ، خاصة اذا ما اختبر أحدهم نفس أحداث الفيلم .




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire