mercredi 3 avril 2013

"يراني ما نموتش حتى يوفا الكُبِّي من عين العُزّاب"










     هذا مطلع لكلمات أغنية شخصية "عمّو" التي جسّمها بحرفية كبيرة نوري بوزيد مخرج شريط "ما نموتش"، وهو فيلم يعرض حاليا بقاعات السينما التونسية.
سينما نوري بوزيد منحازة لقضية غير قابلة للمساومة هي التشهير بمختلف أقنعة الوصاية أو المواضعة الاجتماعية، والاستعاضة عن جميعها بحرية الفرد في الاختيار. يمتلك هذا المخرج عين كمبعض الجراح تشق سمك الواقع الاجتماعي عميقا، لكي تعرّي جميع دواعي الطهرانية الفجة لزمن ما بعد الثورة وتهمس في خلدنا بالتعويل على حكاية مسبوكة بدهاء وسبق إصرار ملهم، أن المساومة على الحرية قد تعيد الجميع إلى مربع الخوف من جديد.
تطوّح عودة الأبناء الضالين الخارجين لتوّهم من سجون الزمن البنفسجي ومنافي الديمقراطيات الغربية بالهبة الشعبية العارمة لشتاء 2011 بعيدا، عاملة على إطفاء بريقها الحالم واغتيال توهّجها الفاتن. تقع الحكاية بين الكشف والإخفاء أجساد مغتصبة وأحلام مغدورة تُوقع بها أذهان مريضة ضاعت نخوتها، وقايضت حرية قراراها بمزيّف السلامة المغشوشة.               
حكاية جيل يبحث عن ذاته بعد أن تقطّعت به السبل، فلا هو مُسَلِّمٌ بأصالته ولا هو مقتنع بانخراطه في الحداثة. يعرّي نوري بوزيد عنف لحظة الانسلاخ عبر تسليط الضوء على أجساد معنّفة مشيّئة ممزقة مشروخة دامية مكدّسة مغسّلة مكفّنة.
يدور القص حول تراجيديا الجسد الأنثوي داخل مجتمع عربي مسلم، وتعالج الحكاية استحالة إفلات ذلك الجسد من وصاية رجولة محرومة لا ترى فيه غير ما تمضيه الغريزة وتدفع إليه الشهوة. تتيح لعبة المرايا المحدبة المراوحة بين أنموذجين معبّرين، فالأنثى النازعة إلى الإخفاء تكفيرا عن الانزلاق في "الخطيئة" تُدفع إلى التبرجّ كي تحتفظ بمصدر رزق ضنين وتجابه مصيرا لم تختره بإرادتها، في حين تنكشف اللعبة لتلك التي تُصرّ على رفض التحجب رضوخا لمنطق المواضعات الاجتماعية لتفك خيوط أحبولة نسجها خطيبها الانتهازي المتأسلم ناصبا شركها بدهاء دافعا عائلتها إلى القبول بها والانحراط فيها.
في أقل من ساعتين من الزمن تعيدنا مشاهد الشريط إلى هزة لحظة المخاض العسير حيث يختلط وعد الصباح الجديد بخشية التأذي والسقوط ضحية لعنف"الحاكم" البغيض ووصاية الدولة المتغوّلة وصلف الذكورة الهائجة والعائلة المتفسخة واحتقار المرأة لذاتها وانتقامها المروّع من جميع من يحيطون بها. تبدو اللوحة غاية في القتامة، لكأننا نشتم رائحة الغاز المسيل للدموع ونتلظى في سعير ملحمة المنازلة، لكأننا نستعيد رجفة سقوط الضحايا ونصحب موتهم المهيب والشجاع.
غير أن فَجَاءَة العدم لا تستطيع مهما ثقلت أرزائها أن تودي بمنطق التمسّك بالحياة والإصرار على الخروج من ظلمة النفق. يعلي نوري بوزيد، في توافق تام مع سينما المؤلف وفي استشراف للقادم يجاوز بأطوال قدرة من يقاسمونه الوطن على التمثّل، نشيد الحياة، مصرّا على عودة البريق في عيون المغدورين في شبابهم والقطع مع "الكُبي" الناشر لثقافة الرياء بالدين والعذاب السرمدي والملل المميت والإرهاب المروّع.  



                         

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire