lundi 20 avril 2020

الفيلسوف الإيطالي ايمانويل كوتشيا: حُرّا ، فوضويّا ، لامرئيّا ، بلا انتماء ، يملك الفيروس قوّة تحويل كلّ الكائنات الحيّة (ترجمة كمال الهلالي - الصحافة اليوم)

























في إطار الملف الذي خصّصته "مجلة فلسفة " الفرنسية لكوفيد 19 وحاورت فيه علماء وفلاسفة حول الجائحة التي تعصف بعالمنا الان، أدلى الفيلسوف الإيطالي ايمانويل كوتشا بدلوه ، وقدّم مقاربة مختلفة تذكّرنا بحقائق نتغاضى عنها: الحياة بأشكالها الألف امتداد واحد ولسنا وحدنا، نحن البشر، من يملك "مزيّة " التدمير. فيروس كوفيد 19 ، الضئيل والحقير يستطيع أن يشلّ الحياة ويوقف الحضارة. 

****في كتابك الأخير" تحولات"، تقولون أنّ كل الكائنات الحيّة تتحدّر من نفس الحياة التي تتحوّل باستمرار. هل هذا ما نختبره كلّنا الآن للأسف مع الوباء ؟ 

-الصفحتان الأخيرتان من "تحولات"- المكتوبتان قبل الجائحة الحالية- مخصّصتان للفيروسات. أطرح فيهما فكرة أنّ الفيروس هو الشاكلة التي يوجد بها المستقبل في الحاضر. الفيروس، في الواقع، هو قوّة محضة للتحول الذي يسري من حياة إلى أخرى دون أن تكتفي بحدود الجسد. حرّا، فوضويّا ، لامرئيّا بالكاد، بلا انتماء فردي ، يملك الفيروس قوّة تحويل كلّ الكائنات الحيّة ويتيح لها أن تتحقّق في شكلها الفريد. تذكّروا أن قسما من ميراثنا الجيني ADN ، في حدود 8/ دون ريب، مصدرها فيروسي. الفيروسات قوّة تجديد، تغيير، تحويل، ولها قدرة محتملة على الابتكار الذي لعب دورا أساسيا في النشوء والارتقاء الطبيعيين l’evolution . الفيروسات شاهد على أنّنا في إرثنا الجيني شتاتٌ فريد جدّا bricolages multispécifiques . كتب جيل دولوز في كتابه mille plateaux ( بالإشتراك مع فيلكس غاتري، منشورات مينوي ،1980 ) يقول: 

« nous faisons rhizome avec nos virus, ou plutôt nos virus nous font faire rhizome avec d’autres bêtes ». 

من هذا المنظور يبدو المستقبل، كمرض للهوية وسرطان للحاضر: يجبر كلّ الكائنات الحيّة على التحوّل. يجب أن نمرض، أن نستسلم للعدوى، وأن ننتهي إلى الموت، كي نتيح للحياة أن تتبع مسارها وللمستقبل ان يُولد. 

** هذه الشاكلة في النظر إلى الأشياء تبدو مربكة وغير مُطمئنة ... 

- قوة التغيير التي تملكها الفيروسات تثير فينا دون شكّ شيئا من الخوف في الوقت الذي يشرع فيه كوفيد 19 في تغيير عالمنا بعمق. سيتمّ تجاوز الأزمة الوبائية في النهاية، ولكنّ بروز هذا الوباء بدّل دون رجعة طرائقنا في العيش، الحقائق الاجتماعية، التوازنات الجيوسياسية. الخوف الذي نشعر به اليوم نتج في قسم كبير منه ممّا اختبرناه من أنّ الكائن الحيّ الأصغر قادر على شلّ الحضارة الإنسانية الأفضل تجهيزا من الناحية التقنية. هذه القدرة على التبديل لكائن لا مرئي، ينتج عنها كما أعتقد، التشكيك في نرجسية مجتمعاتنا. 

** ماذا تقصد ؟ 

-لا أعني فقط النرجسية التي تجعل من الإنسان سيدا على الطبيعة، بل أيضا النرجسية التي تنتهي بنا إلى نسبة، قوة تدميرية خارقة للتوازنات الطبيعية خاصة، إلى الإنسان. لا نزال نعتبر أنفسنا كائنات مميّزة، مختلفة، استثنائية، بما في ذلك تدبّرنا للأضرار التي نتسبّب بها للكائنات الحيّة الأخرى. ومع ذلك، فإنّ هذه القدرة التدميرية، تماما مثل القدرة على الإنشاء génération، مُوزّعة بشكل عادل على كلّ كائن حيّ . الانسان ليس الكائن المُميّز الذي يبدّل من الطبيعة. بإمكان أية بكتيريا، أيّ فيروس، أيّة حشرة أن تضرّ العالم ضررا كبيرا. 

*** هل يجب أن تدفعنا الجائحة الحاليّة إلى تغيير فكرتنا عن الطبيعة ؟ 

-تواصل الإيكولوجيا المعاصرة في التغذّي من مخيال تبدو فيه الأرض بيتا للحياة. هذه الفكرة مُضمرة في كلمتي ايكولوجيا ونظام ايكولوجي: فـ oikos، في الاغريقية، تعني المنزل، المجال الخاص المرتب بعناية ( la sphère domestique bien organisée ) . في الحقيقة، ليست الطبيعة مملكة للتوازن الدائم، حيث يستقرّ الكلّ في مكانه. الطبيعة فضاءٌ للابتكار الدائم للكائنات الحية الجديدة التي تأتي لتزعج توازنها. كلّ الكائنات تهاجر، كلّ الكائنات تحتلّ منازل الآخرين. هذه هي الحياة، في العمق. 

*** بالإضافة إلى الخوف من الفيروس، هل يكشف الجو السائد الان بالنسبة لك عن خوف من الموت ؟ 

-بالتأكيد. من الطبيعي ان نخاف من الموت وأن نكافح ضدّه في إطار الممكن. ومن الطبيعي أن نتخذ اجراءات لحماية المجموعة وخاصة أعضاءها الأكثر هشاشة. ولكن فيما وراء الأزمة التي نمرّ بها، تميل مجتمعاتنا إلى التغاضي عن الموت وإلى النظر إلى الحياة الفردية كمطلق. في حين أنّ الحياة التي نحياها لا تبدأ بولادتنا: إنّها حياة أمّنا التي تواصلت فينا وستتواصل في ابنائنا. نحن من نفْس الجسد، نفْس النفس، نفْس ذرات أمهاتنا اللواتي حضنّنا طيلة تسعة أشهر. الحياة تعبُر من جسد إلى آخر، من نوع إلى آخر، من مملكة إلى أخرى من خلال الولادة، الغذاء وبالأخصّ الموت. لذلك وبسبب أننا نقتسم (بشر، آكل النمل الحُرشفي، نبات، فُقاع، فيروس...) نفس الحياة ذاته فإنّنا معرّضون للموت: فقط لأنّ الحياة التي أحوزها بقدرتها أن تصبح حياة شخص آخر فمن الممكن أن افقدها. 

*** هل الموت نهاية للحياة ؟ 

-لا، الموت تحوّلٌ لنفس الحياة التي تسري وتتّخذ باستمرار أشكالا أخرى. حين نموت، نُورث هذه الحياة إلى كائنات أخرى. الإعتقاد بأنّ الحياة التي تعتمل فينا تتوقّف مع موت أجسادنا هي نتيجة للاعلاء من ذواتنا fétichisation de notre moi - للفكرة التي تقول أنّ كلّ واحد فينا يملك حياة أصيلة، تخصّه وحده. يجب التحرّر من هذا الفهم. 

*** هذه المقاربة تحرّرنا ولكنها تزعجنا، أليس كذلك ؟ 

- الحياة ذاتها مربكة وغامضة. كلّ حياة هي إمكان للخلق، للابتكار: كلّ حياة قادرة على فرض نظام جديد، منظور جديد، شاكلة جديدة في الوجود. ولكنّ هذا الانفتاح على المجهول يستدعي معه دائما جانبا مظلما ومدمّرا. يكفي أن نفكّر في واقعة التغذّي الأولية: حياتنا قائمة بالكامل على جثث الأحياء. جسدنا مقبرة لعدد هائل من الكائنات الأخرى. و نحن أيضا سنُلتهم من كائنات أخرى(....). 

***يجب التخلي إذا عن الفكرة التقليدية عن تراتبية الأنواع ؟ 

بالطبع.نحن نعتبر، بطريقة عفوية، أنّ الحيوان أرقى من النبات، وأنّ النبات أرقى من البكتيريا، وهكذا دواليك. مع ذلك، أشكال الحياة الصغرى ليست أشكال الحياة التي تحتوي أقلّ عناصر او الأكثر بدائية. لا يوجد كائن حيّ واحد حافظ على الشكل الذي كان له منذ ملايين السنوات. كلّ كائن حيّ يملك، من خلفه، قصّة سحيقة تضمّه والكائنات الأخرى. تطوّر الفيروسات، مثلا، ذو صلة بتطور الكائنات الحية الأخرى، لأنّها " تتغذّى" من أجزاء من الADN. 

*** ماهي خاصيّة نمط وجود الفيروسات ؟ 

أولا، يدور حولها نقاش لن يُحسم باعتقادي أبدا: هل الفيروسات كائنات حيّة؟ هذا النقاش النظري، كما أراه ، لايعدو أن يكون إلاّ سؤالا أسيء طرحه. يوجد دائما الجماد non-vivant في الحي. نحن والتراب من نفس المادة: نملك بنية جُزيئيّة structure moléculaireبها نسبة ما من المعدن. هناك كتاب جميل جدّا لتوماس هيمس يقترح علينا فيه أن نتحدث عن " ما تحت الحياة" infra-vies عوضا عن الجماد non-vivants. تُختزل الفيروسات تقريبا في الADN أو الARN ، باختصار في مواد جينية. هي لا تملك بنية خلوية، قلبا، ميتندوريات mitochondries إلخ.. وهو أمر يدعو إلى العجب، لأنّ الخلية تمْثل غالبا كوحدة أساسية مشتركة بين كلّ الكائنات الحية. حتّى البكتيريا تملك بنية خلوية، رغم كونها أوّلية. مهما كان الأمر، تحتاج الفيروسات، لإعادة إنتاج نفسها، إلى الاعتماد على بُنى بيولوجية أوسع: إنّها " تُقرصن " خلايا الأجساد الأخرى وتنقل إليها أوامر جينية جديدة كي تتكاثر. 

****هل يجب أن نقبل بأنّ الفيروسات تشكّل جزءا من الكائنات المتعدّدة التي تسكننا ؟ 

نحن جميعا أجساد تنقل كميات هائلة من البكتيريا، الفيروسات، الفقاع، ومن كائنات من غير الإنسان. ثمة 100 مليار من البكتيريا تترواح بين 500 و1000 نوع، اختارت أن تسكن فينا. ذلك يشكل أكثر من عشرة أضعاف الخلايا التي يتشكل منها جذعنا. باختصار، لسنا كائنا حيّا واحدا، بل تجمّع سكّاني، حديقة حيوان متنقلة نوعا ما، زريبة حيوان. وإذا ما تعمقنا أكثر، ثمة كائنات لا انسانية متعدّدة – بدءا من الفيروسات- ساهمت في تشكيل جسم الإنسان، شكله وبنيته. بذلك، فإنّ ميتندوري mitochondries خلايانا، التي تنتج الطاقة، هي نتيجة لاندماج البكتيريا فينا. هذه البديهيات العلمية يجب ان تنتهي بنا إلى التشكيك بالفرد باعتباره جوهرا، وبفكرة أنّ كلّ كيان منكفئ على ذاته ومنغلق على العالم وعلى الغيريّة. ولكن يجب أن نقطع أيضا مع النظر إلى الأنواع باعتبارها جواهرا substantialisation des espèces . 

*** ماذا تريد أن تقول ؟ 

في تمشّ مُضاد للعلم، خلقنا هاوية بين مختلف الأنواع. لم نستوعب بالكامل حدْس دروين الذي لم يكن يودّ القول: "" الإنسان منحدر من الرئيسيات primates "، بل: " لا يوجد نوع نقيّ ، الكائنات جميعا هي خليط عجيب، صنع بديع chimère ، شتاتٌ bricolage ، كشكول من الهويات الجينيّة متكونة من الأنواع الأخرى التي سبقته". خُلقنا من بعضنا البعض، نحمل معنا العلامة على وفرة الأشكال التي عبرتها الحياة قبل ان تنشأ الشكل الإنساني. انظروا إلى جسد الإنسان: أغلب ملامحه المورفولوجية مثل الأنف أو العيون ليست إنسانية تخصيصا. حياتنا بالكاد إنسانية. نحن، الأحياء، خلاصة نفس الحياة التي جاءت من مكان آخر والمتبدّلة قليلا. حياة بدأت قبلنا بكثير. كلّ نوع يشبه الفراشة بالنسبة لنوع آخر والشرنقة المستعدّة للتحوّل إلى أنواع أخرى بلا عدّ. الحجة الحاسمة على ذلك، من وجهة نظر كيمائية، تكمن في أنّنا نتقاسم نفس الآلة الجينيّة – ADN وARN . 

*** لكي نختم ، ماذا تنصحون بقراءته في أزمنة الحظر هذه ؟ 

هناك نصّ بديع لأدولف ليوبولد " أوديسه " [1942, lien en anglais], يروي فيه قصة الحياة من منظور ذرّة تعبر أشكالا مختلفة من الحياة. هذه القراءة تسمح لنا بإدراك أنّ كلّ ما يحيط بنا يقتسم معنا ذات النفس وذات الحياة.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire