mardi 9 février 2021

"سنوات الرمل" لعدنان المنصر بين منجز المؤرخ وتأملات الفاعل السياسي

 












 

       لم يحصل أن التقت بعدنان المنصر بعد اغتيال شكري بلعيد الذي نُحي الذكرى الثامنة لاغتياله الغادر في السادس من شهر فيفري سنة 2013. لكنه أصرّ وفي بداية السنة الجديدة على الاتصال بي للإعراب عن ابتهاجه بقيمة المنجز الذي حمله كتاب "أخبار التونسيين..." الصادر في غضون سنة 2019 بعد أن قُيّد له الاطلاع على محتواه. على أن يجمعني به منذ أيام لقاء ودّي أهداني خلاله مشكورا نسخة من قطافه الجديد، وهو أثر صاغ ضمنه جملة من الخواطر أو التأملات السياسية المفيدة بخصوص محصلة مباشرته لإدارة الديوان الرئاسي في الفترة المتراوحة بين 2011 و2014.

اختار عدنان المنصر لتأملاته عنوانا لا يخلو من إيماء أو من تضمين لمنسوب الحيرة التي انتابته ولا تزال بخصوص طبيعة القراءة التي ينبغي على مؤرخ الزمن الراهن وكذا الناشط المساهم في صناعة القرار السياسي أن يقترحها بخصوص ما حملته تلك المرحلة الحساسة من وقائع مفصلية. فـ "سنوات الرمل..." طباق لفظي يحيل على "سنوات الجمر" وهو عنوان شريط سينمائي أنجزه الأخضر حامينة وحاز على السعفة الذهبية لمهرجان كان الذائع الصيت. كما يحيل أمر تلك الاستعارة على ألة قيس الزمن الرملية Sablier  أو رصيفتها المائية clepsydre  تعبيرا على فكرة محورية تحيل على ما نعته المؤلف، بعد تحليل وتفكيك للوقائع وفي غواية دالة، بـحالة "التسرّب" قاصدا بذلك انفراط عقد الثورة الذي اغتالته حسّا ومعنى -وبدم بارد- أشكال معقّدة هدفها إعادة انتاج منظومة الاستبداد والتظليل على ذلك بالتعويل على بريق الانتقال الديمقراطي، ذاك الذي استحكمت المعادلات المحافظة على مضامينه ولوّنت مختلف تمظهراته.

من دواعي الانصاف أن نعترف لصاحب هذا الكتاب في البدء بقيمة منجزه باعتباره شهادة مهمّة ترسم بصدق مدركاته أو تمثله الشخصي لما عاشه باعتباره فاعل سياسي وصانع قرار احتل مع غيره الصف الأمامي في متابعة ما عاينته تلك الفترة من أحداث سياسية مهمّة ومفصلية في تاريخ تونس، سواء قبل موعد حصول أول انتخابات ديمقراطية تونسيا، أو بعد ذلك (الانتساب إلى حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية، وأمانة حزب حراك المواطنين العامة، وعضوية الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والاستشارة لدى الرئاسة المنبثقة عن المجلس التأسيسي والنُطق باسمها، والاشراف على الديوان الرئاسي، وإدارة حملة المرشح للانتخابات الرئاسية المنصف المروزقي في دورتيها الأولى والحاسمة).

كثافة التجربة السياسية وحصولها في سياق محدود زمنيا اتسم بالتسارع الجنوني لنسق الاحداث، هو ما أضفى على هذه الشهادة أهمية مضاعفة، باعتبارها محاولة لتملي تلك المرحلة العصيبة من موقعي المؤرخ المختصّ في تاريخ تونس المعاصر والفاعل الذي خاض تجربة النضال السياسي وشارك في صناعة القرار.                  

جاء في الكتاب:

تضمنت عروض الكتاب الذي ورد في أكثر من مائتي صفحة، وبالإضافة إلى التقديم والفصل الختامي الذي حمل عنوان "أسئلة الأمس أسئلة اليوم"، أربعة فصول تعرّضت تباعا لما وسمه المؤلف بـ: "السرديات المتصارعة"، و"ورقصة النخب"، و"الدولة المغلقة"، و"مآزق...أنفاق بلا نوافذ".

فقد بتّ التقديم في محدودية الفعل الثوري تونسيا بوصفه مجافيا للدولة، معتبرا أن هذه الأخيرة لم تبرح الأفق الذي أحدثت من أجله، وأن "مسارها الهجين" قد تراوح حاضرا "بين المحافظة على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية القديمة والتعايش مع مقتضيات الحرية، قصد تسويق نفس السياسات". وهو ما يفسر في تقديره دائما عملية الدوران في الفراغ طوال العشرية المنقضية، مع الامعان في السطو على ما مثّلته الثورة من طموح لتحقيق العدل والكرامة والحرية.

أما بخصوص الأفق المنهجي لهذا العرض فقد سارع المؤلف بالتنويه إلى أن موضوعه قد "نشأ في ضميره كرغبة في الفهم" واقتراح منهج لذلك، تحدوه "مسافة مزدوجة" تحيل على الوقائع وتأمل التجربة الشخصية، قصد رؤية الأشياء بأكبر قدر من الوضوح، ضمانا لاتساق مقترحه التركيبي.

يقّر عدنان المنصر منذ البداية بأن الجميع قد أخطأ الطريق منهمكا في ما أسماه بعملية "بناء في الرمل"، لذلك بدت الثورة غربية عن التونسيين والديمقراطية أيضا، مضيفا أن معالجته ليست توثيقية أو أدبية ذاتية، بل خليط من "التفكّر في التجربة وفي المرحلة"، في ضوء ما بوسع مرآة الاشتغال بالعلوم الإنسانية أن تعكسه.     

"من لا يعرف الحكاية لا يملك أرض الحكاية"  

ليس بنا أي حاجة للدخول في مساجلة مع المؤلِف بخصوص مختلف ما تصدى لصياغته من مضامين، غير أننا لن نكتف مع ذلك بإنجاز تغطية شاملة لها من شأنها أن تدفع إلى الاقبال على اقتنائه، وهو ما لا نترفّع عن اتمامه. غير أن ما نبتغي التركيز عليه بشكل تفضيلي هو مناقشة بعض التصوّرات الطريفة واللافتة التي لا يمكن ألاّ تحرك فضول المؤرخ فينا.

فقد عقد المؤلِف فصلا كاملا لما نعته بـ "السرديات المتصارعة" (37 صفحة)، وهو ما شكّل من منظورنا الشخصي نوع من المصادرة الفاقدة لما يسندها ضمن أشكال صياغة ما تمّ الاتفاق على اعتباره "سردية رسمية". هذه الحقيقة لم يكن الكاتب - وهو العارف بتجربة الدولة الوطنية - ذاهلا عنها، فقد بادر بالإشارة إلى مختلف المحاولات التي دفعت باتجاه ما سمي بـ "إعادة كتابة التاريخ"، سواء بعد سنة 1987 أو مع حلول سنة 2012. وهو توجّه اعتبر بوضوح أنه لا يخرج عن إطار التهويم الذي أوشك على تحويل سردية الثورة إلى "مجرد شعوذة"، لا يرجى منها معرفيّا أي طائل. لذلك فإن المطلوب هو الكفّ عن استدعاء "المظلومية" بالتعويل على لبوس "العمالة"، من جانب، أو تشغيل آليات التخويف والدعوة إلى مزيد الانغلاق تحصينا للمكتسبات من محترفي الدعاوى الحاقدة "غدرا وخيانة وتآمرا". هذا الاصطفاف له ما يبرره تاريخيا في النظرة الدونية لسكان الحواضر والسواحل لأهل البداوة والنجعة، وذلك منذ خروج الفواطم والزحف الهلالي على إفريقية، وهو ما يؤصّل لحقيقة "التوجس" بين المتبنين للسردية الرسمية والمحترزين عليها، مع ندرة المحاولات الرامية لإنجاز مراجعات شجاعة بخصوصها، تسمح بفتح قنوات التنافذ بينها والترفّع عن جميع دواعي تحويلها إلى رقعة تصويب أو التحشيد باسمها.

يقرّ المؤلِف وهو على تمام الصواب أن تدمير أي سردية وإحلال أخرى مكانها يحتاج إلى قراءة متجانسة، لا يمكن أن تنبني على تصريحات متهافتة على شاكلة تلك التي صدرت عن رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، حتى وإن اتخذ مسافة أمان من "غضبة المؤرخين" تجاه حملات الـ "تجني على التاريخ بعامة والسردية الوطنية بخاصة". لأن في ذلك تناقض مع دور المؤرخ باعتباره "مثوّر للسرديات وكاشف لعاهاتها". وحتى وإن أستنكر المؤلِف بهذا الصدد الانزلاق باتجاه وسم الغاضبين بـ "حوقة ناكري الاستقلال"، فإنه قد حذّرهم من السقوط في حديّة مقابلة باللجوء إلى تحويل ما أسموه بـ "السردية الوطنية" إلى "عقيدة أو إلى نوع من الإيمان الذي لا يجب أن يقترب من حدوده أحد"، وخاصة بعد أن سارع المنتصرون في انتخابات 2014 إلى إعادة تسمية جانب من "شارع ثورة 14 جانفي" بـ "شارع بورقيبة"، وإعادة تماثيله حيث مواقعها، كما التبرؤ من فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والسعي إلى إعادة "رسكلة" المحسوبين على حزب التجمّع، وجميعها تصرفات لا تزيد إلا في تعطيل صياغة حكاية جديدة تسمح بامتلاك أرض الحكاية وإعطاء مضمون واقعي للتدرّب على المواطنة وصياغة عمودها الفِقَري.                      

"دولة مغلقة" أم عدم قدرة على اختراع مشروع مجتمعي بديل؟

عقد عدنان المنصر فصلين للاستعراض جملة من التصوّرات بخصوص أشكال تجدّد النخب السياسية تونسيا (43 صفحة) ومعضلة ما وسمه بـ "انغلاق الدولة بعد انتخابات أكتوبر 2011 (41 صفحة)، مبيّنا أن العنصر المحفّز في تجدّد النخب هو "المفاصل الزمنية الكبرى"، سواء بالنسبة لانتقال السلطة من أيادي المماليك إلى الأعيان الموالين للإدارة الاستعمارية، فمناضلي الحركة الوطنية المحسوبين على الخط البورقيبي من متعلمي جهات الساحل التونسي لاحقا، وصولا إلى نخب السلطة المنبثقة عن تبدّل المشهد السياسي في غضون سنة 2011.

ولئن أقر المؤلِف بأن أمر ذلك لا يستقيم غالبا إلا من داخل الجهاز الحاكم، فإن حقيقة ذلك لم تتعارض مع الحضور الدائم لما سمّاه بـ "نُخب الظل"، تلك التي تكون في حالة تحفّز دائم بغرض الإطاحة بالمنظومة التي همشتها. على أن يتمثل القانون الناظم للعبة السياسية تونسيا في قدرة الدولة على إعادة انتاج نفسها كلما طالتها عوامل التفكّك، وذلك على غرار ما أثبتته انتفاضة 1864 أو ثورة 2011 أيضا في صراعهما الـمُعلن ضد المنظومة القديمة أو ما أسماه بـ "الطبقة السياسية" الموصومة بـ "العجز والفساد والفشل". وهي حقيقة توسّع المؤلِف في تحليلها من خلال توضيح علاقة المنظومة القديمة ممثّلة في الرئيسين فؤاد المبزع والباجي قائد السبسي بزعامات المعارضة النقدية ذات النفس اليساري، قاصدا بذلك "الحزب الديمقراطي التقدمي" و"حزب المسار" في البداية، ثم النقابيين فالإسلاميين لاحقا، وذلك عبر تشغيل آليات ما أسماه بـ "بتبادل الهواجس والطموحات" أو "تبادل الشرعيات وتنافذها" من منظورنا الشخصي.

ومهما يكن من أمر فقد بدت لنا عروض المؤلِف بهذا الصدد متأثرة بالتاريخ السياسي من زاوية إعادة تملّك مكتسبات التاريخ الاجتماعي للنخب المثقفة، وفقا لما أفاضت في تحليله منهجيا مباحث "بيار بورديو Pierre Bourdieu "، غير أن تعريف الحراك الاجتماعي وتعقّب مسار إدماج المثقفين داخل أجهزة الدولة قد عفا عن العديد من المفاهيم الإجرائية التي أقحمتها تلك المدرسة على غرار "إعادة الإنتاج reproduction" و"التمايز الاجتماعي différenciation sociale" و"العادة habitus" و"الرأسمال الرمزي capital symbolique" و"العنف الرمزي violence symbolique". فقد تبيّن منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي وطوال مرحلة التسعينات تركّز البحث في الثقافة التاريخية على مفاهيم جديدة تحيل على "الوساطة"، و"الانتقال"، و"كيفية التلقي" Médiation, transition et transmission ، وهي مجالات لوّنت تيارا كاملا في كتابة التاريخ لدى أغلب المختصين في قراءة التحولات السياسية للقرن العشرين وتوسّع الحديث عن "الثقافة التاريخية" بعد إخراجها عن مجال العلوم السياسية ومواءمتها مع خصوصيات البحوث التاريخية.

فأي خطب هو ذاك الذي حمل الضالعين في تفسير القوانين وأبرز الوسطاء السياسيين (بما في ذلك "البرجوازي الصغير "عدنان المنصر) على مجاراة ما نعته بـ "العقل الدستوري" التونسي، ذاك الذي فضّل على الدوام فضّ نزاعاته وحل أزماته بـ "طريقة تجارية، أي بمنطق لا غالب ولا مغلوب"؟ هذه السجيّة أو الطبيعة الثانية للتونسيين هي ما يكشف مرة أخرى على الشفرة الـمُغلقة للتعويذة المتلبّسة بـ "السردية الوطنية"، وهي التي تحيل أيضا على الثالوث الحاسم الذي أغلق على الحقيقة "قوس الثورة"، المتكوّن فيما نزعم من "الاستقرار والمرونة والتشعّب". فقد تم الاتفاق على تقاسم منافع السلطة بين الدستوريين والإسلاميين ودخلت كبريات منظمات المجتمع المدني على الخطّ معتّمة على حقيقة إرجاء مسألة التداول السلمي إلى أجل غير مسمّى. الشيء الذي أفادت منه الدولة وإدارتها المترنحة والمتورّطة بشكل مخزي في تشغيل الآليات المشعبة والشبكات الغامضة لنوع من "التحيّل المشروع"، وذلك بالتوازي مع عدم اكتمال مشروع تمدين الدولة الوطنية الأخرس l’inachèvement de sa sécularité muette  ، وهي حقيقة ماثلة أبلت السردية الوطنية بلاء حاسما في التغطية على كارثيتها.   

تعابير سعيدة وأخرى مجافية لها  

اصطفى المؤلف وضمن الفصل الرابع من كتابه (38 صفحة) واقعة حصلت له شخصيا مع أحد بؤساء دواخل ولاية القصرين قصد التدليل على انفراط كل أمال في احترام "أحلام الناس [التي] لا [ينبغي أن] يُنسَّب منها شيء" تجنّبا للانزلاق في الإهمال واحتفاظا بما يكفي من شحنة "النزوع الرومنسي للثورة" والسقوط تبعا في "غواية السلطة" بالانصياع لمنطق العادة الذي ينظم الحقل السياسي ويفصله عن الحقل الاجتماعي ويقرب الفاعلين السياسيين تبعا لذلك من مطحنة "ساعة الرمل". فقد تم الاغضاء عن مفردة الثورة لصالح عبارة الانتقال الديمقراطي، قبل أن يتم السقوط بالكامل في الشعبويّة السياسية والضجر من النخب ومن الديمقراطية في آن، مع ابتسار الثقافة السياسة في الثنائيات المتضادة: تقدميين/ رجعيين / لائكيين/ مؤمنين، والنفخ في سعير التخويف قصد مزيد الاستقطاب والتحشيد، فضلا عن رسوخ الاعتقاد بأن جميع أشكال التحيّل ليست سوى مظهرا من مظاهر الشخصية التونسية.

جميع ما سقناه وغيره ينم عن فهم دقيق ومعمّق لما حصل بين 2011 و2014 لو لم يتم النزوع ببقية العروض نحو نوع من المصادرات الصادمة أو الجمل المتنمرة بالغيرية السياسية "expressions malheureuses et phrases assassines"، هدفها التورية على سقطات الفريق الرئاسي زمن عهدة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي أو الإشادة بمنجزاته. من ذلك مثلا:

-      التشكيك من إمكانية قبول الاسلاميين الاعتراف بمسؤوليتهم الأخلاقية في اغتيالات سنة 2013 وقبولهم التكتيكي للحوار مع خصومهم من أجل انقاذ البلاد من الوقوع في شرك الاقتتال فحسب.

-      اعتبار ما حصل من حوار بين الخصوم برعاية منظمات المجتمع المدني عملية إخراج لاتفاق سياسي مسبق تقاسم بموجبه حزبا النهضة والنداء الحكم على قاعدة عودة المنظومة القديمة وتشريك الإسلاميين. الأمر الذي أزرى بمراجعة السردية وتوسيع قاعدة تبني مضامين التحديث والديمقراطية ومكافحة الشبكات الغامضة للتحيّل ومحاسبة الضالعين فيها طوال العهد السابق. مع التوجّه بشكل مدروس وضمن حقلي التعيين السياسي الدستوري والإسلامي نحو الاحتفاظ بالأشكال القديمة لحسم الصراعات، من دون التعرّف بشكل واضح على الطرف الغالب في مقابل الشق المغلوب.

-      انعدام أي ثقة في الخصوم السياسيين الإسلاميين أولئك الذين تعاملوا مع الثورة باعتبارها "فرصة للسيطرة على المشهد"، مع رفض تقديم أدنى تنازل كلما كانوا في موقع القوة، واندفاعهم حال التراجع سياسيا نحو نوع من "إعادة الانتشار" الذي سمح لهم على المدى المنظور بالسيطرة بشكل أفضل على دواليب الدولة. لذلك لم تلعب الأفكار دورا محوريا في توجهات زعاماتهم إلا من أجل التحشيد، على أن يتم ركنها بمجرد النجاح في ذلك.

-      استحواذ النهضة على الطاقة المحتدمة للثورة وعلى العقلانية الباردة للدولة معا.

ومع ذلك فإن مختلف هذه التحفظات لم تحل بين المؤلِف وبين التفطّن إلى أن "الورطة" الحقيقة لما بعد سنة 2011 قد تمثلت ولا تزال في قدرة التونسيين على اختراع مشروع مجتمعي جديد تلتقي حوله إراداتهم على شاكلة ما حصل بعد تصفيّة الاستعمار الفرنسي، وهي مهمّة محورية ينبغي على نخب النضال السياسي كما على الفكرين التصدي لها. فما حصل مع بالغ الأسف لم يتمثل في فشل المستبدين في التحوّل إلى ديمقراطيين، بل في عبور الديمقراطيين النهر للالتحاق بضفة جلاديهم، وذلك في انسجام تام مع نموذج الثقافة السياسية المهيمنة. لذلك فإن ما تعيشه البلاد في جميع شتاءاتها الحارة ومنذ عشرية كاملة ينم عن فشل ذريع في إكساب الفعل السياسي مضمونا اقتصاديا واجتماعيا. فـ "الناس لا يرفضون الاستبداد إذا ما توفّر على مضمون اجتماعي، غير أنهم لا يقبلون بالديمقراطية إذا ما تبين عجزها عن تلبية حاجياتهم الاجتماعية."./.                           

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire