vendredi 17 juin 2011

رواق اللوحات المفقودة

              
 
 في الزوايا المعتّمة لمتاهة لاوعينا تقبع ذكريات متشضية يعسر الجزم بحصولها على غير الشاكلة التي ترسخت بها في أذهاننا، هناك في تلك الثنايا المظلمة حكايات غريبة مربكة نتكتم عنها نقصيها عن مدار قولنا لا نريد لها أن ترى النور. مجرد الحديث عنها أو الخوض في تفاصيلها يجر إلى مجاهل لم تنقلها سجلات الوقائع وصمتت عنها حوليات التاريخ وأخبار مؤرخيه. حكايات نزقة ترفّعت عمّا لاكته ألسنة الرواة، أُوصدت عليها أغوار السرائر ولم تَطُلها أعين المتطفلين ولا مسامع المحدّثين.
حكاية من تلك الحكايات، نرويها على مهل، نقلّب في دفاتر فاعليها، نرصد ما وصلنا من أخبار سيرهم، نأتي على مبذولها ونحفر فيمّا غاض من أسرارها. حكاية سبق للسجلات أن رتّبت مضامينها، قال فيها أساطين المؤرخين كلمة فصلا، حتى لم يعد يجدي النبش في أخبار من عاشوها. مدارها مسطح ماء يعانق الغرب المتحفز الجسور فيه شرقا منكفئا حائرا.
توهّج الشمس وعافية الماء، صفاء السماء واتساع المسافات. ما الذي يحجبه الأفق عن منتهى البصر عندما يرتدّ طرفه خاسئا؟ ما الذي يعنيه أن تدفع بك الأرحام شمال مسطح الماء أو جنوبه، شرقيّه أو غربيّه؟ وحدها قدرة الفعل عند بني البشر كفيلة بشق برزخ لاكتهال الرؤى، تُبصر الأعين بعد الأفئدة عنده أن سمائها واحدة وشموسها وآفاقها أيضا.
كُثْرٌ هم أبطال حكايتنا، باعدت بينهم مجاهل المعارف وشعائر الديانات ونحو اللغات، وقرّبت ضرورات العيش وتصاريف المعاملات واللهث وراء ما يتيحه الكسب من تشابك للمصالح وموفور الجاه وسعة الثراء. بعضهم سطع نجمه فيلسوفا حكيما أو شاعرا فذا أو موسيقارا مُلْهَمًا أو عالِما مستكشفا، والآخر استهواه الترحال بين المرافئ دافعا به حبّ إطلاعه إلى التكشّف عن حقيقة ذاته الممزوجة بمدلول غيريته، أو حنّكته فنون الملك وخِدْمَة السّاسة فاسترق أضوائهم ولازمت أخباره أخبارهم. تفصل بين ضفتي مسطح الماء شمال أو جنوبا شرقا أو غربا، قلوب منـزعجة وأهواء متفرّقة. مدى طويلا من الملاحم والمنازلات وطوفان من الضغائن والأحقاد تجلوها محطّات لافتة للاحتكاك ووقفات تعارف مستَرقة لفها الكتمان واستأصلها عن دائرة التفكير عَنَتُ الهويات القاتلة مع كثرة الشواهد وتعدّد البراهين المسفهة لذلك. تلامس أمواج اللُجين الطافح مرافئ عمّرها التباغض لا ترى سلامتها في غير دحر خصومها فعلا ومعنى، وحده الإبحار يفتح أبواب التلاقي واعدا بالسِعَة وموفور الكسب، أو دافعا إلى جحيم الأسر وأزف الأرواح...            

                            
                                                                     

3 commentaires:

  1. أهي بداية رواية؟أم خربشات انثالت لتقول بعض المعتّم المرعب فتسربلت ببلاغة نبيلة فاخرة ؟....في الحالات جميعا نصّ ممتع مكتوب بدم القلب.
    تحياتي أيها المخربش

    RépondreSupprimer
  2. !تريدأن أقدم لساني للقط
    Tu veux que je donne ma langue au chat!

    RépondreSupprimer
  3. نصك ممتع وصعب المراس في آن كالبحر الأبيض المتوسط بكل تاريخه و تعبيراته و أزماته و ظاهره وباطنه وبسيطه ومعقده وقصيرو وطويله وما الى ذلك من معروف ممجوج ومجهول مرهق وبسيط ساذج ومعقد صعب التفكيك من نواحيه الرمزية والزمنية والمادية والمجالية والبشرية في أعمق أعماقها وليس من المبالغة أصلا ان ارتبطت الحكاية أو الرواية وفي كل الحضارات بالتاريخ والتأريخ بما أن الكلام واللغة يسكنان الإنسان وعلى هذا الأخير أن يسكنهما حتى لا يتصدع الميثاق بينهما

    أحمد جدي

    RépondreSupprimer