jeudi 24 mai 2012

الأصول الجمالية والفلسفية للفن الإسلامي

يتميز الفن الإسلامي باتساع جغرافي كبير فقد امتد من سمرقند شرقا إلى قرطبة غربا ومن اشبيلية شمالا إلى الفسطاط فالقطائع جنوبا. ونتج عن ذلك احتكاك الفن الإسلامي بثقافات متنوعة وجنسيات مختلفة مما أورث الفنون سمة التنوع الناتج عن تمازج الحضارات المصرية الفرعونية والهندية القديمة والبابلية والأشورية والصينية القديمة وتفاعل مختلف أساليب تعبيرها بعد انصهارها جميعا في بوتقة الحضارة الإسلامية. على أن ذلك الموروث قد انفتح على الغرب في غضون القرنين الماضيين، متبنّيا جانبا من قيمه الجمالية والثقافية وخاصة بعد الاختراقات التقنية التي حققتها الثورة التكنولوجية بعد انتشار وسائط الإعلام الحديثة. ويعد احترام التراث الفني بجعله ركيزة للمعاصرة والبحث عن ذاتية حضارية خاصة عملا استراتيجيا من صميم مسؤولية المبدعين والمثقفين والفاعلين السياسيين والمدنيين. لأن رهان الأصالة متصل بالنجاح في الانخراط في الحداثة الكونية دون أن يترتب عن ذلك أي شعور بالتفسخ أو الذوبان.

  مدلول الفن الإسلامي: 


الفن الإسلامي تراث حضاري عالمي يمثل حقبة مزدهرة لابد من إقامة جسور للتواصل بيننا وبينها لنستمد منها عناصر بقائنا وحضورنا واستمرارنا، إذ ما رمنا امتلاك هوية حضارية خاصة بنا تعكس أصالتنا وشخصيتنا في تفرّدها وتفاعلها مع القيم الكونية في آن. يتكون التراث الإسلامي من جانبين واحد مادي ملموس يتصل بالإنتاج الفني المتمثل في الآثار والمعالم والإبداعات مادية كانت أم لا مادية، وجانب فكري يتصل بالقيم ومجمل التوجهات والأفكار التي صاحبت نمو التراث الإسلامي ورفدته مشكلة على مر العصور حاضنة محورية لمختلف أنماطه وتياراته، فالتراث الإسلامي يستبطن بالإضافة إلى شكله الجمالي قيما ومعايير عميقة الأصول لها ارتباط وثيق بتكوّن الشخصية المميزة للمسلمين ماضيا وحاضرا. ففعل النهضة وفقا لما أكده جابر عصفور مثلا ليس استعارة سلبية لنموذج مغاير يتوفر عليه الأخر، إنما يحب أن يكون له امتداد تاريخي في الحاضر وعلاقة نقدية بالتراث تعيد تأويله وفقا لأسئلة الحاضر، وهو مدلول التحضّر والتقدم والمعاصرة والانفتاح والإبداع الذي لا يقنع بالإتباع وينشد الحيوية والتنوع والتغيير على الحقيقة. لا يمكن إنكار وجود جمالية إسلامية شكل الفكر الإسلامي أهم مرتكزاتها. مما يطرح سؤال جوهري يدور مضمونه حول مدى صحة القول بتوفر المجال الإسلامي قديما وحديثا على علم جمال إسلامي يتعين تحديد سماته ومضمون الإجابات التي يقدمها لنا بخصوص معنى الفن وفلسفته والهدف من وجوده والقيم الجمالية التي يصدر عنها كإبداع بشري تحيل عليه الآثار الفنية بألوانها وخطوطها وكيفية استغلالها للمساحات أو توظيفها؟ يتوفر التوحيد كحقيقة فكرية على انعكاسات جمالية تحيل على التجريد كمضمون جمالي وفلسفي معا يُؤْثر المدلول المعنوي على ما سواه من خلال التعويل على التكرار وتوظيفه بغرض التكشّف على المطلق المتناظر مع قوانين الكون التي نَعْبُـرُ من خلالها إلى ما وراء الواقع. ويبرز ذلك من خلال أهمية المركزية كمدلول جمالي في الفن الإسلامي يحاكي المركزية الكونية بالمراوحة بين الحيز والفراغ واستلهام النور والتوازن كمعيار جمالي وفلسفي في آن. وينبني تعامل الفن الإسلامي مع الطبيعة على توجه أساسي يرفع رهان تحويلها إلى معادل فلسفي جمالي ولغة تعبير جمالية عن الكل من خلال الجزء وعن اللانهائي كمدلول جمالي وفلسفي أيضا. تقتضي دواعي الإنصاف والموضوعية الاعتبار بوجود فلسفة جمالية للفنون الإسلامية قابلة لتأسيس مضامين فنية معاصرة تتسم بالأصالة والتفتح على مختلف المدارس الجمالية الكونية في آن. ويمكن اختزال تلك الخصائص والسمات الجوهرية التي صاغت مختلف مظاهر الفن الإسلامي في النقاط التالية: - التوحيد كحقيقة فكرية وانعكاسه على الفن من خلال التعبير على المطلق - الوحدة والتنوع ضمن مختلف مجالات الفنون الإسلامية - التجريد كمضمون جمالي وفلسفي - التكرار كمدلول جمالي ذا مغزى فلسفي - النظام الهندسي في الفن الإسلامي (العمارة) وارتباطه بالنظام الكوني - النفاذ من خلال الواقع إلى ما ورائه والتعبير عن ذلك فنيا. - المركزية كمدلول جمالي في الفن الإسلامي وارتباطها بالمركزية الكونية كمدلول فلسفي - الحيز والفراغ في الفن الإسلامي ومدلوله الفلسفي - الفلسفة الجمالية للنور في الفن الإسلامي - لغة التعبير الجمالي عن الكلّ من خلال الجزء أي الانتقال من الشكل الجمالي المباشر إلى المعنى الكلّي العام - تحويل مظاهر الطبيعة إلى معادل حمالي فلسفي (الأرابيسك) اللانهاية كسمة جمالية ومدلولها الفلسفي. تستقي فلسفة الجمال الإسلامية نسغها من كبار الفلاسفة والمفكرين على غرار ابن سينا والفارابي وابن حزم وابن رشد والكندي والتوحيدي والمتصوفة على غرار ابن عربي والسهروردي وجلال الدين الرومي وغيرهم.

  أراء الفلاسفة والمتصوفة المسلمين بخصوص الفن والجمال: المعنى اللغوي للجمال:


 "الجمال صفة تلحظ في الأشياء تبعث في النفس سرورا ورضا" ويذكر صاحب اللسان أن "الجمال يقع على الصور والمعاني". والجُمّال البالغ في الجمال والأكثر جمالا وهو أبلغ من الجمال. وجمل جمالا حسن خًلقه وخُلُقه فهو جميل وجَمْلاَءُ هي الجميلة وجمعها جمائل. وجمَّله يعني حسّنه وزيّنه. وقد ذكر لفظ الجمال في القرآن في عدة مواضع تحت مسميات عديدة تقع على الصور والمعاني من ذلك مثلا ما ورد بالآيتين 5 و 6 من سورة النحل: "والأنعام خلقنا لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تروحون وحين تسرحون". أو بالآية 10 من صورة المزّمل: "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا"
  أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة : يعرّف أبو حيان التوحيدي الجمال بأنه "كمال في الأعضاء وتناسب بين الأجزاء مقبول عند النفس ... وهو على نوعين: جمال مثالي: موضوعي يصل إليه العقل المجرد المستنير بالعلة الأولى، لا بالحواس القاصرة المضللة، لذلك هو جمال مطلق ثابت لا متغيّر ولا نسبي. جمال مادي: يصل إليه بالحواس، ولهذا فهو نسبي شرطي متغير، خاضع للتغير الاجتماعي، تابع للعادات والتقاليد المحلية والطبائع البشرية. ولتفريق الجمال عن ضده في النسبة يربط التوحيدي الجميل بالنافع والخيّر دون إغفال الغاية الروحية المثلى للجمال أي الوصول إلى المطلق أي الله، وهو كل الجمال.
أبو حامد الغزالي: يؤكد على تقسيم الجمال إلى: - جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأس وهو جمال حسي. - جمال الصورة الباطنة المدركة بعين القلب ونور البصيرة وهو جمال وجداني معتبرا أن الجمال الأول يدركه الصبيان والحيوان بينما يختص أرباب القلوب بإدراك الثاني ولا يشاركهم في ذلك من لا يعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا "فمن رأى حسن نقش النقاش وبناء البناء انكشف له من هذه الأفعال صفاتها الجميلة الباطنة اليت يرجع حاصلها إلى العمل والقدرة...والجميل المطلق هو الواحد الذي لا ضد له، الصمد الذي لا منازع له، الغني الذي لا حاجو له، القادر الذي يفعل ما يشاء". وإذا كان الجمال بتناسب الخلقة وصفاء اللون أدرك بحاسة البصر، وإذا كان بالجلال والعظمة وعلى الرتبة وحسن الصفات والأخلاق أدرك بحاسة القلب، مؤكدا أن لا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا وهو حسنة من حسنات الله وأثرة من آثار كرمه وغرفة من بحر جوده سواء أُدرك بالعقول أو بالحواس وجماله تعالى لا يُتصور له ثان لا في المكان ولا في الوجود". فالجمال عنده إذا على ثلاثة: جمال حسي يدرك بالحواس، وجمال وحداني يدرك بالقلب، وجمال عقلي يدرك بالعقل. وهو يميّز بين العقل والقلب ومؤكدا أن المعقولات تولّد لذة في العقل، وأن هذه اللذة مرجعها جمال العقول. ويُفرق بين جمال المعقول وجمال الصفات الباطنة التي يستشفها الوجدان.
  ابن قيم الجوزية: يتحدث عن – جمال الظاهر – وجمال الباطن ويرى أن هذا الأخير هو المحبوب لذاته وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة وهو محل نظر الله من عبده ومُوْضِعَ محبته.
  ابن حزم الأندلسي: تعرض ضمن طوق الحمامة إلى أن الجمال هو " أن النفس الحسنة تولع بكل شيء حسن، وتميل إلى التصاوير المتقنة، وهي إذا رأت بعضها ثبتت فيه، فإن ميزت ورائها شيئا من أشكالها، لم يتجاوز حبها الصورة، وإن للصوّر لتوصيل عجيبا بين أجزاء النفوس النائية".
  جلال الدين الرومي مؤسس الطريقة المولوية: يتساءل "هل يرسم الرسام صورة جميلة حبّا في الصورة نفسها دون أن يأمل المنفعة من ورائها؟ وهل يكتب الخطاط كتابة فنية حبّا في الكتابة عينها دون أن تكزن القراءة هي غايته منها؟" ويجيب "إن الصورة الظاهرة إنما رُسمت لكي تدرك الصورة الباطنة التي تشكلت من أجل إدراك صورة باطنة أخرى على قدر نفاذ البصيرة".
 توضّح مختلف هذه العينات أن قضايا جمالية عديدة قد طرحت وتم تحليلها من قبل الفكر الإسلامي على غرار مدلول الجمال والجلال، قرون قبل تناولها من طرف علم الجمال الحديث. ومن بين الباحثين المختصين المعاصرين المنظرين لعلم الجمال الإسلامي نشير إلى أبحاث عفيف بهنسي وعبد الفتاح وراس قلعة جى وسمير الصايغ فضلا عن أعمال العديد من المستشرقين على غرار Titus Berckhardt, Olegue Graber et Gustave Le Bon تناولت مختلف البحوث المتصلة بالفن الإسلامي نشأة هذا الفن ومدارسه وعمائره ومدارس الرسم والزخارف الكتابية والهندسية والنباتية ورسوم الحيوان ضمن المجالات الفنية المختلفة كالخزف والمنسوجات والسجاد والحفر على الخشب والعاج والعظام والتحف المعدنية والزجاج والبلور والحفر على الحجر والجصّ والمقرنصات، بدأ من مرحلة الإسلام التأسيسي مرورا بالعصرين الأموي والعباسي والفاطمي والمملوكي والسلجوقي والمغولي، وصولا إلى المرحلة العثمانية فالاستعمارية فمرحلة نشوء الدول الوطنية عند أواسط القرن الماضي. وغالبا ما تناولت مجمل تلك البحوث الفن الإسلامي من خلال تصنيف الأعمال الفنية إلى مجالات كالعمارة والخزف والزخارف وتحويل المعادن والزجاج والنسيج والخشب إلى أعمال إبداعية والبحث في الجوانب التقنية لواحد من تلك المجالات. في حين تقف دراسات أخرى عند حدود التصنيف التاريخي والسياسي من خلال نظرة تاريخية تصنّف الفن الإسلامي من خلال العصور الأموية أو العباسية أو المملوكية أو السلجوقية أو الفاطمية أو العثمانية...وما يميز كل عصر عن الآخر. أما معظم الدراسات الإستشراقية وجانب من البحوث المتأثرة بها عربيا وإسلاميا، فقد ركزت على محاكاة الفن الإسلامي للموروث البيزنطي والروماني الهليني أو الساساني الفارسي، والحال أنه قد تجاوز حدودها المكانية مشكلا جغرافيته الثقافية الخاصة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، مع تميز أصلي يركّز على مدلول الوحدة في إطار التنوع، وهي سمة جمالية ملازمة للفن الإسلامي. وإلى هذا ينعَت الإستشراق الفن الإسلامي بسمة الفن الزخرفي التزيني ويدرجه ضمن مُسَمّى الفنون الصغرى الحرفيّة أو التطبيقية، مشكّكا في قيمه الجمالية اعتبارا لفشله في محاكاة الواقع وهروبه إلى الزينة الزخرفية.
مدلول الفن الحديث وصعوبات إعادة تملكه إسلاميا: 

يُعنى علم الجمال الحديث بقوانين التطور العامة للفن باعتباره أعلى شكل في عملية الاستيعاب الجمالي للواقع. ويبحث حاضرا في حقيقة الوعي الإنساني الذي يعتبر انعكاسا للوجود. ولئن يعسر عامة تعريف الجمال فأن وجوده كحقيقة ماثلة يدفعنا إلى اعتباره صفة أو مجموعة من الصفات أو القيم الكامنة في الأشياء الطبيعية أو المصنوعة وفق نظام خاص ودقيق وبعلاقات خاصة تحدث إحساس بالمتعة والرضا وهي قيم لابد منها لأنها تهذب السلوك وترتقي بالذوق العام وتدفع بالمجتمعات في طريق التقدم. لقد تم تمثّل التحديث الفني داخل المجال الإسلامي عامة على أنه توجه فوقي فرضه الغزو الخارجي، لم ينبع مطلقا عن حراك الفاعلين الداخلين. لذلك كثيرا ما اخذ شكلا تغريبيا، أجج الخلافات وعمّق الضغائن بين الغرب والشرق. والبيّن أن الفنون مختلف الحديثة لم يطل تأثيرها غير بعض مظاهر الحياة السطحية، وعدد محدود من الفئات الاجتماعية وخاصة المثقفين والميسورين وجانب من كبار أعوان الدولة الذين انخرطوا شكليا في سياق ذلك التأهيل الفكري والثقافي، وهو ما زاد في سخط المدافعين عن التوجهات المغالية في الوطنية أو "العروبية" أو"الإسلاموية" المغالية، مُضخما من الفوارق الاجتماعية ومُعمقا مشاعر التفسخ الأخلاقي والذوبان الثقافي. حاول "جاك بيرك Jacques Berque" و"غوستاف فون غرونباوم Gustav von Grünbaum " على سبيل المثال إنجاز تحليل معمّق لبعض مظاهر تلك العلاقة المأزومة بالحداثة التي طالت منظومة القيم الثقافية، فتبين لغرونباوم أن مسار التحديث قد وضع الشعوب والدول المنتسبة إلى الثقافة الإسلامية في مواجهة أساسية مع هويتها وقيمها الثقافية، بينما عثر ج. بيرك ضمن لغة التخاطب العربية حاضرا عن الإطار العاكس للقطيعة بين ما هو عصري / وما يحيل على التقليد. فمن خلال دراسته للأشكال الأدبية والفنية الحديثة التي برزت في عالم عربي كان يجهل تماما مند قرن أو يزيد فنون الرسم والنحت والأدب بالمعنى الذي سحبته الحداثة على جميعها، توصّل جاك بيرك إلى الكشف عن التناقضات التي تودي، وعبر مختلف مظاهر الفعل الإبداعي (المقال والرواية والموسيقى والمسرح والسينما...) إلى حصول تشنجات لافتة تؤذن في بعض الحالات بحصول تصلّب غير مسبوق للقيم الثقافية السائدة. ففي ظل مثل تلك القيم الثقافية التي لا يخلو ضمنها عاديُ الأمور من تمسّك مرضي بالتقليد، يُلحَق كل استثناء "يجرؤ على الزيغ" عن هذا الإطار، وفي متقاسم المجتمع الذهني إن بشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة، بأصول أجنبية ويستدعى ردود فعل إستئصالية وتكفيرية عنيفة. وهكذا يخلص بيرك إلى أن الحداثة الفنية لا تشغل عربيا وإسلاميا دور الإبداع الحر المثوّر لقيم المجتمع، بقدر ما تحيل مضامينها على النقل أو على المثاقفة، وذلك ضمن إطار تبادلي عقيم بين مفاهيم مشدودة إلى أصالة لا تخلو من حسّية وتسطيح، وقيم خارجية منقولة دون تدبّر عن ثقافة الأخر الغربي. يعتبر بودلير Baudelaire ضمن مقال له حمل عنوان "رسام الحياة الحديثة Le peintre de la vie moderne" نُشر خلال سنة 1863 الحداثة الفنية تجسيما "لكل ما تنجلي عنه الصيرورة التاريخية من شاعرية". كما عمد إلى اشتقاق مدلول التقليعة أو الموضة في كلمة mode، رابطا بذلك بينها وبين لفظة حديث moderne التي طغى عليها راهنا الاعتناء بالميسم والحركة والقيافة، بالإضافة إلى سجل الإشارات وشفرة فكّ دلالتها، معتبرا أن لكل مرحلة تاريخية طريقة مخصوصة في ذلك "تشكّل روح الحياة الخارجية لذلك الزمن في راهنيته"، لذلك يرى في تقليعات الموضة مؤشرا ذو دلالة هامة فيما يتصل بالتعرّف على تطور الذوق المعبِّر عن عالم الـمُثل الذي غالبا ما يرقى وضمن الذائقة البشرية فوق جميع ما نكدّسه وفي إطار ما نعيشه يوميا من تافه التصوّرات وضئيل أو منحط الممارسات. يتساوق هذا التصوّر الذي صاغه بودلير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع فهم "رولان بارط Roland Barthes"، في القرن العشرين للحداثة الفنية. فقد اعتبرها نوعا من السير على الأطراف ومغامرة تنجز على الهامش، غير متفقة مع الضوابط الناظمة للتصرفات المقبولة اجتماعيا وأخلاقيا، وهي تصرفات تحميها سلطة القديم وقداسته. وهي فكر يتسم بعدم الاكتمال يقبل عن طواعية تسرّب الشك إليه والخضوع إلى النقد على الدوام. كما أنها نزوع باتجاه الخلق وقطيعة معلنة مع جميع التوجهات الفكرية والنظريات المستندة على التقليد الذي يجعل من القديم مرجعا ومن التصوّرات المدرسية قاعدة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire