lundi 25 juin 2012

الإسلاميون في تونس مقاربة سياقية



دخل المجتمع التونسي الذي عاش إرهاصات مرحلة ما بعد الاستقلال في أزمة عميقة في نهاية الستينات، وهي أزمة طالت المجتمع كما الذهنيات بالتزامن مع التحوّلات التي عاينتها الدواخل في العمق وأدت إلى الدخول في منعرج حاسم أشر عليه احتداد الصراع بين الداعين من موقع الاتباعية إلى ضرورة تبني الحداثة الغربية قصد اللحاق بالدول المتقدمة وبين المدافعين من موقع المحافظة على الموروث الثقافي العربي الإسلامي وقوامه التمسك بآراء السلف.
على أن احتداد الفوارق الاجتماعية هو ما عمق الاصطفاف، موسعا عملية الاستقطاب وفي صفوف  الشباب الجامعي خاصة بين التوجهات اليسارية التي قابلتها دعوة إلى العودة إلى الإسلام في مدلوله الكلي والشمولي.
فما هي الظروف التي حفّت ببروز القائمين على الاختيارات السياسية المطبوعة بتوجهات احتجاجية إسلاموية تونسيا؟ وما طبيعة الخلافات الفكرية التي شقتها خلال مرحلة النزال مع الطبقة السياسية الدستورية المهيمنة؟ وكيف يقدم الإسلاميون النهضويون أنفسهم بعد تحولات ثورة الرابع عشر من جانفي ووصولهم إلى السلطة عبر شرعية الاقتراع؟

مرحلة التأسيس: 

تعود الهبة الأولى لهذه التوجهات إلى الأحداث التي جدت بمدينة القيروان في 17 جانفي 1961 والتي تزعمها إمام جامع عقبة عبد الرحمان خليف. غير أن الحركة الإسلامية لم تتشكل في تونس إلا في حدود سنة 1970 وذلك بالتزامن مع تأسيس المجلة الإسلامية الشهرية "المعرفة". وكانت النواة الأولى لهذا التنظيم متأثرة بالأدبيات الإخوانية التي صاغها كل من حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي، مع انضباط في العمل الجماعي واحترام لفقه الدعوة ومبايعة للأكبر سنا.
وجدت هذه المجموعة دعما صريحا من الشيخ محمد صالح النيفر وصاحب مجلة المعرفة ومموّلها الشيخ الزيتوني عبد القادر سلامة. وفي مقابل هذا التيار الذي قرّبت آرائه إلى واسع القراء والمطلعين مجلة المعرفة، تشكّلت حلقات دروس بجامع الزيتونة أدارها الشيخ أحمد بن ميلاد والشيخ الخياري وبرز ضمن حلقة الشيخ بن ميلاد الناشط الإسلامي عبد الفتاح مورو الذي سرعان ما استقل بحلقته الخاصة بحامع حمودة باشا ثم بجامع سيدي يوسف، موجّها المنتسبين إلى حلقته توجيها تبليغيا يدعو الناس إلى أداء الفروض وتصحيح الإيمان.
وجد كلا الفريقين (نواة المعرفة وحلقات الجوامع قبولا واسعا لدى شق من أبناء الملاكين والبرجوازية التقليدية والتجار الذين تأثروا سلبيا بسلبيات التجربة الاشتراكية التعاضدية. كما دعّمت الحراك جمعية المحافظة على القرآن الكريم التي تكونت سنة 1969 بمبادرة من الشيخ الحبيب المستاوي الذي كانت له حلقة خاصة بجامع الزيتونة، والذي بعث من جانبه مجلة "جوهر الإسلام" قبل ذلك بسنة واحدة. كان المستاوي يوسفيا إلا أنه سرعان ما عاد إلى حضيرة الحزب الدستوري، مقتنعا بعد أن تم انتخابه عضو بلجنته المركزية بإمكانية تغييره من الداخل.
سجّلت نفس السنة عودة الشيخ راشد الغنوشي إلى تونس الذي لعب دورا أساسيا في تطوير الفكر النظري لما عرف لاحقا بالاتجاه الإسلامي. وهو من مواليد 1941 بحامة قابس درس بالزيتونة والخلدونية وحصل على درجة التحصيل سنة 1962 التحق بالقاهرة سنة 1963 ثم بدمشق في بداية سنة 1965 حيث حصل سنة 1968 من جامعتها على الأستاذية في الفلسفة. انتقل إلى باريس لاستكمال دراساته العليا، غير أنه اضطر إلى الانقطاع عائدا إلى تونس لينتدب أستاذا بالمعاهد الثانوية لتدريس مادة الفلسفة.
انخرط الغنوشي أيام التحصيل في باريس في جماعة التبليغ ومارس الدعوة بمسجد Belle-Ville وفقا للنظريات الإخوانية وكتابات المودودي وتوجهات مالك بن نبي، فضلا عن رصيده المعرفي في علوم التربية والنظريات الفلسفية. كوّن الغنوشي مع حلول سنة 1970 حلقة خاصة به في تونس في جامع سيدي يوسف وذلك بتشجيع من عبد الفتاح مورو وحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي. وضمت تلك الحلقة قرابة الثلاثين شابا من طلبته في صف الباكالوريا بمعهد ابن شرف. وهي النواة التي اضطلعت بعد ذلك بنشر الأفكار الإسلامية بالجامعة التونسية.  
خاضت المجموعة معركة تأسيس الجوامع بالمؤسسات العلمية (معهد بورقيبة للغات الحيّة) والمبيتات الجامعية (مبيت رأس الطابية) واحتواء جانب من الطلبة الريفيين الذين عانوا من الاغتراب وضعف حسّ التراحم والتعاون داخل المجال الحضري لمدينة تونس، لذلك تم التركيز منذ الانطلاق على أن مشروع الإصلاح المجتمعي الإسلامي لا يمكن أن يتم خارج العمل الجماعي تطابقا مع دور مؤسسات الدولة التي تعمل على نشر أنموذجها الموسوم بالعلمانية.
وبالجملة يمكن القول أن الحركة الإسلامية في تونس كانت ملتقى لتيار واسع شكل راشد الغنوشي بأفكاره الإخوانية (سيد قطب) والسلفية (ناصر الدين الألباني الذي تتلمذ في حلقته) والتأملية (مالك بن نبي) معينه الفكري، بينما عاضده الشيخ عبد الفتاح مورو المتشبّع بأفكار أحمد بن ميلاد الزتونية والصوفية والتحق بهما وبحماعتهما صالح كركر المختص في الدراسات الاقتصادية الذي كان له دورا محوريا في تطوير العمل داخل المؤسسات الجامعية والشبيبة الطلابية. 
ويمكن القول أن العلاقة بشيوخ الزيتونة "النيفر وسلامة وابن ميلاد" قد مثلت تفاعلا مع تراث التدين التونسي، مُطعّمة التوجهات الإخوانية الوافدة من المشرق. لذلك كانت الملامح الأولى للتفكير لدى الإسلاميين أخلاقوية إلى درجة التبسيط وغارقة في الماضوية واللاتاريخية، مبتورة الصلة بالواقعين الشعبي والسياسي.
تتألف الظاهرة الإسلامية التونسية من العناصر التالية:
-    التدين التقليدي التونسي المنتسب إلى المذهب المالكي والعقائد الأشعرية والتربية الصوفية.
-    الخطاب السلفي الإخواني القادم من المشرق
-    التيار الإسلامي العقلاني المستند إلى التراث الإسلامي ونقد التوحهات الاخوانية باعتبارها سلفية وإعادة الاعتبار للغرب العقلاني وللمدرسة الإصلاحية التونسية (خير الدين والحداد) ومنجزاتها الحديثة من خلال حركة الإصلاح التي أنجزتها الدولة الوطنية على أيام بورقيبة، كنشر التعليم وتحرير المرأة والدفاع على الدولة الوطنية والمدنية. وينطلق الخطاب الإيديولوجي للحركة الإسلامية من واقع التخلّف لينفي أن يكون للإسلام ضلع فيه، فالمسؤولية تعود بالأساس على فكر الانحطاط وغزو الاستعمار.
استشعرت الدولة والحزب الدستوري إمكانية توظيف الحركة الإسلامية الدعوية في مواجهة التيار الديمقراطي وفصائل اليسار بالجامعة فوفر لنشاطها بالجامعة الحماية منذ سنة 1975 حتى تمكنت من اختراق فصائل اليسار وساهمت بجلاء في تفكيكها، وهو ما فشلت هياكل الدولة في الوصول إليه سواء باستعمال وسائل القمع أو أساليب الاحتواء. فقد حصلت اتصالات بين الطرفين الدستوري والإسلامي بغرض التنسيق لهكذا خطة شملت بالأساس عبد الفتاح مورو الذي اعترف خلال محاكمات 1981 باتسام العلاقات بين الطرفين حتى سنة 1979 بالدفء والانسجام.
وما إن حلت ثمانيات القرن الماضي حتى حقّقت الحركة الإسلامية بتونس انتشارا واسعا بدأ باختراق الجامعة أولا ثم انتقل بدرجة أقل إلى أوساط الفئات الحديثة العهد بالتمدن خاصة بعد تراجع الإيديولجيات التي احتلت حقل الرفض والاحتجاج في الجامعة (اليسار الماركسي والقوميين)
ويفسر أولوفي روا Olivier Roy ضمن مؤلفه "تجربة الإسلام السياسي" نجاح هذا المسعى داخل مجتمعات مفككة البني إلى عدم تركيزه على العودة إلى الماضي، بل على الاستيلاء على الحداثة وتملّكها داخل الهوية المستعادة. فالإسلاميون يدعون إلى التنمية الصناعية والعمران المدني ومحو الأمية وتحصيل العلوم حاثين جميع المقهورين والمستضعفين على بلوغ مستوى رفيع من التنمية مع القدرة على دخول عالم الاستهلاك الذي لطالما تم استبعادهم منه. وإذا عنّ لنا اختصار مدلول "الإسلاموية التونسية" في جملة فإنه يصدق اعتبارها دعوة إلى تجديد الشريعة زائد الكهرباء L’Islamisme c’est la charia plus l’électricité .
 
احتداد الخلاقات الفكرية وظهور الإسلاميين التقدميين:

عاينت الساحة الاجتماعية والسياسية التونسية احتداد التناقضات داخل مختلف العائلات الفكرية السياسية بما في ذلك الدستورية ذاتها، ولم يعد بإمكان الإسلاميين بعد انتفاضة 26 جانفي 1978 أن يضلوا موحّدين حول شعار العودة إلى مجتمع السلف الصالح.
فقد لعب اتحاد الشغل دور الحاضنة السياسية للمعارضات اليسارية والقومية، وأبّعدت الأحداث العسكرية بقفصة سنة 1980 الوزير الأول الهادي نويرة عن السلطة، بينما واجه خلفه على رأس نفس المنصب محمد مزالي صعوبات سياسية واقتصادية واجتماعية جمّة (تراجع نسب النمو، بقاء القيادة الشرعية للإتحاد بالسجن، ومحاكمة حركة الاتجاه الإسلامي في شهر جويلية من سنة 1981 ).
حدّدت الحركة ضمن مجلتي "المجمتع" و"الحبيب" توجهاتها المستقبلية معتبرة أن الشكل السياسي- الديني  قد أضحى محدّدا لمختلف أوجه الصراع ضد القوى اليسارية الشيوعية والقومية والديمقراطية اعتبارا للدور القيادي الذي تلعبه في النضال النقابي والديمقراطي، وهو صراع على السلطة وفي الوقت نفسه من أجل تأسيس نمط من الدولة الدينية اعتبارا إلى أن الدين من منظور الحركات الإسلامية الأصولية هو الذي يحكم منطق التاريخ ويحركّه.
بدأت القطيعة في غضون سنة 1977 بين حميدة النيفر رئيس تحرير مجلة "المعرفة" والجماعة الإسلامية على خلفية رفضها نشر مقاله الداعي إلى تلافي الوقوع تونسيا في ما اقترفه الإخوان في مصر بعد انحراف سيد قطب على خط العمل العلني للشيخ حسن البنا. لكن الجماعة اعتبرت هذا التوجه مخالف لتوحيد الصفوف ونشرا لغسيل الحركة الداخلي، إلا أن حقيقة الخلاف تكمن في رفض جماعة النيفر الانتماء لأي حركة خارج البلاد للتباين مع الجماعة الإسلامية والدعوة إلى إسلام تاريخي لا فوق تاريخي بمقدوره أن يقطع مع وصاية فكر الإخوان وتجربتهم.
والبيّن بعد تطور الأحداث لاحقا أن جناح المكتب التنفيذي الذي مثله راشد الغنوشي وصالح كركر هو من كان وراء مثل ذلك الموقف الذي سانده بعد ذلك بقية عناصر المكتب على غرار عبد الفتاح مورو والفاضل البلدي.
تركّز نقد الإسلاميين التقدميين للحركة على الطبيعة السلفية لخطابها المتمسّك بالمرجعيات المستوردة (حسن البنا سيد قطب أبو الأعلى المودودي)، واتصال ذلك الفكر تاريخيا بالمدرسة الأشعرية الموصولة بفكر الشيخ ابن تيمية دون إغفال تأثيرات الغزالي والمنهج الحنبلي. لذلك برز تياران متباعدان واحد أصولي قادته أفكار البنا وقطب والمودودي وباقر الصدر والخميني، يعتبر الحركة الإسلامية التونسية امتدادا لتجارب هؤلاء القادة، علما أن الإسلام نافع لكل زمان ومكان وأن المسلمين آثمون ما دامت الدولة الإسلامية لم تتحقق. أما التيار الثاني فيعارض بشدة مسألة تحويل الحركة الإسلامية إلى حزب، مفضلا الاكتفاء بوضعيتها كالتيار ثقافي جماهيري.
ونستشف من خلال وثيقة صدرت عن هذا التيار سنة 1985 تحت عنوان "قراءة من الداخل لواقع العمل الإسلامي" النقد الصريح لفكر الإخوان والمعارضة التامة لتحوّل الحركة الإسلامية في تونس إلى حزب سياسي ذو توجهات احتجاجية إسلاموية بقيادة الشق الداعي إلى تسيس الحركة بزعامة الشيخ راشد الغنوشي. إلا أن هذا الشق المنسلخ عن الحركة ظل أقليا وعاجزا عن تغيير المعادلات خصوصا في فترة مد 1981 بلغت الحركة خلالها ذروتها. 
ويعتبر راشد الغنوشي أن هذا الانشقاق جاء في منعطف نظرا للتطوّر الذي عاينته الحركة الإسلامية في تونس، وأن بعض مركبات الجسم الإسلامي قد ذهبت شظايا من دون أن تتمزق الحركة، حتى وإن فقدت عدد من أهم عناصرها تلك التي لم تبد وفي تقدير الغنوشي الخاص دائما ما يكفي من الجلد والتحمّل والصبر على ضرورات التحوّل. على أن الغنوشي يعترف من جانب آخر أنه قد كان لهذا التحدي مفعولا إيجابيا في تطوير أفكار ومبادئ الإسلاميين، مُسهما في إكساب ذلك الفكر المناعة اللازمة في مقابل ما تعرض إليه من تشنّجات.
بث الإسلاميون التقدميون أفكارهم في بمجلة (15/ 21) التي حصلت على الترخيص في جوان 1982 وصدر عددها الأول في شهر نوفمبر من نفس السنة، حيث بلغت أعدادها حتى سنة 1991 موعد اختفائها 22 عددا، بلور من خلالها هذا التيار بالتفاعل مع العديد من المفكرين والجامعيين المختصين في الشأن الإسلامي على غرار حسن حنفي وهشام جعيط ومحمد أركون وعلى حرب ومحمد عابد الجابري أفكاره الداعية إلى:
- رفض انتزاع السلطة التشريعية من أيدي البشر بدعوى أنها تنبع من الله وحده.
- إذا ما كان الإسلام السماوي أصل والقرآن تعبير عنه، فأن الفكر الإسلامي محاولة لفهم ذلك الأصل القرآني ضمن واقع اجتماعي محدّد يسمح بالحرية المشخّصة، فكل مجتمع لا يمكن أن يكون إلا تاريخيا ومشخّصا. (تأثر بأفكار حسن حنفي والحاج جايت ورؤيته الجمالية).
-  أما الخصائص الإسلامية لكل مجمتع فهي ثلاث:
1 - فهو موضوع سياق وإعداد وتطبيق للقوانين المستلهمة من الشريعة، توافقا مع حاجيات المجتمع.
2 – وهو ذات طبيعة إنسانية بوسع الإنسان فيه أن يتفتح كشخص معنوي
3 – وهو أيضا الطموح الجماعي الذي يحدّد تطور المجتمع
وهكذا فبدلا من تنقية الإسلام من كل ما هو غريب، فإن المطلوب هو توحيد المجتمع مع الشريعة بحيث يكون كلاهما قابلا للتفتح على التطور آخذا في اعتباره حاجيات التنمية متحررا من العناصر الرجعية المنغصة النابعة من الداخل أو من الخارج.

3 – الجماعة الإسلامية من حركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة:
     
     تطورت البنية التنظيمية للحركة الإسلامية التونسية وتشكلت غالبية كوادرها من الوسط الجامعي الذي اتسمت برامجه بطغيان الطابع العلماني أو المدني المفصول عن جميع الحساسيات الدينية، متحدّرا من الفئات الوسطى الحديثة العهد بالتمدّن. لذلك يستقيم الزعم بأن توجهات الحركة لم تعد تستهدف النزعة المدنية التي قادتها الدولة الوطنية بزعامة بورقيبة بقدر ما هي نتاج للتحديث، وخاصة بعد أن أقر الحزب الحاكم  في مؤتمر أفريل 1981 سياسة التفتح والديمقراطية. وهو ما شجع قيادات الإسلاميين على عقد مؤتمر صحفي لعرض مبادئ الحركة المتمثلة في (رفض العلمانية للتمثل الحدي الذي تحمله في أذهان التونسيين كنقيض للدين – ارتباط الحركة بالقضية الإسلامية كونيا – رفض القومية العربية – اعتبار قضية فلسطين ثمرة انحراف حضاري).
تقدمت الحركة بالتوازي بطلب في الحصول على الترخيص في تكوين حزب سياسي قصد مباشرة النضال السياسي العلني. (وضم مكتب الحركة راشد الغنوشي- وعبد الفتاح مورو – وحمادي الجبالي – الحبيب اللوز – الحبيب السوسي). أما الهياكل فقد ضمت (مكتب الدراسات – مكتب المالية – مكتب الدعوة والعمل الاجتماعي – مكتب التربية والتكوين ). وتمثلت أهداف الحركة في (إعادة الحياة للمساجد كمركز للتعبد والتعبئة الجماهيرية – تنشيط الحركة الفكرية والثقافية – دعم التعريب –  رفض العنف كأداة للتغيير – رفض الانفراد بالسلطة – بلورة مفاهيم الإسلام الاجتماعية في صيغ معاصرة – تحرير الضمير الإسلامي إزاء الغرب).
غير أن السلطة لم تقبل بدخول الحركة غمار المنافسة السياسية، متهيّبة من مطالبتها بإجراء استفتاء حول مجلة الأحوال الشخصية، لذلك قررت اعتقال قيادات الحركة الإسلامية في 31 جويلية 1981 تحت غطاء الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها والنيل من كرامة الرئيس ونشر أنباء كاذبة وتوزيع منشورات معادية للسلطة، فضلا عن تهمة الارتباط بجهات أجنبية وتشكيل نظام سري قصد الشروع في القيام بأعمال تخريبية. كما اعتبرت مصالح الدولة أن طلب الحصول على ترخيص باسم حركة الاتجاه الإسلامي غير ذي موجب باعتبار الإسلام قاسما مشتركا بين التونسيين.
جسّم هذا الرفض تحوّل الحركة إلى جهاز معارضة سرية قوي خلال عقد الثمانيات. فقد وضّفت الحركة كل عناصر الاستمالة على غرار الرياضة والكشافة والترفيه والتثقيف، وامتد عملها ليخترق الأجهزة الأمنية والعسكرية وخاصة الأكاديميات.
ولئن تمكنت وساطة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (حمودة بن سلامة) من نزع فتيل التصادم بين السلطة والحركة بعد الإفراج على أمينها العام عبد الفتاح مورو الذي حكم عليه سنة 1981 بعشر سنوات سجن وقرر بورقيبة في أوت 1984 الإفراج على زعيم الحركة راشد الغنوشي وهو ما اعتبر نجاحا لها واعتراف ضمني بنضالها، فإن الاختلافات قد بقيت حاضرة بين القيادات والشبيبة الطلابية الإسلامية بخصوص الموقف من التعامل مع السلطة القائمة (من الطرح "النفاقي" للشيخ مورو إلى التنازل التكتيكي للشيخ الغنوشي إلى المصارحة بالمواجهة في حق الأوساط الطلابية الإسلامية).        
وانتهت التصدعات برفض مهادنة السلطة وإعادة السيطرة للخط الإخواني ورفض الرسالة الموجهة من قبل مورو إلى الرئيس بورقيبة. وهكذا فُسح المجال لقيادات الصف الثاني ومن أبرزها حمادي الجبالي المهندس المنتمي إلى التكنوقراط الذي عاضده علي العريّض، حتى تتولى تسيير الحركة من صائفة 1981 إلى مؤتمر سليمان السري سنة 1984. شكل حمادي الجبالي ومحمد شمام وهو أستاذ رياضيات الثنائي الأكثر حراك فيما يتصل بالتعبئة واختراق المؤسستين العسكرية والأمنية، في حين أعاد مؤتمر سليمان الذي ترأسه علي العريّض التنظيم إلى يد الشيخ الغنوشي الذي استوفى شروط الإمامة بمعناها الديني، متحوّلا إلى أمير للحركة الإسلامية التونسية. كما نشأت عن هذا المؤتمر لجان مختصة ترأسها أعضاء المكتب التنفيذي على غرار لجان القطاعات النقابية والسياسية والإعلامية، فضلا عن لجان التنظيم الإداري والمالي. وعلى صعيد متصل عاينت الجامعة بروز تنظيم نقابي طلابي إسلامي (الإتحاد العام التونسي للطلبة UGTE ) سنة 1985
أما بالدواخل فقد أشرف العمال على الولايات بالتنسيق المباشر مع القيادة وأحدثت مكاتب محليّة ومجالس استشارية تتولي التكوين السياسي والعقدي للمنخرطين الجدّد وتسهر على تجميع المساهمات المالية التي حُوّل جزء منها للقيادة. ولم يبخل عدد كبير من التجار على الحركة بالمساعدة المالية تحت غطاء إخراج الزكاة، وهو ما يمكن اعتبره تطوّرا مهما في نظام الحركة قياسا للمرحلة التأسيسية.
أما خلال المؤتمر السري لسنة 1986 الذي عقد بصاحية المنزه وترأسه حمادي الجبالي، فقد تمت المصادقة على "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي" وإقرار الوثيقة التوجيهية المسماة بـ"الاستراتيجيا" المبنية على "البلاغ والبديل والتمكين" مع انتخاب راشد الغنوشي رئيسا للحركة في حين ضم المكتب التنفيذي كل من الجبالي والعريّض وكركر وشمام والبلدي. إلا أن العثور على وثائق الحركة المحظورة قانونيا هو ما زجّ بزعاماتها وعلى رأسها راشد الغنوشي في السجون مع حلول شهر مارس من سنة 1987.
تمثلت أبرز العناصر المميزة لهذا التطوّر الذي عاينته الحركة الإسلامية في تونس بعد انفصال الجماعة الإسلامية عن حركة التبليغ وتحوّلها إلى حركة الاتجاه الإسلامي وابتعاد الشق الإسلامي التقدمي عن الطرح الرسمي، في بناء التنظيم السري وربطه بقضية السلطة السياسية البديلة باعتباره أداة لتأسيس الدولة الإسلامية والدعوة إلى الكفاح ضد الاستبداد السياسي والعمل على خلاص تونس من حكم "العمالة والخيانة والنهب"، وذلك باسم الإسلام وتحت رايته. لذلك فعّلت الدولة التوجه القائم على تجريم التصرفات الإرهابية وكل محاولة ترمي إلى قلب النظام بالقوة تأسّيا بالثورة الإيرانية. وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكام زجرية صارمة في حق مؤسس حركة الاتجاه الإسلامي المحظورة (السجن المؤبد) مع تنفيذ حكم الإعدام على عناصر من مجموعة "الجهاد الإسلامي" على غرار محرز بودقة وبولبابة دخيل. وأما تزايد المخاوف من مغبة تنفيذ الأحكام الزجرية في حق المسجونين تم الإعداد لعملية انقلاب من قبل ما سمي بـ"المجموعة الأمنية" حُدد تاريخ تنفيذها بالثامن من نوفمبر 1987، ولكن الانقلاب الأبيض الذي قاده زين العابدين بن علي هو ما مكن من إقصاء الرئيس بورقيبة من السلطة بحجة طبية قبل موعد التنفيذ بيوم واحد.
والبين أن المواقف المتشدّدة التي اتسم بها تعامل الحكّام الجدد مع الملف الإسلامي مردّه التحاق بعض العناصر اليسارية التي لعبت دورا  مهما داخل الحركة الطلابية (زهير الذوادي والمنصف قوجة وخميس كسيلة)، وهي ذات العناصر التي بلورت التصوّر الذي ارتضته السلطة في معالجة المشكلة الإسلامية والذي ترتب على توجه إيديولوجي صارم لا على موقف سياسي خاضع لموازين القوى.
فلئن حاول الرئيس الجديد للبلاد جرّ مختلف قوى المعارضة للإقرار بتوجهاته العاملة على التغيير من خلال إطلاق سراح القيادات الإسلامية بداية من شهر ماي 1988 وطي ملف الشخصيات السياسية التي حاكمها بورقيبة والسماح بعودة المنفيين وسن قانون جديد للأحزاب يقر بالتعددية ويضمن حرية تكوين الجمعيات، غير أن نظامه لم يتوصل إلى الخروج من التناقض بين منطق انتهاج الديمقراطية وبين دكتاتورية الحزب الواحد، مما أشّر موضوعيا على أن جميع الإجراءات التي اتخذها والتي شكّلت فخا سقط فيه الجميع بما في ذلك الإسلاميون، لم يكن بوسعها تغيير طبيعة السلطة جوهريا.
فلا العمل التعبوي الذي قام به الإسلاميون لإعادة الهدوء للشارع ولا تغيير اسم الحركة كي يصبح ملائما لقانون الأحزاب (حركة النهضة) ولا تحديد موقف واضح من مجلة الأحوال الشخصية واعتبارها صراحا اجتهاد إسلامي، ولا التأكيد على القبول بالتنافس في كنف ما تسمح به المعادلة السياسية الديمقراطية ولا التغيير الجذري الطارئ على كوادرها العاملين جنبا إلى جنب مع الفئات المتعلمة الحاملة لثقافة مدنية ولائكية، كان بوسعه أن يشفع لها لدى السلطة الحاكمة الجديدة فتقبل بالترخيص لها بالعمل السياسي العلني وهو ما بينته نتائج انتخابات جويلية 1989 التي أثبتت صدور الرئيس عن موقف أمني فاقد لأدنى متطلبات المعالجة السياسية لما اعتبر أن "لا مجال للاعتراف بحزب ديني".
وأوغلت الدولة بعيدا في توجهها من خلال تطبيق سياسة "تجفيف المنابع" وذلك عبر القطع ثقافيا وتربويا مع التصورات الدينية الميالة للنقل والدعوة إلى التدبر والتعوّد على استعمال ملكة العقل. كما تم توجيه المجتمع المدني نحو نبذ التدين والأصولية وتزهيده في الإقرار بالهوية العربية الإسلامية للمجتمع. في حين سيطرت السلطة على دور العبادة وأزالتها من الإدارات والجامعات والمؤسسات العامة، محوّلة الخطباء إلى مجرد موظفين يؤمون المصلين ويدافعون على السياسة الرسمية للدولة. كما مُنع ارتداء الحجاب رسميا في مواقع الشغل والتدريس وتم نعته بـ"الزي الطائفي"، وسلطت الرقابة على الأدبيات الإسلامية المتشدّدة الاحتجاجية منها والتراثية.
استغل النظام التونسي الجديد أزمة الخليج للخروج من مأزق الجمود السياسي وعدم قابليته للقبول بمنطق الديمقراطية السياسية التعددية مسوّقا لعمقه العربي الرافض للهجمة الغربية على مقدرات الأمة العربية، مستهدفا تهميش حركة النهضة وعزلها من خلال إظهارها بمظهر الموالي للأنظمة الخليجية وللامبريالية الأمريكية، مُقدّما نفسه للدوائر الغربية بمثابة الراعي لمصالح التحديث والضامن ضد زحف الحركات الأصولية. وتمخضت الأوضاع المتقلّبة إلى حصول انفلات ضمن العناصر الراديكالية العنيفة التي شكّلت الجناح الأكثر احتجاجية وجهادية من بين الخط السلفي من خلال الاعتداء على مقر التجمع الدستوري بباب سويقة وتشويه حارس المقر بماء النار. وهو أمر نفاه راشد الغنوشي بشدة معتبرا أن مسؤوليته تعود إلى "الأجهزة السرية" التونسية.
غير أن أهم ما تمخضت عنه تلك الأحداث هو النقد الذاتي الذي قام به راشد الغنوشي نفسه والذي اقرّ بوجوب تجاوز الإرث الإخواني والانخراط حقيقة في توجهات ديمقراطية تنبذ الاستبداد وتعتبر أن الحاكمية للشعب وأن حاكمية الله تمر عبر الشعب. بينما اعتبر الشيخ مورو أن أفضل المضامين التي بتعين على النهضة الاحتكام لها هو المنهج التحديثي الذي يقوم على أساس فصل الحركة الدينية على الحزب السياسي، دون أن يعني ذلك فصل الدين عن السياسة. وهي رؤية سياسية تحديثية ترمي إلى تجاوز التقابل والتناقض بين الإسلامية والأصولية والليبرالية السياسية، استلهاما لتجربة الحركة السلفية في المغرب التي تطوّرت في صيرورتها إلى حزب سياسي وطني هو حزب الاستقلال.
وهكذا تحولت "حركة النهضة" بالتدرّج إلى نهج سياسي متكيّف مع الظروف التاريخية والاجتماعية والثقافية للمجتمع التونسي وخصوصياته الثقافية المتأثرة بالنموذج الفرنسي. فقد تبنّت فكرة الديمقراطية واعترفت بالتعددية والتسامح والحرية باعتبارها جزء من موروث التونسيين العام، واختارت طريق تونسية إلى الإسلام والحداثة قوامها بلورة عقل إسلامي نقدي يتعايش مع أشد خصومه الإيديولوجيين من ممثلي اليسار الشيوعي على أرضية احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان وصون الهوية العربية الإسلامية للبلاد.
النهضويون وتحدي الانتقال الديمقراطي :
لم تملك تونس في عهد دكتاتورية الدستوريين مشروعا ديمقراطيا فقد كان التجمع الدستوري يعتمد على احتكار السياسة في مقابل الانفتاح الاقتصادي في أطار الليبرالية والعولمة. وفي المقابل عاينت حركة النهضة تحولات حقيقية في مسيرتها التاريخية عاملة على إقناع مختلف القوى المعارضة على أنها تمثل "إسلاما معتدلا" يقبل بالمواطنة الكاملة للتونسيين ويعلن عن تمسّكه بالتعددية وحرية الفكر والرأي والتعبير ويرمي إلى صون حقوق المرأة ومكاسبها.
عقدت الحركة ثماني مؤتمرات منذ تأسيسها معظمها حصل بالغرب، وهي تؤكد قبولها التام بالديمقراطية دون الحديث عن أي خصوصية حضارية أو دينية، محتكمة إلى الشعب وقابلة بمبدأ التداول على السلطة ومسلّمة باختيارات الشعب مهما كانت، معتبرة أن حكم الشريعة مرتهن بقبول الشعب له دونما حديث عن مرجعية دينية يرفضها المواطنون.
ويعتبر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أن النموذج التركي هو أقرب النماذج لحركته معتبرا أن هناك نقاط تشابه كثيرة بين حركة النهضة وحزب العدالة والتنمية وأن مرد ذلك هو انتشار كتبه ضمن أبرز مراجع حزب العدالة والتنمية نفسه. غير أن الاكتفاء بهكذا إدعاء دون التدقيق في سياقه التاريخي يجعل الحركات الإسلامية العربية عامة وحزب النهضة تخصيصا تبني على الشيء ونقيضه. فالنموذج التركي يقوم على ركائز ثلاث: العلمانية والديمقراطية والرابطة الغربية.
ولعل مسألة العلمانية تشكّل التحدي الأكبر للحركات الإسلامية عامة. فالعلمانية لم تصدر عن ثورة نقلت المجتمع التركي من التأخر إلى الحداثة، بل أصبحت في ظل سيطرة المؤسسة العسكرية بمنزلة المذهب والعقيدة التي تمارس سلطة الضبط والتدخل ومصادرة الحرية. فارتبطت بالاستبداد وتحوّلت بالتقادم إلى إيديولوجية مقدسة بل دين جديد. والحال أن العلمانية المنفتحة هي المدخل الحقيقي لفض مشكل الأقليات في بلد متعدّد الأعراق، والإطار الفعال لبناء الدولة الحديثة المرتكزة على المواطنة.
لم تظهر الأحزاب الإسلامية بتركيا إلا بشكل متأخر عندما أسس نجم الدين أربكان سنة 1970"حزب النظام الوطني". ويعود نجاح الإسلاميين المذهل في أقل من ثلاثين سنة إلى العلمانية التي دفعت نجم الدين أربكان زعيم حزب "الرفاه" الذي شكل حكومة سنة 1996 إلى تجسيد القطيعة مع الصيغة التقليدية للهوية القائمة على الجوهر السرمدي للدين. لذلك يتعين على كل حزب يعمل ضمن فسيفساء من الأعراق (أتراك – أكراد – عرب – أرمن – شركس - لاز) وطوائف متعددة (سنة – علوية – مسيحيين أرثوذكس) أن يبلور هوية وطنية تركية تعانق الواقع من خلال أبعاد ثلاثة:
-    التاريخي: عبر إدخال الإسلام في عالم الحداثة أو "أسلمة الحداثة" والكف عن دفع المجتمع قسرا على تبني المنظومة الشرعية الإسلامية.
-    الكوني: عبر تبني العلمانية المنفتحة
-    الواقعي: الذي يعتبر الهوية مسألة متحوّلة تحيل على التطور والتغير والصيرورة التاريخية بما هي وعي بالضرورة الديمقراطية.
كما أن السياسة التركية الجديدة المنتهجة لتوجه "العودة إلى الشرق" من خلال المصالحة مع الإرث العثماني، هي وليدة نتاج تاريخي لحركة "التوليف التركي الإسلامي" التي تهدف إلى إعادة بناء الهوية بإضافة البعد الإسلامي أي الإيمان من دون أسلمة للحكم. لذلك تبدو تركيا الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الوسط التي تعيش في ظل حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل الذي يرفض القطيعة مع العلمانية الأتاتوركية، بل يدافع عنها ويقيم توازنات ناجعة بين المصالح والأيديولوجيا، بين الإسلام والعلمانية، بين الانفتاح على الغرب والشرق العربي الإسلامي، بين الهويتين الفردية والجماعية، بين القومية وحكم القانون، والحال أن جميع دول المنطقة الإسلامية من المغرب إلى باكستان لم تنجح في إنجاز هكذا نقلة.
يقدم جون فرنسوى فايار Jean François Fayard  ضمن كتابه "الإسلام الجمهوري، أنقرة، طهران دكار L’Islam républicain Ankara, Téhéran et Dakar  " تحليلا رصينا لهذا الزواج الجمهوري في تركيا، معتبرا أن تركيا الإسلام والجمهورية هما على ذات السفينة، وأن العلمانية التركية تعني تبعية الدين للدولة على خلاف العلمانية الفرنسية التي تعني الفصل بين الدين والدولة. فإذا كان ثلاثة أرباع الأتراك يريدون رئيسا للجمهورية مسلما، فإن أولئك ينتظرون منه أن يدافع عن العلمانية. فالرهان الحقيقي حاضرا هو كيفية تجاوز المفهوم الإثني – الديني للمواطنة والمرور إلى إعادة تملّك مدلولها الكوني.
ومن الواضح عربيّا أن الحركات والأحزاب الإسلامية التي قبلت الدخول في المسار الديمقراطي ونبذت العنف قد تبنت الخطاب السياسي لحزب "العدالة والتنمية" (المرشد الأعلى لحركة الإخوان مهدي عاكف، عضو جماعة الإخوان عصام العريان، أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي سعد الدين العثماني، رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي). فهل يعني ذلك القبول بالعمل تحت سقف قيم الجمهورية أي تحت سقف مدنيّة الدولة وعلمانيتها؟ فالإسلاميون الأتراك يؤدون الفرائض جميعها، غير أنهم ينظّمون حياتهم وفقا لقوانين مدنية بالكامل. كما أن نصف هؤلاء قد حوّلوا الدين إلى مجرد علاقة بين الفرد والخالق مُعرِضين عن منظومة الحكم الإسلامي. لقد قبلوا بذلك مكرهين في الأول ثم استمروا طوعا، فهذّبت العلمانية خطابهم الذي لم يتغير عن النهج المدني العلماني بعد انتصارات 2002 و 2007 بل زاد ذلك النهج متانة من خلال عدم تجريم الزنا والسماح لجمعيات المثليين بالعمل بكامل الحرية.
يبدو خطاب الشيخ راشد الغنوشي بخصوص محاكاة النموذج التركي بعيدا عن كل مضمون واقعي في ضوء تصرفات الجماعات السلفية المتحالفة مع حركة النهضة، وجناحها المتشدّد أيضا. كما أن الشيخ راشد يفضل التكتم على إيمانه أم لا بالجانب العلماني للنموذج التركي، وبالتالي إذا ما كانت حركة النهضة لها صفة "الإسلامية" أم أنها في طور التحوّل لتكوّن نموذج تونسي يحاكي النموذج التركي ويعمل على يناء الدولة الديمقراطية التعددية، التي تشكل المدنيّة والعلمانية على الحقيقة مدلولها الدقيق. 



                

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire