ما
المدلول الذي يتوجب إسناده للالتزام السياسي الحزبي بعد أن نّزع عن التونسيين رهاب الدولة؟
وما الفرق بين من يندرج دورهم ضمن تأمين الانتقال الديمقراطي ومن يتعين عليهم تولى
مسؤولية رسم الأفق السياسي لحزب جماهيري وديمقراطي جديد؟ ثم ما أهمية الدفع باتجاه
انجاز ميثاق مواطني في إعطاء مضمون مفارق للعقد الاجتماعي؟ وما الذي يشرّع ومن
وجهة نظر الممارسة السياسية عقلنة سجل القيم والضوابط الناظمة للعيش المشترك باتجاه
صون الحريات الشخصية وإعطاء مدلول واقعي دقيق لكرامة الأفراد؟
ليس هذا مجال إفاضة في الإجابة عن مختلف هذه التساؤلات اعتبارا
إلى أن نص المرجعيات الفكرية والسياسية لحزب نداء تونس، وهو توليف تحاورت وفي
بداية خريف سنة 2012 مجموعة من الجامعيين والمثقفين والمعنيين بالشأن المدني
والسياسي بخصوصه وصاغت محاوره الكبرى، سبق وأن قدم مختلف التوضيحات بخصوصها.
كل ما بوسعنا اقترحه ضمن هذا الإطار وفي سياق مختلف عن
ذاك الذي جمعنا للتفكير الحرّ حول مرجعيات تشكيلة سياسية حادثة لا نزال نستشعر
ضرورة تعميق مرجعياتها، هو جملة من الإيماءات الخاطفة نسعى إلى عرضها على الحضور
آملين أن يتم تدبّرها بعين فاحصة.
-
يبدو الالتزام السياسي ضمن واقع ما بعد الثورة تونسيا
غير معني بمحورية إعطاء مدلول شخصي للمسؤولية، لأن ما يطغى على المشهد السياسي وإذا
ما نحن تغاضينا عن منطق الاصطفاف والسجال والمناكفة وحتى اللغو المجاني أحيانا، هو
الدفع باتجاه إعادة إنتاج منظومة السلطة الفردية la volonté de reproduire le même système de pouvoir
personnel والامتناع عن ربط المسؤوليات بمدلول شخصي دقيق la personnalisation des responsabilités.
لذلك فالسؤال الحقيقي الذي ينبغي أن ينخرط ضمن الأفق السياسي للأحزاب الكبرى ينبغي
أن يكون كالتالي: ما الذي يجعل تلك التنظيمات السياسية مؤهلة حقيقة لتفادي
الانزلاق بالتدرّج في ما يشبه "الروابط الموالية للزعامة السياسية؟ Que ce qui fait qu’une formation partisane puisse
éviter de se muer en ligue de supporteurs d’un leadership politique ?
-
إن إعداد البلاد للانخراط في منطق الممارسة السياسة الديمقراطية
المتحزّبة والمهيكلة يدفع بالضرورة إلى تقاسم الأدوار، بين من يتوجب أن يضطلعوا بمسؤولية
وضع التصوّرات الكفيلة بإنجاح الانتقال الديمقراطي بطريقة سلسة مقبولة، وبين من
يتعين عليهم الإسهام في رسم الأفق المستقبلي عبر تصوّر الخطط والتكفّل بمتابعة
إنجازها، من خلال القبول بتحدي الدخول في منافسات هدفها التداول السلمي على السلطة.
وتستوقفا في هذا السياق واقعة معبّرة حصلت في غضون سنة 1961 في صفوف الحزب الحر الدستوري، وتمثلت في نشر البشير بن يحمد ومحمد المصمودي
لمقالهما الموسوم بـ "شخصنة السلطة le pouvoir personnel" ضمن دورية أفريك – أكسيون
للتحذير من مغبة الانزلاق في الشخصنة، مميزين في هذا الصدد بين محدودية الايجابيات
المترتبة على مثل ذلك التوجه مقارنة بالمحاذير القاتلة التي يمكن أن يتمخض عنها.
-
تبدو مسألة التعاقد الاجتماعي محورية في تمثل رهان الفعل
السياسي الحزبي كمرآة عاكسة لمستوى النجاح
في تنظيم الصراع السلمي بين التوجهات الفكرية المتضاربة والمصالح المادية المتنافرة.
لذلك فنحن نعتقد أن مسألة الوحدة الوطنية التي غالبا ما تمّ إعلائها تونسيا قصد
تجاوز الخلافات وتحقيق التوافقات، لابد أن تتجاوز دائرة المواضعات التوافقية inerties consensuelles لتنخرط في
دينامكية التوافقات غير الملغية للصراع consensus conflictuels . وفي الأثناء
لابد من التفكير في الدخول الجدي في حوار رصين بخصوص محتوى "ميثاق مواطني un pacte citoyen" يسعف في صياغة تمثل عقلاني
للشرعية عبر فصل الاعتراف بوجودها عن ضرورة حضور الإجماع. La légitimité n’exigeant aucunement l’unanimité
- إن عقلنة
سجل القيم وتحيين الممارسات السياسية يحتاج إلى ردّ الاعتبار لكل ما يشكل أُس لعيش التونسيين
المشترك، وليس أبلغ في هذا الصدد من تملّي الأنموذج المجتمعي التونسي الذي تمت
إعادة تركيب تفكيره من خلال تعويده ووفقا لمقولة جاك بيرك الشهيرة على
"مفردات المعجمية التي أدخلها رواد الإصلاح على الثقافة السياسية Ils enseignaient à la masse le lexique d’une vie
nouvelle" على غرار المرحلية la graduation في الفكر
البورقيبي، تلك التي مثلت عنصرا فارقا في اللعبة السياسية، تمكن التونسيون من خلاله
إلى الاقتناع بأن قوانين اللعبة السياسية يمكن أن تطيح بأعتى الإمبراطوريات الاستعمارية.
لذلك تمت مماثلة تلك السياسة في "فن مطابقة الأهداف القريبة مع الوسائل المتوفرة
l’art
d’ajuster ses fins proches aux moyens dont on dispose actuellement"
مع الماكيفلية، بل ووسم مخترعها بـ"مكيافيل الشرق". إن النجاح في إثمار ذلك يتعين أن يمر اليوم من بوابة التأسيس لـ"جمهورية مواطنين ومجتمع سياسي حقيقي
قادر على تخطي واقع الجماعة المنبهرة أو المفتتنة بمنجز زعيمها. وفي انتظار
ذلك ينبغي على الفعالين السياسيين إعادة استكشاف كيفية تعبير التونسيين عن أصالتهم
قصد توظيف المرادفات الكفيلة بإخراجهم من واقع الاصطفاف والمناكفة غير المنتجة
للمعنى، إلى واقع الفعل السياسي المتحزّب المنظم والمعقلن، متأملين في جميع ذلك في
نصيحة "سان جيروم Saint Jérôme
الداعية إلى "ضرورة
تخصيص ما يلزم من الوقت لحفظ ما نحن مقدمون على تدريسه Il faut
longtemps apprendre ce qu’on doit enseigner
longtemps apprendre ce qu’on doit enseigner
لمن تقرأ زابورك يا سي لطفي ألست ترى أنّهم يسيرون على خلاف الشرط الجديد في ّتفادي الانزلاق " ؟ بالتدرّج في ما يشبه الروابط الموالية للزعامة السياسيّة " ؟
RépondreSupprimerأما زال عندك أمل في من تربّى داخل حيّز التسلّط والانتهازيّة والانفراد بالرأي ؟
بلا، لكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح في هكذا مقام هو هل أنهم قادرون على نكران ذواتهم وشق الصحراء بحكمة المبتلي، موقنين أن النداء لن يجد آذان صاغية وعقول متدبّرة إلا حينما يوازيه صدق في القول وإخلاص في العمل على حد مأثور كلام كبيرهم ومن علمهم السحر
RépondreSupprimer